المسرح أضعف الإستجواب بقلم : د.خليفة الهاجري

 

المسرح أضعف الإستجواب بقلم : د.خليفة الهاجري

حتى تفهم ثقافة وفكر مجتمع دولة ما، أوصيك بحضور مهرجاناتها وفعالياتها المسرحية ومعارضها في الفنون و ومعارض الكتاب والتكنولوجيا ومظاهر الفرجة و الكرنفالات العرض بأنواعها والإلتقاء بمثقفيها و مبدعيها. وايضا ملامسة حال المثقف المهموم أو المهمل أو الفنان المهمش المنكسر من وضع قائم لا يعجبه ، وستشفاف المزيفون منهم.
.
وفي الفنون وخصوصا المسرح الجاد بصفته ابو الفنون، تستطيع أن تستنطق منه الحالة الثقافية و الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والنفسية للشعوب ، فقد ترتفع اصوات من على خشبة مسرح عربي فقير تكشف خبايا الحال بأفراحه واتراحه وفي العادة يكون ذلك على استحياء، قد تساهم تلك الأصوات في إصلاح شأن معين ، لكننا -ومن جهة أخرى- لم نسمع يوما عن مسرحية أشعلت انقلابا ما او أثارت فتيل ثورة في بلد ما، او نشر فكر متطرف او إقصائي ، بل العكس تماما فالمسرح يحارب كل شاذ عن منظومة الأنسان التسامحية بفطرتها، لذلك لا يأبه الساسة به ولا الحكومات ولا أجهزة الأمن القومي في أي بلد ،وهذا في العادة منطقي في دولنا العربية لأن الفنون كعادتها عبارة عن ردود افعال وليست الفعل نفسه. وهي في نهاية الأمر فنون رقيقة تميل الى الإنسانية والتفاؤل في اغلب الظروف.

و في عالمنا العربي ، وللأسف، ننظر في الأغلب الى ان الفنون على انها ضرب من من الترف، من الممكن الإستغناء عنها في أي لحظة بل ومهاجمتها في أي دقيقة، ولا توجد حاضنة رعوية تقاتل وتضحي من أجل أن يتنفس عمل مسرحي ممنوع من العرض او معرض فني أغلق في وجه الجمهور او كتاب محجوب نشره.

و قبل أيام و في مهرجان المسرح العربي في مدينة وهران الجزائر كنت اتشدق بمساحة الحرية التي يتمتع بها المسرحي الكويتي في النشاط المسرحي، وان واقعنا هو الأفضل بالمقارنة مع بعض المساحات الجغرافية الأخرى البعيدة والقريبة، بل وافضل بالقيمة الفنية أحيانا، وكان الحوار لسوء حظي مع الأخوة المسرحيين من تونس والمغرب، كما أنهم أثنوا على ذلك. بل تعايشوه خلال دورة مهرجان المسرح العربي في دولة الكويت في العام المنصرم.

حتى انتهى تأثير حديثي ونقضه في لحظة إعلان استجواب وزير الإعلام و وزير الشباب والذي تصدى له ثلاثة من نواب الأمة الأفاضل ، فالاستجواب بني على عدة محاور من أولوياتها الايقاف الرياضي من الفيفا الدولية و التعيينات التنفيعية و محور تجاوزات المجلس الوطني للثقافة والفنون ما يهمني بها ما طال المسرح وتحديدا عروض مهرجان المسرح العربي في الكويت .

والجميع يعي تماما أن بعض المستجوبين قد يوفق في طرحه الجوهري وقد لا يوفق بإضافات مجانية تضر بجوهر الاستجواب، ومنها على سبيل الذكر ، الزج بالمسرح كأحد محاوره بصورة مجانية، قد تؤثر على قناعات مؤيدي الأستجواب وجدية المستجوب ، وبما أنني هنا لست بمحضر الدفاع او تأييد الوزير المعني ولست ضد او مع المستجوَب .

ولكن ما يعنيني هنا كمواطن هو التناقض في نقطة العروض المسرحية التونسية، فبينما يتفق المستجوبون الثلاثة على ضرورة إحترام قوانين ولوائح الفيفا الدولية في الرياضة، بصفتها هيئة دولية مستقلة ويدعون الوزير المعني الى إحترامها وتطبيقها، بل ويذهبون الى ابعد من ذلك ، هم إتفقوا على أن الانزواء تحت مظلة اي هيئة عالمية ودولية يؤدي بالضرورة الى التنازل عن بعض أحكام قوانين الدولة المنتسبة اليه أو صاحبة العضوية، بل وتدعوها الى الإلتزام بتلك القوانين واللوائح وقد اتفق وأيد الجميع ذلك بمن فيهم من أثار نقطة التجاوزات الخاصة بالنشاط المسرحي.

وسؤالي هنا .. اذا كان المستجوبون يحضون الوزير على احترام قوانين ولوائح الفيفا ، اذا لماذا عندما تكون دولة الكويت عضوا في الهيئة العربية للمسرح وقد مثلتنا يوما ما الفنانة القديرة سعاد عبدالله كعضو في مجلس الأمناء في تلك الهيئة، يرفضون القوانين و لوائح الهيئة العربية للمسرح في آلية إجازة النصوص والعروض المسرحية؟

ونحن نعلم تماما أن العروض المسرحية المشاركة في مهرجانات الهيئة العربية للمسرح في دوراتها المتعاقبة تمر تحت عين الهيئة في جودة العمل المسرحي الذي يحترم إنسانية و عقل البشر أولا ، و يعي ثانيا المكون الإجتماعي والثقافي للدول المستضيفة، مع استمرار دعوات الهيئة الى إفساح مساحة للحريات الفكرية والثقافية في الثقافة والفنون والآداب وخصوصا المسرح.

وتأتي الدورة التي أقيمت في الكويت تطبيقا وترسيخا لذلك، فالعروض التي كانت خارج دولة الكويت لم نراها كما كانت في الكويت بل لامسها التعديل المعني بالقيمة الفنية للعمل والذي لا يؤثر على خط العمل المسرحي.،وقامت الفرق المسرحية بتشذيب أعمالها لتلائم حجم المناسبة سواء بالإضافة أو الحذف، و ذلك زادها نضجا وتمكين. فما يعرض على خشبة المسرح لا يختلف عما يعرض في دور العرض السينمائية في الكويت شكلا ومضمونا.

اختم، بأن اتخاذ المسرح وسيلة للزج به في استجواب سياسي بمعلومات غير دقيقة أمر غير مقبول، وأن ايقاف قياديي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لمدة ثلاثة أشهر عن العمل وإحالتهم الى التحقيق في محور الأعمال المسرحية التي عرضت في المهرجان بذنب لا شأن لهم به أعتقد بأنه غير منطقي بل ان قيادي المجلس الوطني نفذوا بمحض إرادتهم ما ذهب اليه المستجوبون وهو احترام الهيئات الدولية في تطبيق لوائحها على تراب دولة الكويت دون التدخل في عملها.
بل أن موقفهم كان بالإمكان توظيفه بحذاقة في محور رد الحكومة على البند المتعلق بالمسرحيات الثلاث ، في أن إلتزامهم بقوانين ولوائح الهيئة العربية للمسرح هو مطلبكم ذاته في الإلتزام بقوانين ولوائح الفيفا في الشأن الرياضي.
لست هنا، لتقوية او اضعاف موقف المستجوٍب او المستجوَب، انا هنا لأشهد على براءة المسرح وبياض يد العاملين عليه.

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *