لماذا نختلف نحن المسرحيين فيما بيننا؟!

 

سامي عبد الحميد
 
يختلف المسرحيون في انحاء العالم فيما بينهم جيلاً بعد جيل وفرداً مع فرد آخر حول قضايا لها علاقة بعملهم فلماذا؟ نحن انفسنا لا نكف عن نقد زملائنا، في الخفاء والعلن وفي ذات الوقت نحرص على عدم نشر هذا الانتقاد على نطاق واسع خشية الخصام والعداوة وخشية الانعزال والابتعاد عن الحقل، وقد يكون النقد او الانتقاد موضوعياً وقد يكون ذاتياً وفي كل الاحوال لا بد ان يكون هناك خلل ما في عمل هذا المسرحي الذي ننقده وربما هناك نقص ما في عنصر من عناصر انتاج ذلك العمل.
نحن نعرف ان لكل مرحلة من مراحل التاريخ اعرافها وتقاليدها الخاصة بنواحي الحياة المختلفة ومنها ناحية الفن المسرحي بالذات ونحن نعرف ايضاً ان الذائقة الفنية لدى المتلقين تتبلور على وفق تلك الاعراف والتقاليد فقد كان مواطنو مدينة (اثينا) اليونانية يتذوقون مسرحيات يوريببديس وارستوفانيس التراجيدية والكوميدية ويستحسنونها وكان الفرنسيون يتقبلون مسرحيات راسين وموليير بحماسة، وراح الروس يقبلون لمشاهدة مسرحيات جيكوف وتولستوي بتشوق. وهكذا يختلف المتلقي والناقد في العهد القديم عن المتلقي والناقد في العهد الجديد في تذوقهم وفي تقييمهم للعمل الفني ويجري التذوق والتقييم على وفق مبادئ وقواعد واساليب ومضامين ومواد هذا الفن او ذاك. فالجيل الجديد يعتقد ان تلك العوامل في زمن معين قد اصبحت بالية ولا بد من تجديدها استجابة للتطورات الحاصلة في الحياة سواء كانت اقتصادية ام اجتماعية ام سياسية فالمتغيرات التي حدثت بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر في حياة الاوروبيين انعكست على الفنون والآداب فكانت الواقعية وكان اصحابها يبغون اقناع المتلقي بان مادتهم تقنع بصدقيتها في تصويرها للواقع الجديد وكانت موضوعات المسرح الواقعي تعكس مشاكل المجتمع الجديد وعلاقات الافراد فيه وكانت اشكال المسرح الواقعي تناسب موضوعاته. ومثلما ظهر مؤيدون للاسلوب الواقعي في الفن عموماً وفي المسرح بوجه خاص فقد ظهر معارضون له مدّعين انه استنساخ للواقع يخلو من لمسات الفنان الابداعية وان الفن الواقعي لا يعبر إلا عن المظهر الخارجي للانسان ولا يتوغل في اعماق النفس البشرية ولذلك دعوا الى الفن الرمزي حيث اعتقدوا ان الانسان يعيش في غابة من الرموز وراحت المدرسة التعبيرية وفروعها تتوغل اكثر عمقاً لتدعي الكشف عن مخزون اللاوعي والذي لا يتكشف الا في الاحلام والكوابيس. 
عندما اعلن (قسطنطين ستانسلافسكي) عن طريقته او منهجه في اعداد الممثل وبناء الشخصية الدرامية اعتماداً على تحريك الحوافز ومكنونات الحياة الداخلية للانسان ظهر مؤيدوها وهم الاكثر عدداً وكنا منهم، كما ظهر من عارضها وبقي مؤيداً للمدرسة الفرنسية التي اسس لها (دلسارت) المبادئ والتي تعتمد على تأثير العوامل الخارجية ومتغيراتها في العوامل الداخلية عند التعبير عن الافعال والاقوال والمواقف. وكانت هناك فئتان من المسرحيين العرب تختلفان في آرائهما وفي مواقفهما: فئة تتمسك بالقديم باعتباره الاكثر رصانة واخرى تتحمس للجديد باعتباره الاكثر صدقاً، فئة تتمسك بطروحات وتقنيات (جورج ابيض) و(يوسف وهبي) و(زكي طليمات) و(حقي الشبلي) واخرى تقف بالضد وتؤيد طروحات (سعد اردش) و(كرم مطاوع) و(جاسم العبودي) و(ابراهيم جلال) وهي طروحات تتسم بالطراوة والجدة ومدعومة بالعلم وبالابتكار. 
عندما انتمينا انا والصديق بدري حسون فريد والمبدع يوسف العاني الى قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة في الخمسينات في القرن الماضي وكان (ابراهيم جلال) رئيساً للقسم بدلا من استاذه حقي الشبلي لاحظنا ان طلبة القسم قد انقسموا الى فئتين مختلفتين: احداهما تؤيد الشبلي ،وهم القلة، والاخرى تؤيد جلال، وهم الكثرة.
 
——————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية –  المدى

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *