You And Me رؤية الوجوه في الأشياء العشوائية في جدلية بين الذات و الأخر / منار خالد

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

كيف يمكن لأشياء بسيطة أن تتخلل مستويات إنسانية مختلفة و العبث بداخل حالات بشرية متنوعة دون النطق بكلمة واحدة أو حتي إظهار إيماءات عبر وجوه الممثلين؟ ، فقط بالأداء الجسدي المغطاه وجوه بالأقنعة مستخدمين إمكانيات بسيطة مثل ” التل و العجين و الأقمشة و الأسلاك … “، يستطيعون من خلالها التنقل بين حالات مختلفة و المسساس بوجدانيات متأصله من الحزن والفرح و الحب و الخوف في رحلة يقوم بها خمسة مؤدين دون سرد خطي ، بل برصد عشوائي منطلقا من رسم لأخر دون توقف أو قطع ؛ وهم فريق  “Mummen Schanz” السويسري ،  الذي يشارك بعرض “you and Me” “انت و أنا” في أفتتاح مهرجان القاهرة التجريبي الدولي و المعاصر لهذا العام في دورته ال٢٥ ، بداية من تفسير جزئي مسمي الفريق ف “Mummen” تعني الصمت و “Chanz” التي تعني ممثل ، أي يعني المصطلح “ممثلي الصمت” ولكن مع تتبع تاريخ ذلك الفريق بتضح أن دوره لا يقتصر فقط ككونه فريق تمثيل صامت فحسب ، بل أن المصطلح أعمق من تعبيراته البسيطة فهو مصطلح محدود مقابلا لإمكانيات ذلك الفريق التي تبعد عن إطار الحدودية أميال ، بما تمتلك من قدرات جسدية بارعة ومهارة لا تقتصر فقط علي تحريك الأشياء بل تصل لخلق شخصيات من النقاط و الأشكال وتكوين ملامح لها أهداف مختلفة و متجددة و إشعال حالة من التواصل مع عدم الأستعانة نهائيا بحرف واحد ناطق أو وجه واحد تظهر ملامحه ما لا ينطقه لسانه ، عن طريق خلق حالة بين الذات والأخر بداية من أسم العرض نفسه لتجعل الموضوع أكثر جدلية ، ككونها علاقة شائكه لا يمكن لأحد رصد جوانبها مرة واحدة نظرا لتعدد أشكالها و ألوانها و أختلاف أنماطها و دوافعها ، كما ينبش العرض أيضا  في علاقة الجزء بالكل و تأثيرهما علي بعضهما البعض ومن يكون منهم المحرك الأساسي للأخر في تلك العملية الأستثنائية. وخاصة الجزء الخاص بالوجه ومدي أهميته التي تبعد عن نقل الملامح ، التي تسبب التصنيف و التفرقة بين الأجناس وفقا لكل ثقافة و بيئه و تولد في بعض الأحيان أختلافات و عنصرية متبادلة موثقه فكريا .

فالوجه كان له ظهور أساسي في أغلب اللوحات ، لإظهار مشاعر منعكسه لأجساد مخفيه و التأكيد علي وصول تعبيرات تلك الخيالات بحركات خاصة تعمل علي إبراز جزء الوجه فقط ، وأيضا رصد طريقة صنع الوجوه والتخفي وراء أكثر من قناع و التغير من ملامح الأوجه و صبغ ملامح مخالفة لها أمام الجمهور و تحريكها في أكثر من موضع لإظهار قدرات التحايل و التصنع .

تقوم جميع لوحات العرض علي “الثنائيات” أو “الأزواج” من كل شئ لتخلق حالة أتصالية تارة تكون تفاعلية و تارة أخري تكون باردة

يبدأ العرض بيد بشرية تقوم بالرسم علي ورق فارغ وباقي الجسم مخفي توضيحا لدور ذلك العضو ومدي أهميتة في التعبير عن المكنون ليكون تمهيدا لظهور الأيدي كأشكال مجسمه يبلغ حجمها حوالي سبعة أقدام ، توضح تلك الأيدي العلاقات الأنسانية من السلام والعتاب و الخصام و تبرز أهميتها المعروفة لدي الجميع ولكن الأعتياد يجعل الأذهان البشرية تتجاهل تلك الأهمية سواء الإمساك بالأشياء أو التخلي عن أشياء أخري و الأستحواذ و الأمتلاك و القبض و البسط …. ، فقط تقدم كل هذة المعاني عن طريق زوجي من الكفوف المجسمة . لتكون الأيدي وحدها كعضو فردي معبرة عن أفعال كاملة للشخصية ككل ، ومن هنا يبدأ رصد الجزء ومدي تأثيره في الكل .

وتتوالي اللوحات جميعها مجسدة لزوجين من الأوجه ورصد حالة التعامل بينهما ، منهم من تبني علاقتة علي الحب مثل “لوحه زوجي الشهب المرجانية” بأستخدام قطع من التل و الأسلاك لتكون كائنات بحرية بينهما علاقة رومانسية ، و منهم من يخلق علاقة صراع مثل لوحة ” الوجوه المعجونة” وتلطيخ كل وجه لوجه الأخر حتي تسيل الوجوه و تختلط مع بعضها البعض وتنصهر العجائن داخل بعضها وتنهمك وتذبل وتسقط أرضا متتبعه لحالة الصراع الإنساني ووقوفه أمام الأخر الذي لا جدوي منه ويؤدي نهاية إلي إقصاء ذلك المخلوق تماما .

وإيضا لوحة الViolins أو “الكمان” وهي رصد وجهين من الكمانات تتعامل مع بعضها بإصدار أصوات معزوفه حيه علي الخشبة لخلق حالة حوارية جديدة تسلك مسلك موسيقي وليس كلامي ، ولوحة ” زومبي عصر التكنولوجيا” والتي تعتبر من أهم اللوحات و أكثرها أشتراكا بين الثقافات ، لترصد حالة سيطرة التكنولوجيا علي إنسان ذلك العصر وتصوير أشخاصا مهوسون بوسائل الأتصال و صور السيلفي ، تقدم تلك الأجهزة علي شكل مربعات من الأسلاك ليحيل ذلك المربع للشكل الإطاري أو القالب الذي يحصر الأنسان نفسه داخله إذا وقع تحت تأثير العوالم الأفتراضية ، ثم تجسيم ذلك الإطار المربع علي شكل سماعات نقلا عن أكثر من نوع تكنولوجي وسمعا لسيمفونية عصرنا الحالي

 

كما تنوعت اللوحات بين العلاقات الإنسانية و العلاقات الحيوانية أيضا ، والتأكيد علي وجوب وجود المشاعر بين جميع الكائنات و ظهور الحب و الصراع و الشهوه و الغريزة بداخل لوحاتهم

بأستغناءهم عن الديكورات و المزيكا و الشخصيات التي تتبادل الحوار ، فقط أستخدم بعض المؤثرات الصوتية في بعض اللوحات حتي تكمل حالتها . فأستقصاء جميع الأليات المسرحية و الأكتفاء فقط بأجساد قادرة علي قيادة خشبة كاملة هو أمر به نسبة عالية من الخطورة و التحدي .

 

جميع لوحات العرض تعتبر أستحضار لحالة شعورية حسية خالصة رأت تلك الفرقة أن لا ضرورة للكلمة بها فملامسه الوجدان لا تحتاج للحوار و وظفت الظل و الضوء و التلاعب الإبداعي المصاحب للأقنعة النحتية و الأشكال المجردة للتفتيش عن ما يكمن وراء ذلك القناع ، كما قاموا بإحياء تقليد الألعاب البهلوانية و أستخدام الأجساد كمواد مطاطية يمكن تشكيلها في اي صورة كانت تأكيدا علي القدرة الجسدية و قدرتها علي إحلال محل اللغة المنطوقة أو المعبره إيمائيا.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *