لكتابة للمسرح .. غائِبة أَمْ مُغيِّبَة؟!

 

في جزء من تفسير حالة التراجع والتردي التي اصابت مشهد المسرح في البلاد ، يقدر البعض غياب النص المسرحي المحلي كأبرز إشكالية متسببة في وصول المسرح إلى ظروفه غير السارة في واقع اليوم..
وفي تقدير البعض الآخر أن الاشتغال المسرحي تأليفاً وعرضاً، لا يمكن أن تنهض به طاقات فردية ، إنه جهد يحتاج إلى حاضن مؤسسي يشجع ويدعم ويؤثث اشتغالاته ويوفر إمكاناته .



لابد من الاعتراف أن السؤال الذي أردنا طرحه للنقاش مع عدد من المسرحيين والكتاب لم يكن بالمفاجئ، فغياب ركيزة هامة من ركائز العمل المسرحي ( النص ) هو تداعي لحالة غياب عوامل وظروف عديدة ، أقلها إثارة أن الكاتب المسرحي يدرك مسبقا أنه لا خشبة مسرح في الواقع !!
ويتفق الكاتب والفنان المسرحي عبد الكريم مهدي مع القول بعزوف الكثير من كتاب النص المسرحي عن الكتابة للمسرح ،لكنه لا يرى أن ثمة أزمة نص ، بقدر ما يمثل “العزوف عن الكتابة للمسرح إشكالية طبيعية لغياب المؤسسات الانتاجية الرسمية وغيرها من المؤسسات الأهلية التي يفترض بها ان تتبنى هذه المهمة” . ويعيد مهدي تأكيده :” الكثير من الكتاب لديهم من الأعمال والنصوص المسرحية المكدسة ، لم تجد طريقها للإنتاج “
تغييب وإهمال رسمي..
وليست مهمة الكاتب المسرحي أن يبحث عن الجهة التي تتبنى أو ترعى أعماله، -بحسب تعبير القاص والكاتب المسرحي عبدالله عباس الإرياني – يقول : “النص المسرحي المحلي موجود، إلا أن هناك من أراد أن يغيبه عن طريق الإهمال المتعمد لكتاب المسرح اليمنيين، أوالتقليل من شأنهم” ويتساءل : “لماذا لا يقوم المعنيون بالمسرح بالبحث عن الكاتب وتشجيعه، بدلا من قيام الكاتب بالبحث عنهم وتبني الأعمال الصالحة، ومنح الكاتب حقه المعقول بدون من وجع دماغ.؟!”
الإرياني وهو صاحب مؤلفات مسرحية أغلبها لم تجد فرصتها على خشبة مسرح يشخص الوضعية المتردية للمسرح في الراهن اليمني بأنها نتاجاً للرؤية الثانوية للدولة ،”فالمتتبع للحركة المسرحية اليمنية أنه بدأت تتراجع مذ أن أصبح المسرح أمرا من الأمور الثانوية للدولة، حتى أنها لا تمنح المسرح، في السنة، ما يساوي قيمة ربع سيارة مما تصرفه لمسؤول، ويا ليته يقوم باستخدامها لمشاوير الدولة وحسب، ولكنه يسخرها لمشاويره الخاصة وأفراد أسرته !!”
ويضيف :” ثقافة المسرح فعل تراكمي، فهل تم تكوين مجتمع يحب المسرح، ومن أجله سيدفع قيمة التذكرة لمشاهدة المسرحية. إنه تكريس التخلف، فكيف يمكن أن يكون هناك مسرح بحق وحقيقي ؟ المسرح في جميع أنحاء العالم يشاهده الناس مقابل مبلغ معين، إلا في بلادنا حتى يظل مرهونا بقبضة الدولة، حتى تطفش المسرحيين بالمبلغ الزهيد الذي تدفعه لهم، إذ لا تتجاوز ميزانية المسرحية أكثر من مائتي ألف ريال، فكيف توزع على كل ذلك الكادر المسرحي، ومع هذا فإن المسرحيين يحاولون جاهدين في التمسك بأمل المسرح. “
ويلفت الإرياني إلى قتل السينما في اليمن ليصل إلى التأكيد على أنه “بعد قتل السينما في بلادنا. المسرح لا يمكن أن ينهض ويرتقي إلا بالقطاع الخاص، والقطاع الخاص بحاجة إلى جمهور لا يشاهد المسرحية مجانا، فلماذا غياب الجمهور؟ وهو الجمهور الذي يشتري القات بمئات الملايين سنويا”
والحديث عن المسرح في اليمن وظروفه مثله مثل الحديث عن ظاهرة الفساد كما يقول الارياني ، “فما أكثر ما تحدثنا عن المسرح، مثله مثل حديثنا عن ظاهرة الفساد، لا جدوى من الحديث ما دامت الدولة تفتقر إلى الإرادة الحقيقية للإصلاح ، لقد صار الحديث عن المسرح مملاً ، مثله مثل الحديث عن الظواهر السلبية في بلادنا وما أكثرها.”

انكفاء الكاتب والمسرحي..!!
من جهته يلفت الممثل المسرحي عبدالله العمري إلى وفرة النص المسرحي في الفترة التي شهد المسرح فيها نهوضا وهي فترة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات ، ويشرح : “لأن الاهتمام كان واقعا ملموسا أزدهر النص المسرحي مثلما أزدهر نشاط المسرح بشكل عام “
وفي تقدير الفنان العمري فإنه لا صحة للقول بغياب النص المسرحي الآن ، “هناك كتاب كثر لكن غياب الاهتمام بالمسرح عموما أدى إلى انكفاء الكتاب المسرحيين على أنفسهم وأدى إلى انكفاء حركة المسرح برمتها” مضيفاً : “هناك مثلا عبدالله عباس الارياني وغيره من الكتاب اعتقد أن عبدالله عباس الارياني لديه كثير من المسرحيات المهمة التي من المهم أن تجد من يتبناها ويتبنى عرضها”
وبالإجمال يعلّق الفنان العمري : “إنها ظروف الرؤية الراهنة للثقافة عموما وللفنون بوجه خاص وهي رؤية سلبية مع الأسف ، إذ لا تحظى فكرة المسرح باهتمام رسمي واهتمام المجتمع اليمني كما كان حاصلاً في فترة السبعينات إلى منتصف الثمانينات”
المسرح لا يتحقق بصورة فردية
ويكاد الشاعر والروائي علي المقري يفترق قليلا في إفادته عما سبق فهو يرى أن “المسرح يحتاج إلى جهد مؤسسي لكي ينتعش ولكي يطور ويخلق بيئة مشجعة وفاعلة “
ويستدرك : “هذا للأسف لا يتوفر في راهن اليوم ولا منذ سنوات طويله وبالتالي من الطبيعي أن يؤدي هذا الحال إلى تردي وتراجع النشاط المسرحي تأليفا وعرضا “
المقري في تشخيصه لطبيعة العمل المسرحي يؤكد أيضا أن “المسرح ليس كأشكال الكتابة أو الأعمال الإبداعية الأخرى التي يمكن أن تنجز بطريقة فردية -وإن كان مهماً حضور الاهتمام المؤسسي – بهذه المبادرات الإبداعية الفردية “
موضحا : “الكتابة الشعرية والسردية يمكن أن تتحقق بشكل فردي وفي ظل غياب الاهتمام والرعاية المؤسسية لكن ما يتعلق بالمسرح فهذا نوع من النشاط الذي يحتاج إلى جهد مؤسسي يشجع على التأليف المسرحي ويمكن المسرح من إمكانات فنية كالإخراج والديكور وغيرهما “
وتلخيصا لحديثه :”طبيعي إلا يوجد كاتب نص مسرحي لأن هذا الكاتب يعرف مسبقا أنه ليست هناك خشبة مسرح وأنه لا يوجد هناك من يهتم بما يكتبه .”

 

 

محمد صالح الجرادي

www.althawranews.ne

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *