مهرجان كركوك لـ {مسرح الشارع} رؤية فكرية ناضجة

علاء كريم

يتجه مسرح الشارع الى طرح قضايا تهم الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله، وتلامس همومه والمنعطفات التى استجدت فيه، والمتغيرات السياسية والاجتماعية، كل هذه الإشكاليات تحتاج الى مسرح يتفاعل بشكل مباشر مع الجمهور، وباسلوب مختلف حتى يصبح مؤثرا بما ينقله، وفاعلا في تغير الفعل الذي ارتكز عليه العرض، وهذا هو الأهم لان الهدف الأساسي الذي يعمل عليه مسرح الشارع، هو معالجة وطرح ما يعاني منه المجتمع، واكثر المعاناة هي سياسية، واجتماعية، واقتصادية، هرمها السلطة واهمالهم لواقع الشعوب.

عروض “مسرح الشارع” في كثير من الأحيان تفوق التوقعات لما تطرحه من مباشرة، فضلا عن ارتجال الموقف، او الحدث، ورغم قلة التجارب في هذا المسرح إلا أن ما قدم قبل ايام في مهرجان كركوك لمسرح الشارع يدعونا إلى التوقف عنده، إذ كانت هناك تجارب مسرحية متعددة، لمدارس مختلفة، أعطت انطباعاً مهماً بأنه يمكن أن يكون لهذا اللون من المسرح دور في نشر الثقافة المسرحية بشكل يتماشى مع الواقع الاجتماعي، ومعاناة المواطن، كونه يعد وسيلة معززة للتعاطي مع الفنون التعبيرية عموماً، وذلك للجاذبية التي تحظى بها هذه العروض التي تكون في العادة خفيفة وسريعة تجمع بين الترفيه والفكرة الخاطفة، ولا تضع حواجز لحضور الجمهور لأن مسرحها هو الشارع، والساحات العمومية، والحدائق، والأماكن العامة المفتوحة التي يرتادها الجمهور بسهولة، وخلال خمس عشرة دقيقة أو أقل يمكن للمشاهد أن يحصل على فكرة ومتعة، ثم يواصل نزهته أو سيره في الاتجاه الذي يريد.
نظمت منظمة حرية للشبيبة الكردستانية ــ فرع كركوك: قبل أيام “مهرجان مسرح الشارع” تضمن هذا المهرجان) 14 (عرضاً مسرحياً شاركت فيه فرق من اغلب المحافظات العراقية، كان لمجمل ما قدم منها صدى لدى الجمهور، ومن هذه العروض مسرحية “ماسك” قدمتها فرقة مسرح كركوك، تأليف: لقمان عمر، اخراج: عماد مهدي، لمجموعة من الشباب رسموا في مخيلة المتلقي أداءً رائعاً أذهل الجميع، حيث تناولوا القناع كـ “دلالة” لتغير الشخصية وفق ما تتطلبه المرحلة، يحاكي هذا العرض السياسيين الذين يرتدون اقنعة مزيفة، ولكل قناع مكان وزمان يأخذ دوره عند السياسي، عمل جريء و تحريضي في الوقت نفسه، ادخل الجمهور بتشاركية الأداء وأصبح جزءا من العرض، وهذا كان هدف المخرج والممثلين وقد نجحوا في ذلك وحصدوا جوائز افضل اخراج، وافضل ممثلة، وافضل ممثل ثانوي. كما حصلت فرقة جامعة بابل على جائزة أفضل ممثل أول المتألق حسين مالتوس وجائزة أفضل موسيقى للمبدع محمد الحسيني عن مسرحية “اولاد التقاطع” إعداد وإخراج وتمثيل حسين مالتوس، قدم هذا العمل بشكل مغاير، حيث اعتمد الممثل اداء البانتومايم، وركز على النسق الحركي الجمالي، الذي بث من خلاله أفعالا جسدت البؤس والمعاناة عبر صور دلالية شّدت المتلقي ذهنياً وحسياً ليكون جزءاً من العمل.
وهناك الكثير من الأعمال التي حصدت جوائز وأثبتت حضورها، منها مسرحية “افتراض ما حدث فعلا” لمجموعة من مبدعي ديالى، تأليف: علي عبد النبي، اخراج: عدنان بن احمد، نالت هذه المسرحية افضل نص مسرحي، وأفضل عمل متكامل، انتقل بنا هذا العرض لمشهد عسكري يمثل التعاطي مع واقع المعركة، وتحولاتها بسبب الخيانة والتخاذل، قدمته مجموعة ممثلين شباب سيكون لهم شأن كبير لو تواصلوا بهذا الأداء، كما كان للمخرج في هذا العمل فكر جديد توافق مع ثيمة النص.
اغلب العروض كانت لفرق مسرحية من كركوك، وما قدمته هذه الفرق يعكس المستوى الجمالي الذي نقلنا الى عوالم مسرح الشارع الحقيقي، والمطابقة لشرائطه، هناك بعض الملاحظات البسيطة التي قدمت من ضمن توصيات المهرجان، حيث كانت هناك اخطاء وتلكؤ في اللغة خاصة من قبل الفرق العربية، فضلاً عن أغلب العروض كانت تميل في أدائها إلى مسرح العلبة وابتعدت عن المباشرة مع الجمهور، كما افتقدنا الجلسات النقدية التي تعد من مقومات المهرجان، واهميتها في تصحيح مسار بعض العروض. حقيقة استوقفني جهد مجموعة الشباب الذين أشرفوا على المهرجان بإشراف أستاذ “نازاد نجم” الذي قدم جهداً مؤسساتي في نقل الفرق والضيافة واختيار أمكنة العرض لـ “مناطق” مختلفة.

فرق المحافظات
كما كان للجنة التحكيم حضور متميز في قراءة العروض، وتشكلت هذه اللجنة من بغداد واربيل وكركوك، وتشرفت ان اكون عضوا في لجنة التحكيم، ليتسنى لي قراءة ومشاهدة كل العروض، محافظة كركوك وعبر هؤلاء الشباب أثبتوا تفوقهم ونجاحهم الكبير في إقامة هذا المهرجان الموازي للدولي، إذ عملت الجهة المنظمة على نجاح هذه التجربة عبر توسع آفاقها، بالانفتاح على فرق مسرحية من المحافظات العراقية كافة، كما حققت هذه العروض فرجة في فضاء مفتوح، خرجت عن تقاليد المسرح الكلاسيكي، لتشكل مستوى تفاعليا جماهيريا يمكن البناء عليه، لجعل مسرح الشارع في كركوك ممارسة سنوية دائمة، ويصبح جزءاً من ثقافة المجتمع، لما يقدمه من امتاع مقرون بالرؤية الفكرية الناضجة.

يتجه مسرح الشارع الى طرح قضايا تهم الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله، وتلامس همومه والمنعطفات التى استجدت فيه، والمتغيرات السياسية والاجتماعية، كل هذه الإشكاليات تحتاج الى مسرح يتفاعل بشكل مباشر مع الجمهور، وباسلوب مختلف حتى يصبح مؤثرا بما ينقله، وفاعلا في تغير الفعل الذي ارتكز عليه العرض، وهذا هو الأهم لان الهدف الأساسي الذي يعمل عليه مسرح الشارع، هو معالجة وطرح ما يعاني منه المجتمع، واكثر المعاناة هي سياسية، واجتماعية، واقتصادية، هرمها السلطة واهمالهم لواقع الشعوب.
http://www.alsabaah.iq/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *