المختصون في ملتقى الشارقة يؤكدون: المسـارح العربية ليست عشرة على عشــرة

 

 

 

في ندوة تحت عنوان “المسارح العربية: 10%10” ناقش ضيوف أيام الشارقة، واقع وتحديات المسارح العربية، في الوقت الراهن، وحسب المنظمين فإن العنوان المثير للجدل قد تم صياغته انطلاقا من فكرة استضافة 10 مسرحيين عرب،

لتقديم صورة مصغرة عن مسارح بلدانهم والتحديات الماثلة أمامها.

 

ورغم أن العدد لم يكتمل للعقد المطلوب فإن الندوة قد تمكنت من عكس واقع عدد من المسارح في الوطن العربي، خاصة في كل من تونس/ السودان/ لبنان/ الأردن/ قطر/ سلطنة عمان/ العراق/  وسوريا.

واتفق المناقشون على أن هموم وهواجس المسرح العربي متقاربة كما أن تجاربه الفنية والمضامينية غير متباعدة إلى جانب التحديات والصعوبات التي يواجهها، والتي لم تخرج في أغلب المداخلات عن ضيق هوامش الحرية أو غيابها كلياً، بالإضافة إلى ضعف الموازنات المادية المخصصة لميادين الثقافة عموما والمسرح خصوصا.. والعلاقة بين السلطة السياسية وفضاءات المسرح المختلفة من أدوار العرض إلى مضامين النص وصولا إلى التمويل والإنتاج.

وفيما يخص علاقة الدولة بالمسرح، رأي الناقد المسرحي التونسي يوسف بحري، أن المسرح التونسي اليوم يبدو أفضل حالاً مما كان عليه قبل الرابع عشر من جانفي2011، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية، رابطا ذلك بسببين رئيسيين هما: “رفع وصاية السلطة السياسية عن المسرح، وتوسيع مساحات الحرية” لكنه لا يغفل في الوقت ذاته التحديات الجديدة التي أضحت تواجه مسيرة المسرح التونسي سيما ما يتعلق منها بأخطار الجماعات المتطرفة، مشيرا إلى ما يعرف بـ “غزوة ميدان الساعة” حيث هاجم إسلاميون متطرفون، فعالية مسرحية في شارع بورقيبة، وهو ما اعتبره مؤشرا خطيرا في تعاطي الجماعات المتطرفة مع الفنون بعد ثورة الياسمين.

ويطرح “البحري” مجموعة من الأسئلة والاستفسارات عن طبيعة العلاقة القائمة اليوم بين المسرح ومؤسسات الدولة، قائلا “هل تم قطع الحبل السري بين الدولة والمسرح فعلا؟” وهل ثمة قطيعة بين السياسات التي تم اتباعها منذ نظام بورقيبة عندما اعتبر المسرح أداة من أدوات الدولة – وبين مسرح اليوم؟!، ويشير في هذا الصدد إلى التجارب المسرحية المستقلة وعلى رأسها “تياتروا” التي اعتبرها بأنها المؤسسة المستقلة عن الدولة كليا والأكثر قدرة على العطاء والاستمرارية، والتي يشرف عليها المسرحي التونسي توفيق الجبالي، بالإضافة إلى حوالي 20  فضاء مسرحيا،   كـ فضاء الحمراء – المونديال – وغيرها من المسارح المستقلة.

وفي تقديره لراهن المسرح التونسي ككل يقول يوسف بحري “إن المسرح التونسي هو الأقل تنظيرا والأكثر إنتاجا في المنطقة”، مشيرا إلى إنتاج حوالي مائة مسرحية في هذه الفترة العاصفة والعصبية التي تمر بها تونس نتيجة الأوضاع السياسية.

من جهته تأسف المسرحي السوري “عماد جلول” لواقع المسرح السوري اليوم، والذي تأثر تأثرا بالغا بما أسماه حالة “الأزمة” التي تعيشها البلاد منذ العام 2011، وحتى الآن، والتي أدت إلى تجميد أو تعليق معظم المهرجانات الوطنية والدولية التي ظلت تعقد في سوريا بشكل منتظم كـ«مهرجان دمشق المسرحي” ومهرجان الشباب وغيرهما من الفعاليات المسرحية التي توقفت بسبب الحرب الدائرة هناك، سيما أن جميع تلك التظاهرات المسرحية ظلت تعمل تحت عباءة الدولة.

لكن المسرحي السوري  يؤكد في الوقت ذاته أن الأعمال المسرحية لم تتوقف، فهناك عدد من النصوص التي تم إنجازها خلال الفترة الماضية، موضحا أنه باعتباره عضوا في لجان القراءة قد لاحظ وجود مجموعة من الأعمال التي تناولت ما يسمى بـ “الربيع العربي” أو “الأزمة السورية” لكنه يردف بالقول: “إلا أن أغلبها لم يكن بالعمق اللازم، ربما لأن هذا الفعل لم يكتمل، وأن العجلة في محاولة معالجته جعلت الأعمال تدور في فلك السطحية” حسب قوله، مؤكدا أن الكتابة المسرحية تتطلب تريثاً وقراءة عميقة للظواهر المختلفة في المجتمع.

ودافع المتحدث عن دور الدولة (النظام السياسي) في الإشراف على الفنون  وخاصة المسرح سواء عبر تخصيص الموازنات اللازمة أو التصدي لأي جهات يمكن أن تفرض أجنداتها من خلال ضمان التمويل، وذلك بالاختلاف مع طرح آخر كان قد قدمه المسرحي والناقد اللبناني عبيدو باشا، والذي طالب بضرورة “رفع الدولة يدها عن المسرح” لأن ذلك هو ضمانة الاستقلالية -حسب رأيه -.

وقال عبيدو في مداخلته إن هناك “مسرح العرب” وليس مسرحا عربيا متجانساً، مؤكدا أن الحديث عن “المسرح العربي” كمسلم فرضية تحتاج إلى نقاش، وفي تناوله للمسرح اللبناني أكد أنه تأثر بشكل كبير بسعير الحرب الأهلية ثم الطائفية ثم الحرب الطولية التي تخاض بالوكالة في الأرض اللبنانية، داعيا إلى أن تبقى الدولة كمؤسسة، بعيدة عن إدارة المسرح لأن ذلك يحد من استقلالية العمل المسرحي.

ودعا عبيدو المتدخلين إلى الابتعاد عن الذهاب بعيدا في سرد “المسلسل التاريخي” في سرد مسيرة المسارح العربية والتركيز على التحديات الراهنة، عوض الغرق في تفصيلات التاريخ، كذلك استهجن المتحدث، التبريرات القائمة حول الموازنات الحكومية المخصصة للمسارح، مؤكدا أن “المسرح  العربي كفعل” ليس مجالا تجاريا يدر على أصحابه العوائد المادية، وبالتالي ينبغي التعاطي معه كفعل إبداعي يهدف إلى “الفرح الذاتي” أكثر من أي شيء آخر.

أما الكاتب الأردني “هزاع البراري” فارتكزت مداخلته حول ماضي وواقع المسرح الأردني الذي أرخ له بالقول “إنه يسبق تاريخ قيام الكيان الأردني كدولة”، حيث تؤكد الدلائل التاريخية أن أول عرض مسرحي أردني كان في عام   1918، موضحا أن البدايات الأولى للمسرح كانت في الكنائس الأردنية في مدينة مأدبة، وليس في العاصمة عمان كما يعتقد البعض. وعرج هزاع على التظاهرات المسرحية التي عرفتها العاصمة الهاشمية، قبل أن تتراجع أمام شح الميزانيات نتيجة الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى موسمية الفعل المسرحي الذي غالبا ما ظل يرتبط بالمهرجانات المسرحية التي تقيمها وزارة الثقافة وبعض الجهات الحكومية.

أما المسرحي السوداني عبد الحفيظ على الله، فقد قدم صورة مختصرة لواقع التجربة المسرحية السودانية، وتحديات المراحل المختلفة التي شهدها الوطن السوداني، مؤكدا أن التجربة السودانية تأثرت بالتجارب العربية والغربية في آن واحد، سواء على مستوى المعالجة أو الأداء، مؤكدا أن معظم المسرحيات قد حاولت معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل ظاهري دون النفاذ بعيدا نحو المعالجات العميقة، وأنها ظلت متأثرة بمنطق الخدمة المباشرة للقضايا، كما لو كانت تساهم فيما يمكن تسميته بـ “المسرح التوجيهي التنموي”.

وحاولت ورقة “على الله” قراءة التجربة على مستويي الشكل والمضمون مع تقديم رؤية نقدية فاعلة للتجربة ككل، مؤكدا أن المسيرة الطويلة للمسرحيين السودانيين قد سمحت بالقفز بعيدا في انتزاع مساحات الحرية، حيث لم تعد هناك متابعات أمنية من قبل أجهزة الدولة فيما يتعلق بالأعمال المسرحية الناقدة لسلوك الدولة، فقد بدا المسرح السوداني متحررا من القيود الثقيلة التي تكبل بعض المسارح العربية، ذلك لأن الجهات الرسمية أضحت مدركة أن ذلك هو من طبيعة الفعل المسرحي، ولم تسجل حالات فعلية لإيقاف أو اعتقال مسرحيين كما كان سائدا في السابق. وضرب عبد الحفيظ على الله عددا من الأمثلة حول أعمال ظلت تنتقد سياسات الدولة في إقليم دارفور أو غيرها من القضايا، وحظيت بجوائز محلية ودولية، دون أن تثير ريبة النظام السياسي الحاكم.

من جهته حرص المؤلف المسرحي والكاتب العماني محمد الهنائي، على تقديم صورة بانورامية لواقع المسرح العماني الذي يجهله الكثير من العرب، موضحا أن هذه التجربة العمانية لا تزال تكابد مشقة بالغة في إنتاج مسرحها سواء على مستوى الدعم المادي أو التجهيزات التقنية اللازمة لإنتاج مسرح مواكب للتجارب العالمية.

وعدّد الهنائي التحديات المؤسساتية والجوهرية التي تجابه التجربة، مؤكدا أن المسرحيين العمانيين تمكنوا مؤخراً من تأسيس جمعية مسرحية، تحاول ضم حوالي ثلاثين فرقة مسرحية تعمل بالبلاد، إلا أن هذه الجمعية لم تنجح حتى الآن إلا في إقامة مهرجان شعبي واحد بالإضافة إلى عقد بعض الندوات ونشر بعض الإصدارات القليلة.وأشار الهنائي في مداخلته المفصلة إلى أن هناك 7 مهرجانات وطنية، واحد فقط منها مختص في المسرح يعقد مرة في كل عامين وتشرف عليه وزارة التراث والثقافة. وحدد الهنائي الإشكاليات المتعلقة بأدوار العرض المواكبة واللازمة لإنتاج فعل مسرحي حقيقي، مؤكدا أنه بالرغم من وجود دار للأوبرا فإن السلطنة الخليجية لم تنجح حتى اللحظة، في بناء مسرح مناسب.  واختتمت الندوة الحافلة بالتجارب المسرحية العربية بعرض تجربتي كل من دولة قطر والعراق، هذا الأخير الذي عرض ممثله كريم محسن فيلما وثائقيا يؤرخ للتجربة العراقية العريقة يبين الجوائز التي حصل عليها المسرح العراقي خلال العقود الستة الماضية، دون أن يتطرق إلى التحديات التي يواجهها هذا المسرح خاصة ما بعد تجربة الاحتلال الأمريكي التي أفرزت نماذج مسرحية مختلفة.

محمود أبو بكر – الشارقة

 

http://www.djazairnews.info/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *