«الغرباء لا يشربون القهوة»

 

 

 

علي مسرح الفن وهو المسرح الصغير المجاور لمسرح البالون شاهدت لك هذا الأسبوع مسرحية لواحد من كبار الكتاب، وهو المؤلف القدير محمود دياب وأما اسم مسرحيته فهو «الغرباء لا يشربون القهوة».

العنوان يقدم لك أكثر من جانب.. هذا الجانب الذي تلمسه هو أن هؤلاء الغرباء هم من يزورونك، لا بل يقتحمونك، فليسوا ضيوفا جاءوا ليشربوا معك القهوة ولكن حضروا لغرض آخر تماما وهو ما يقع تحت بند الاغتصاب.

يريدون أن يسلبوك بيتك القديم الذي عشت فيه كما عاش فيه آباؤك وأجداداك يريدون ان يسرقوا ما هو ملك لك من انتمائك لبلدك .. لوطنك.. لأصلك فالوطن لا يكون وطنا إلا بالانتماء.. هذا الانتماء هو ما يريدون أن يسلبوه منك .. هم في حكم الغزاة .. لابد لك أن تقف بكل قوتك أمامهم وضدهم في الماضي كان الكاتب محمود دياب يقصد شيئا آخر.. لكن هذا هو الكاتب الكبير الذي كلما تمعنت فيما يكتب وجدته صالحا لأكثر من حالة.

الحالة التي نحن فيها حاليا هي هذه الجماعة التي تريد تغيير هويتك واقتلاعك من جذورك وهو علي أي حال ما لا يمكن أن يكون في مصلحتك ولكن في مصلحة هؤلاء الغرباء ولمصلحة من وراءهم .

هنا المسرحية تكاد تكون الوحيدة التي شاهدتها لك منذ أكثر من سنوات ودون ان يكون بها أي عنصر نسائي بل هناك رجال أحيانا يرتدون ملابس النساء وهو ما يليق بهم وبفكرهم الخسيس.

مدة المسرحية في الحدود المقبولة حاليا وهي لا تتعدي الساعة والربع وهي كافية تماما لإيصال المعني للمتفرج المتلقي دون مشقة الجلوس طويلا وفي كثير من الاحيان مما يؤثر بالسلب علي المتفرج المتلقي وأيضا علي النص أو العرض، فالإطالة هي ضد العمل الفني خاصة إذا ما كانت في غير محلها أي لا تقدم ما ينتقص النص أو لنقل ما يكتمل به النص.

الإخراج هنا لحمدي أبو العلا الذي لابد من تقديم تهنئة له علي اختياره لهذا النص لمحمود دياب.

استطاع المخرج أن يقدم العرض من خلال ممثل واحد فيما يشبه المونودراما ولكن هنا ليس وحده بل معه مجموعة الغرباء الذين قدمهم المخرج في صورة غريبة بملابس غريبة وأيضا اشكال غريبة وكلهم حليقو الرأس ليحيطوا بالبطل في أكثر من مشهد حيث قدموا لنا بالضبط المطلوب من الغرباء تقريبا دون حوار مع البطل إلا فيما ندر وهم فقط يمزقون خزانته التي يحتفظ فيها بكل أوراقه .. تاريخه منذ الطفولة وكل المراحل التي مر بها منها ملكيته للمنزل وغيرها من الأوراق المهمة التي تشكل هويته والتي يحرص عليها .

الديكور لدينا بسيط هو واجهة منزل قديم وإلي الجانب شجرة كبيرة هي التي يصعب اقتلاعها من الأرض فيما يؤكد أن الهوية الخاصة بالانسان يصعب أيضا اقتلاعها .

الاضاءة كانت متميزة وبالمثل ملابس الغرباء والتي بدت لنا غريبة هي الأخري.

فماذا عن البطل وهو هنا محمد متولي في واحدة من أروع أدواره والتي من خلالها قدم كيف يمكن للمثل الكبير أن يكون كبيرا بالفعل .. قدم دور المصري المحافظ علي أصله وهويته والتي يقف بكل شجاعة ضد من يحاول الاستيلاء عليها .

دور يحسب بالفعل لمحمد متولي . قدمه ببراعة وإحساس الفنان الذي لديه الموهبة ثم تمرس أيضا علي الأداء المسرحي وهو من أصعب ما يمكن لفنان أن يقدمه .

حسب ظروفنا الحالية لابد من تهنئته للمخرج حمدي أبو العلا ولمدير مسرح الفن سامح مجاهد ثم لرئيس البيت الفني فتوح أحمد.

 

 

آمــــــال بكيـــــر

http://www.ahram.org.eg/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *