أنا أريد والمسرح يريد والسياسة تفعل ما تريد..!

أنا أريد والمسرح يريد والسياسة تفعل ما تريد..!

 

هايل المذابي

=========

مما تعارف عليه أن التقييم لمجتمع أو فن يبدأ بدراسة بنيته التحتية، وعندما ندرس البنية التحتية الفنية في اليمن فسنواجه صعوبات وتشعبات كثيرة تحتاج إلى بحث استقصائي شامل لا إلى مقال, وبالنظر إلى المسرح في اليمن يمكننا إلقاء نظرة عاجلة على نموذج هو الأهم بنيوياً في أي مجتمع لزيادة الوعي..

وعندما أقيم حالة المسرح في اليمن فإنني بالضرورة يجب أن أتعرض للبنية التحتية الخاصة به كفن يساهم في صناعة الوعي لدى المجتمع، وملمح من ملامح صناعة الحضارة التي لاتكتمل إلا به في أي مجتمع.

هذه البنية للفن الرابع في اليمن منعدمة بشكل تام مع الأسف، فالفنان المسرحي في اليمن يُبتعث من قبل الدولة لدراسة هذا الفن والتخصص فيما يتفرع عنه، لكنه حين يعود يشتغل غالباً في مهنة بعيدة جداً عن المسرح، وكما يبدو فإن السبب في ذلك هو عدم وجود عمران مسرحي خاص بالمسرح يحتضن ويلبي احتياجات تلك التخصصات وكيما يمارس فيه الدارسون والمتخصصون والهاوون والموهوبون ما تعلموه وما ابتُعِثوا لدراسته، وتم تغييب هذا العمران في اليمن في مرحلة من المراحل لأسباب سياسية، كما حدث في الجنوب عام 97 عندما اغلق المسرح الوطني آخر مسارح عدن وعدم إعطاء المسرحيين بديلاً كما زعمت الدولة ليتضح أنه أمرٌ دُبّر بليل للخلاص من العروض السياسية التي لم يفهم النظام سوى أنها تحرض ضده..

ثمة قول بأن المراكز الثقافية التي بنيت في الثمانينات ومنها 13 مركزاً في المحافظات قد أغنت ونابت عن وجود عمران مسرحي خاص بالمسرح، لولا أن هذه المزاعم يمكن اختبار مصداقيتها بمعرفة المدة التي تسمح بها الجهات المسئولة عن تلك المراكز للمسرحيين للاشتغال على عروضهم “بروفات” وهي يومان فقط قبل تقديم العرض، وأيضاً وهو الأهم أن هذه المراكز تخصصها سياسياً لا فنياً وليست لها بنية تحتية تلبي احتياجات العرض المسرحي المتكامل كإضاءة ومشاغل ديكور وملابس ولا اي احتياج سينوغرافي ..

وهناك أيضا أسباب أخرى أجهضت عملية التنوير المسرحي في اليمن وهي غياب الوعي المسرحي لدى القائمين على المسرح، وأيضا امتهان المسرح من أجل التكسب كغاية، وهناك أيضا جانب آخر وهو غياب الفنان والكاتب والمخرج, وحتى لايساء الفهم فنحن إزاء القليل الذي لايقاس عليه أو يحكم به ..

أما بخصوص المسرح التفاعلي والورش التدريبية التي تتبناها منظمات محلية وخارجية فأعتقد أن ما تقدمه تلك الفرق المسرحية هو جيد نسبياً لكنه لا يعدو أكثر من ظاهرة وليس لها ارتباط جوهري بكيان فن المسرح وفي الغالب هي ذا طابع تجاري دعائي يلزمها اجتياز مراحل كثيرة للوصول إلى المسرح وغايته. فالكاتب المسرحي غائب والممثل غائب والمخرج المحترف غائب والسينوغرافيا وأدوات العرض كلها غائبة.  ولا ننسَ غياب روح المسرح وهي القيمة الإنسانية أو الكونية التي يتحقق بها الخلود لأي عمل مسرحي سواء كان نصاً أو تحقق عرضه على الخشبة، كالأعمال المسرحية العالمية..

رغم ذلك يمكن الإشادة بجهود عربية و الرهان عليها، كالهيئة العربية للمسرح التي لاتألو جاهدةً في الارتقاء بالمسرح فنّاً وإنساناً وعلى نطاق واسع, وننتظر البقية من كيانات ومؤسسات في الوطن العربي أن تحذو حذوها فكما يبدو أن البنية التحتية لفن المسرح في اليمن وفي بلدان عربية كثيرة يلزمها بذل جهد لاتقوى بلدان عربية كثيرة ومثلها اليمن ولا وزارتها الثقافية وهيئاتها -كما يبدو- على حمله والنهوض به وتلبية احتياجاته.. ويجب تكاتف الجميع لإننا أمام تحدٍ يمكن اختصاره بقول : أنا أريد والمسرح يريد والسياسة تفعل ما تريد.!

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *