أحمد رزاق يسطو على قلوب جمهور “ربيع روما”.. «نيرون” العابر للأزمان يرقص على إيقاع الرحابة

كان متوقعا بالنسبة للعارفين بأسلوب أحمد رزاق الإخراجي ما سيقدم على خشبة المسرح المحترف ليلة أول أمس، وأثناء عرض مسرحية “ربيع روما” للمسرح الجهوي لقالمة. إلا أن تفاصيل حكاية نيرون وروما، أخذت منعرجا ساخرا مضحكا بنكهة جزائرية محضة، أنست الجمهور المتفاعل بشدة، ثقل النص وأصبحت العربية مجرد حامل للمعنى وليس تمرينا شاقا للممثلين.


 

عندما اكتشف الإنسان النار لأول مرة في العصر الحجري البعيد، انتبه إلى قوته وقدرته على سيطرة الآخر. وعلى ركح بشطارزي حيث المنافسة الرسمية على جوائز مهرجان المحترف، ثمل أمامنا أفراد من العصر الحجري، بلا لغة مفهومة، يعيشون في ظلام الكهوف، إلى أن أنارت شعلة صغيرة حياتهم.. وبدأت معها حكاية الإنسان مع النار.. حكاية نيرون الرجل الطاغية الذي أحرق المدينة كلها فقط ليكون هو الله الكل في روما.

على ضوء هذه الجدلية المستديمة في وجود الإنسان، ألف خيذر أحميدة نصه المليء بالمعاني الآنية والراهنة، إذ كانت قصة الإمبراطور “نيرون” مع حاشيته ومدينته، مجرد مثال في تاريخ الإنسانية، عن حدود جنون العظمة، عما يمكن لحاكم أن يقترفه في حق غالبية الشعب، عن أجيال من الحكام في الغرب وعند العرب، داسوا رؤوس مواطنيهم ومنعوا عنهم حرية التعبير والتفكير. لهذا كانت المسرحية قريبة إلى عاطفة الجمهور، راسخة في ذهنه لحداثة ما وقع في العالم العربي بما سمي “ربيعا عربيا”، وقبلها هجومات 11 سبتمبر 2001 التي غيرت خريطة العالم، فوجهت الجميع نحو طريق ترسمه “نيرونات” كثيرة في أمريكا وإسرائيل وأوروبا العجوز. إحالات كثيرة أشار إليها رزاق بصور فيديو، حينما أشعل “نيرون” النار في كل بيوت روما وضواحيها، واستمرت تحرق كبارا وصغارا.

لم يشأ أحمد رزاق الذي اختار أن يكون مخرجا وسينوغرافيا، كعادته، أن يمرر علينا الحكاية كما نعرفها جميعا، كان السرد الإخراجي مهما في هذه المسرحية، وتحول النص المكتوب بلغة الضوء والموسيقى (تأليف صالح سامعي) والممثلين، أدوات أساسية لنقلها بسلاسة إلى جمهور قاعة مصطفى كاتب. رزاق اختار السخرية، ليقول جنون الطاغية، قرر أن يعبث بالعرش ووزرائه، فمنح للممثلين حرية الخطأ أثناء أداء أدوارهم. فنحن هنا في مسرح داخل مسرح، حيث مجموعة مبتدئة تحاول تشخيص قصة “نيرون” إلى أن تختلط عليهم الأمور، فتمتزج شخصيتهم الحقيقية بأدوارهم، ويسعى كل واحد منهم إلى الإطاحة بالثاني.. ففي كل فرد منهم “نيرون” صغير يريد أن يشعل النار في الآخر.

اعتمد رزاق على باقة ممثلين أظهروا تماسكا في اللعب وفي العمل سويا كفريق واحد: عتيقة بلزمة، عائشة مسعودي، فطيمة بوشمال، محمد العربي بهلول، طارق بوروينة، محمد عريبي، السعيد بوعوينة.. وآخرون بأزياء رومانية أتقنت كريمة بهلول في خياطتها، وانسجمت مع الديكور الذي كان عبارة عن قصر بأربعة أعمدة رومانية وسلالم متصاعدة من الجانبين. فمن كان يتصور أن نيرون ليلة اعتلائه العرش سيرقص على أغنية شاوية وسيرقص الرحابة مع حاشيته؟ مفاجأة صفق لها الجمهور كثيرا، ولم يلبث في الانتهاء حتى تنفجر في وجهه مغامرة أخرى لهؤلاء الممثلين، خروج عن النص، مواقف محرجة، عبارات دارجة، صفعات استثنائية.. وإشارات لا متناهية عما يحدث في قصر الإمبراطور.

3 أسئلة إلى  (أحمد رزاق) مخرج: «رهاني الأول هو الجمهور”

يبدو أن الجمهور عبر لك عن رضاه بالمسرحية ما رأيك؟

إن كان هناك نجاحا للعرض فهذا بفضل الممثلين الذين أدوا عملهم كما ينبغي. أرى أن ما قمت به إنجازا معقولا وليس خارقا للعادة، سعيت إلى تقديمه في أحسن صورة يمكن أن يتمتع بها الجمهور الجزائري. فأنا كلما هممت في عمل ما، أضع في الحسبان هذا الجمهور الذي كثيرا ما نسمع أنه هجر القاعات، ورهاني الأكبر هو كيف أحتفظ بكل واحد في القاعة في مكانه، لا يغادر مقعده ويبقى يتابع مسرحيتنا بكل تفاصيلها وفصولها.

وقد بقي في القاعة إلى آخر دقيقة، رغم استعمالك للغة عربية فصحى ولكن بطريقتك الخاصة؟

إن استعمال اللغة العربية على هذه الشاكلة، كانت بطبيعة الحال مقصودة، عربية فصحى تميل إلى الدارجة في طريقة الإلقاء، حتى لا نقول دائما إن المسرحية المؤداة بالفصحى تدفع المتلقي إلى الملل، والعكس شاهدناه اليوم، يمكن أن نفتح أمام هذه اللغة إمكانيات جميلة وفنية تساعد على وصولها إلى أكبر شريحة ممكنة.

هل يمكن القول إن أحمد رزاق سيثأر هذه السنة بجائزة حرم منها الطبعة السالفة؟

صدقيني لست هنا لأنال جائزة معينة، فقط لأتمتع مع جمهور المسرح الوطني بهذا العمل، وأبعث في الخشبة متعة الفن الرابع.

نبيلة سنجاق

http://www.djazairnews.info/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *