عن المسرح وقضاياه مــــــــــــــــع الفنان حسين عبد علي: المسرح الوطني خصص لبرجوازيـة العـــــــــــروض والمسارح تحفر الصخر بأظافر عارية

 

لا يبدو الوضع المسرحي بخير… هذا ألطف انطباع ستخرج به بعد قراءتك لهذا الحوار مع الفنان المسرحي حسين عبد علي، الذي اشتهر مؤخراً بإخراجه لمسرحية «عندما صمت عبد الله الحكواتي» الفائزة بأفضل عرض متكامل في مهرجان المسرح الخليجي، بالشارقة. فهذا المسرحي المشاكس، لا يكف عن توصيف الحالة بما يليق بها من توصيفات، كما أنهُ لا يتحدث عن سوء الوضع المسرحي من الجانب الرسمي فقط، بل أنهُ يتناول بالنقد أولئك الباقون في جمودهم «المقدس» في التعاطي مع المسرح!
في هذا الحوار ستقرأ عن الإشكالية التي يعاني منها المسرح العربي الذي أضحى أسير إيهام الخشبة الإيطالية كما يقول حسين، كما ستسبر أغوار «المكان الوحيد الذي يتخلص فيه الإنسان من كل القيود». ثم ستقف أمام تصريح يدعي فيه الفنان بأن الموقف الرسمي يتكأ على استراتيجية لخلق مسرح شكلي برجوازي، لا يخدم سوى طبقة ليست معنية بالمسرح أساساً، فيما المسرح الجاد يصارع من أجل البقاء!
ولا يقف حسين عبد علي عند هذا الحدّ، بل يذهب بعيداً في تفاصيل الميزانية التي ترصدها إدارة الثقافة لكل مسرح أهلي، والتي بقيت ثابتة على ما هي عليه منذُ أكثر من عقد ونيف، دون أي اعتبار للتغيرات الحياتية والاقتصادية التي مررنا بها طوال هذه الفترة الزمنية.
وعلى الصعيد الشخصي، يسرد لنا عبد علي تفاصيل تجربته التي خاضها مع المخرج البريطاني «تيم سابل» والتي كانت عبارة عن منافسة بين ممثلين من مختلف أنحاء العالم. ويضربُ لنا بذلك مثلاً كيف أن الوضع غير مهيأ للذهاب بعيداً في إبداعك، كما يحدثنا عن تجربة استطاع من خلالها أن يجيب على سؤال ما إذا كان هناك مسرح في البحرين!.. وإلى نص الحوار:

] بداية، يبدو ظاهراً تعرضكم للعديد من الانتقادات بعد خروجكم عن طريقة العرض التقليدية في مسرحية «عندما صمت عبد الله الحكواتي».. وهذا ما جعلك -في حديث سابق- تنتقد جمود بعض النقاد تجاه الأساليب التقليدية في المسرح. برأيك ما تأثير هذا الانغلاق على تشكيل الحركة المسرحية؟
– وكأنما الأصل كانت العلبة!!.. في حين البداية كان العراء، من خلال الاحتفالات والطقوس الدينية بدءا من المسرح الأغريقي وحتى مع تطوره في الحقبة الرومانية، لم تكن هناك علبة إيطالية على الإطلاق.. فالعلبة الإيطالية هي دخيلة على المسرح لا أساسية.. والإشكالية في المسرح العربي، أنهم لم يعرفوا شكلاً وفضاء مسرحيا سوى الخشبة الايطالية الايهامية، التي جاءت على يد التاجر البيروتي مارون النقاش، لتسيطر على كل أشكال التلقي المسرحي بل وتحتكرها..
وبعيداً عن الدخول في التفاصيل التاريخية وتحويل الجواب إلى درس في تاريخ المسرح، فأنّ من يستنكر الخروج عن العلبة الإيطالية من نقاد ومسرحيين وأكاديمين، لا أظن بأن دراسته في المعاهد المسرحية لم تشمل إلى جانب هذه العلبة أشكال متعددة تهدف لتغيير العلاقة بين مكان العرض والمشاهد، منها على سبيل المثال: الصندوق الأسود، الاستوديوهات التجريبية، المسرح الدائري، المنصة الممتدة للأمام وغيرها.. وأن مخرج أي عمل لديه الحرية المطلقة في اختيار الفضاء المناسب لنصه.. ولدى المتلقي والناقد الحرية في انتقاد العمل شريطة الأخذ بمعطيات التجربة، وليس على ما يعتقدهُ هو، أو ما يؤمن به من شكل معين، معتبراً أن أي شكل آخر لا يتعدى كونه فذلكة وعرض عضلات.. الناقد أمام أي عمل مسرحي هو أمام وليد مولود للتو.
وأبعد من تحويل هذا السؤال إلى درس في المسرح وأشكاله، والنقد.. في اعتقادي أن المسرح هو المكان الوحيد الذي يتخلص فيه الإنسان من كل القيود.. ففكرة أن نقوم نحن المسرحيين بخلق قيود نقيد بها عقولنا قبل ايدينا، هي فكرة غبية وإشكالية كبيرة..
] على ماذا تعتمد المسارح في البحرين اليوم، هل يسود الارتجال الإداري أم التخطيط ووضع آليات العمل المنتظمة؟
– الحركة المسرحية في البحرين حالياً قائمة على ارتجالات وجهود شخصية، طفرات لامعة هنا، وشذرات هناك.. أما الاستراتيجية الوحيدة التي تتكأ عليها الدولة لتطوير المسرح في البحرين، فهي خلق مسرح شكلي
برجوازي من طبقة الخمسة نجوم، يخدم طبقة لا يعنيها من المسرح شيء بقدر ما يهمها تسجيل حضور عرض مسرحي لفرقة غربية أو نجم معين كـ «برستيج» أو للفوز بصورة يضيفونها في حسابهم على الانستجرام..
أما المسارح التي تحفر الصخر بأظافر عارية، فهي تعاني الأمرين للحصول على صالة لإقامة البروفات، وتعاني الأمر من الأمرين للحصول على الصالة اليتيمة والوحيدة المتوفرة لهم «الصالة الثقافية».. هذه المسارح التي هي أساساً مجرد فرق مسرحية أهلية غير ربحية، تعتمد ميزانيتها بشكل مطلق على ما تمده وزارة الثقافة من دعم سنوي مقداره 12 ألف دينار، والغريب أن هذا المبلغ يُصرف للمسارح منذ ما يقارب 14 عاماً، وعلى المسارح أن توزّع هذا المبلغ على أعمالها المسرحية بكل تفاصيلها من توفير الديكور، والإضاءة، والوجبات لطاقم العمل، وللمطبوعات الإعلانية، وإعلانات الشوارع والصحف والمجلات، ولمكان العرض في حالة عدم الحصول على الصالة الثقافية ولصيانة الشقة التي تسمى بـ «المقر» ولدفع راتب عامل في المقر، ولإقامة مهرجاناتها المسرحية وفعالياتها، والقائمة تطول ولا تنتهي.. وإذا افترضنا جدلاً -مع أن الافتراض ليس منطقياً حسب ما برهنته التجربة- إذا افترضنا أن هذه المبلغ بالكاد يغطي التكلفة الانتاجية قبل 14 عاماً، فلا أظن الوزارة يخفى عنها موجات الغلاء التي نعيشها بشكل مستمر وغير منقطع، فسعر قطعة الخشب التي نشتريها قبل 14 عاما هي القطعة نفسها ولكن بسعر مضاعف، وقس عليه كل تفاصيل العمل المسرحي والمعيشة ومقر المسارح الأهلية..
وفي ظل إيمان العاملين في المسرح أنفسهم، أن المسرح في البحرين «ما يوكل عيش»، تقفز مجموعة من الشباب المهتمين بالمسرح، وتعزم على دارسة المسرح في الكويت.. المنطق يقول أننا يجب أن نعض بنواجذنا على هذه المجموعة.. لكن ما يحدث أن هذه المجموعة تجد نفسها وحيدة تكابد مشقة دفع رسوم المعهد، ومشقة المعيشة هناك، وقد كلّ متنها طرقاً على الأبواب للحصول على يد معونة، والمزعج في الموضوع أنها لن تجد هذه اليد، ومع ذلك يصرون على مواصلة الدراسة، في الوقت الذي ترسل فيه الوزارة موظفيها ومحسوبيها لورش هنا، ودورة هناك، ولفعالية شكلية هنا، ولزيارة هناك.. لذلك، يبدو الحديث عن التخطيط وآليات عمل منظمة تدار بها رحى الحركة المسرحية في البحرين مبكياً ولم يعد يضحك أحداً على الإطلاق..

] يقتصر دور إدارة الثقافة على الدعم المالي كما ذكرت، فما المطلوب من هذه الإدارة تجاه المسرح والمسرحيين؟
– نبت على لساننا الشعر ونحن نجتر متطلباتنا من إدارة الثقافة.. تحوّلنا إلى لوحة «الصرخة» للنرويجي إدفارت مونك، ولا من يسمع هذا الصراخ.. لنلعب لعبة أخرى هنا، ونقول: «يا إدارة الثقافة.. ماذا تريدين منا؟!».. سيكون الجواب في إحالة مسؤول للتقاعد عمّا قريب وتفريغ آخرين وبقاء المقاعد المرتبطة بالمسرحة فارغة تماماً، وبذلك سنفقد حتى الصدى الذي يعيد صراخنا لنا من جديد، ستكون صرختنا شبيهة تماماً لصرخة آل باتشينو في المشهد الأخير من الجزء الثالث من فيلم «العراب» أو «godfather».
لذلك أنا مؤمن تماماً كمسرحيين أن نوفر طاقة صراخ توسل الاهتمام والتقدير، لخوض غمار مناطق إبداعية تكون كفيلة الاستغناء عن هذا الاستجداء اللانهائي للوزارة، أن نبحث عن حلول وإن كان على حساب جودة أعمالنا أحياناً، وعلى حساب وقتنا وميزانيتنا الخاصة لكي لا نكون بحاجة لدعم لا نبلغه.. ولذلك أيضاً، نرى أن بعض الأعمال المسرحية استغنت عن الصالة الثقافية واتجهت نحو فضاءات عامة، تعمل على تحويلها لفضاء مسرحي.. ولذلك أيضاً، عمدت بعض المسارح الأهلية لصنع إضاءاتها الخاصة لأنها لا تملك القدرة على شراء إضاءة تواكب آخر تطورات التقنية.. وقس عليها الكثير من المجالات التي يبدع فيها المسرح البحريني، لا لشيء سوى لكي لا تكون صرخته استجدائية لمن لا يسمعه، بل صرخة يستمدها من ديكارت مفادها «أنا موجود»..

] بعيداً عن لوم الجانب… لماذا لا تكون هناك اتصالات بينكم كمسارح وبين الجمعيات الأهلية، كنوع من التبادل الثقافي، وإشاعة الثقافة المسرحية في المجتمع؟
– بحكم تجربتي مع مسرح الصواري، أظن بأن هذا التواصل موجود بما تسمح به الفرص، فمن خلال مشاركتي في مسرحية «متروشكا» لعبد الله السعداوي، فقد قمنا بعرض هذا العمل في العديد من الجمعيات الأهلية كـ «جمعية المنبر التقدمي» و»جمعية العمل الوطني الديمقراطي» بالإضافة لـ «صحيفة الوسط». وكذلك في عمل «الساعة الثانية عشر ليلاً» للسعداوي أيضاً، حيثُ قمنا بعرضه في «جمعية نهضة فتاة البحرين»، وهناك العديد من العروض التي تقدم في الجمعيات الأهلية. كما أن غياب وانعدام توافر صالات العرض لإقامة البروفات، يدفع المسارح للاستعانة بمقرات الجمعيات الأهلية، وهناك عدد جيد من الجمعيات التي تفتح قلوبها قبل مقراتها للمسارح.

] بعيداً عن كل ما سبق، حدثني عن التجربة التي خضتها، والتي كانت عبارة عن تنافس أو مسابقة بين العديد من الممثلين من مختلف أنحاء العالم، والتي بلغت فيها مراحل متقدمة؟
– القصة بدأت باتصال هاتفي من أحد الأصدقاء، يخبرني عن تواجد مخرج بريطاني يدعى «تيم سابل» في البحرين وهو أحد المخرجين المهمين في العالم، وكان بصدد إخراج عمل يرتكز على «ألف ليلة وليلة»، وقتها ظننت أن المخرج يقوم بورشة عمل تدريبية أو ندوة حول تجربته، ولكنني عندما ذهبت للقائه كانت زيارته للبحرين هي من ضمن زيارات متعددة شملت معظم الوطن العربي وأوروبا لإقامة تجربة أداء لاختيار طاقم مسرحيته..
بعد انقضاء تلك الليلة، توقعت أن «سابل» سيغض الطرف عن زياراته في البحرين، بسبب عدم جاهزيتنا لتجربة الأداء، ولأن العدد كان قليلاً مقارنة بالدول العربية الأخرى.. لكنهُ عاود الاتصال بي مرة أخرى بعد فترة من الزمن، وأخذنا معه إلى الكويت، لخوض تجربة أداء أخرى جمع فيها من تم اختياره من الخليج العربي.. وكان محط رحالنا الأخير في الاسكندرية، حيث جمع خمسين ممثلاً من كل البلدان العربية والأوروبية التي زارها لفترة أسبوع كامل سيختار منهم 20 ممثلاً ليكونوا طاقم العمل النهائي… فكرة العمل هي فكرة احترافية بحتة، حيث يتوجب على كل فرد في طاقمه أن يكون متفرغاً للمسرحية طوال سنتين متواصلتين، ولمدة سنة على شكل متقطع.. حيث تم عرضها في مهرجانات عالمية عدة مثل: مهرجان إدنبره للفنون، مهرجان تورنتو للفنون والإبداع «لوميناتو»، وشيكاغو.. هذه الفكرة الاحترافية في ظل بيئة غير مهيأة لها، تعتبر مغامرة قد تحرف مسار حياتك نحو السماء، وقد تعود منها حاملاً أوراق سيرتك الذاتية، باحثاً عن عمل، مصطفاً في وزارة العمل للمطالبة ببدل تعطل.
الخلاصة أنني سقطت من القائمة النهائية واستقر المخرج على مجموعته، ولكن أعتبر هذه التجربة فريدة من نوعها، فمن خلال أسبوع واحد، استطعت تلمس أن تكون مسرحيا بحتا، أن يكون يومك بالكامل مسرحا، تستيقظ من الصباح لتمارس تمارين رياضية، من ثم تمارين صوت، تمارين استرخاء، تمارين على النص.. وغيرها.. والأهم من كل ذلك، أن بعض أفراد المجموعة الذي كان يسأل: «هل في البحرين مسرح؟!» وجدوا إجابتهم المناسبة.

 

سيد أحمد رضا:

http://www.alayam.com/


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *