إجراءات ثأرية من المسرحيين الأتراك

جواد فهمي باشكوت، خلدون طانر، عزيز نيسين، ناظم حكمت.. وغيرهم كثر من إعلام الأدب والمسرح في تركيا ممن أغنوا بأعمالهم وإبداعاتهم المشهد الثقافي العالمي على مدى عشرات السنين..

وباعتبار أن مناسبة التذكير بهؤلاء الأعلام مرتبطة بالمسرح فلا بد من التذكير بأن المسرح التركي شهد قفزات نوعيّة على يد هؤلاء الكتّاب الذين برعوا في تصوير معاناة المواطن التركي وصوروا بدقة متناهية طبيعة المجتمع التركي ذي السمة الشرقية التي طبعت شخصيات المسرح التركي بطابعها.

 

وقد شهدت خشبات المسارح السورية في العقود الأخيرة الكثير من الأعمال التي اعتمدت على نصوص مسرحية تركية، ومعظم هذه المحاولات جرى (تسويره) أو (تشويمه) باعتبار أن التشابه ملموس بين طبيعة المجتمع في البلدين (الجارين).
المسرح التركي اليوم يواجه خطر الإمحاء والتذويب على يد قادة هذا البلد الذين يدون كالثيران الهائجة التي تجد في كل شيء وفي أي شيء من حولها أهدافاً مشروعة لـنطحاتها.. فقد هدد رئيس وزراء تركيا الحالي بحجب دعم الدولة عن المسارح التركية بعدما ظنّت ابنته بعد حضورها أحد العروض المسرحية أن أحد الممثلين كان يسخر -ضمناً- منها، وقد شبّه أحد المطّلعين على القضية أن الواقعة تبدو وكأنّها امتداد لعهد السلاطين حين كانت زلّة اللسان كافية للحكم بالموت على مرتكبها. الأوساط الثقافية والفنية في تركيا أصيبت بالذهول بسبب موقف رئيس وزراء تركيا من هذه القضية التافهة شكلاً ومضموناً، وخاصة عندما وصف الممثلين الأتراك بأنهم ثلّة من السكارى، وقال حرفياً: «إن المسارح التركية لا يمكن أن تتلقى دعماً من الحكومة ثم تعضّ اليد التي تطعمها».. ولنلاحظ هنا أن الرجل يعتبر دعم الدولة للثقافة إنما هو منّة ينبغي على المثقفين أن يقبّلوا يد الدولة -وربما يده شخصياً- عليها في أبلغ تعبير عن طبيعة الديمقراطية التي تتشدّق بها تركيا هذه الأيام. لكن التعبير الأبلغ والذي يمثّل التجسيد المثالي للفكر (الديمقراطي) عند رئيس وزراء تركيا الحالي هو قوله: «إذا كان دعم الدولة مطلوباً للمسرح فإننا سندعم المسرحيات التي نريدها» أي بتعبير آخر «المسرحيات التي تمجّد سلطان الزمان».. وما أشبه اليوم بالأمس حين رضخ السلطان العثماني قبل أكثر من مئة عام لرجعية دمشق حينما رفعت شكواها إليه ضد مسرح رائد المسرح العربي أبو خليل القباني فبادر السلطان العثماني آنذاك إلى إغلاقه، لكن الفرق هنا أن سلطان ذاك الزمان لم يكن يرفع سيف الديمقراطية ويطوح به ذات اليمين وذات الشمال.
ولم يكتفِ رئيس وزراء تركيا الحالي بهذا الموقف الموتور بل عمد إلى توجيه الإهانة إلى جميع مثقفي تركيا حين خاطبهم قائلاً: «من تكونون؟ ومن أين تستمدون السلطة للتعبير عن رأيكم في كل قضية وتجادلون بأنكم تعرفون كل شيء؟» وأتبع ذلك بسلسلة إجراءات نالت من المسرح التركي عندما عمد إلى اتخاذ قرارات حجب معونة الدولة عن المسرح وخصخصته مدّعياً أنه لا توجد دولة متطورة تقدم الدعم للمسرح، فجاءه الردّ سريعاً من جمعيات الفنانين في تركيا التي أشارت إلى أن هذا الكلام غير صحيح، موضحة أن المسرح مدعوم من الدولة في البلدان المتطورة تحديداً.
المفارقة في الموضوع الذي أثار كل هذه الضجة وأدى إلى هذه الإجراءات الثأرية ضد الثقافة التركية هي أنه عندما تم استدعاء الممثل تولغا تونجر المتهم بإهانة ابنة الامبراطور المعظَّم إلى مكتب وزير الثقافة التركي بهدف توبيخه على تصرّفه أوضح أنه لم يهدف إلى الإساءة إليها لسبب بسيط هو أنه لا يعرف شكلها.

 

جوان جان    2012-07-31http://alwatan.sy

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *