مسرح ما بعد الدراما .. أربع مقاربات

يطرح كتاب “مسرح ما بعد الدراما.. أربع مقاربات”لمجموعة مؤلفين ، جملة آراء علمية منهجية، تحفر وتنبش في عمق ماهية وأساليب استقلال المسرح عن الدراما، وذلك عبر إسهامات ومقاربات لكل من: الباحثة الألمانية كريستل فيلر، العراقي محمد سيف، المغربيان حسن المنيعي وخالد أمين.

 

 

 

وتوضح موضوعات الدراسة ضمنه، أن مصطلح “مسرح ما بعد الحداثة” نوع من المسرح، يتَّسم بتخلصه من المعايير الدرامية كشرط لوجود الحدث المسرحي، من دون التخلي عن المفاهيم المسرحية المتعلقة به والمناسبة له.

واستخدم مصطلح ما بعد الحداثة في ألمانيا لتعيين الأشكال المسرحية المعاصرة في عام 1987، على يد أندريز فيرت، والذي ذكر في ورقة بحثية له في جامعة جيسنر، أنه سيفقد مسرح اللغة وضعه الاحتكاري لصالح أشكال ما بعد الدراما، بحيث يظهر ذلك في تركيبات الصوت وأوبرا اللغة ومسرح الرقص.

كما ستتأسَّس أفكار فيرت عن المسرح، على تجربة متفرِّج.. وبهذا ستشكل أعمال عدد من الفنانين منذ سبعينات القرن الماضي، مفهوماً مختلفاً عن المسرح، باعتبارهم تحالفاً ضمنياً مضاداً للأدب الدرامي، ذلك كونهم اتبعوا منطقاً مسرحياً له قواعد مغايرة للقواعد الدرامية المعروفة والسائدة وقتها.

ويبين الكتاب، انه، وفي عام 1999م، نشر تيس ليمان دراسة “مسرح ما بعد الدراما”، وبذل فيها جهداً كبيراً لوضع تصور لمفهوم مسرح ما بعد الدراما، باعتباره ظاهرة، والسعي إلى الوقوف على نشأتها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر طرح مفهوم ومجال محددين لعنوان ما بعد الدراما . كما ركز ليمان على مصطلح “ما بعد الدرامي”، في ظل مناقشة مسرح القرن العشرين الذي لابدَّ من التوقف عنده لفهم مسرح ما بعد الدراما، مستنداً إلى أعمال كل من المخرجين:

روبرت ويلسون، كلاوس ميشيل غروبر، تاديوس كانتور. وذلك كأمثلة للوقوف على خصائص معينة. فالأحداث الدرامية في هذه الأعمال تميَّزت بقربها من الاحتفال والطقس، بالتوسع في إيلاء أهمية للصوت باعتباره عنصراً تعبيرياً قوياً (جروبر). وكذا تحويل المكان المسرحي إلى منظر طبيعي داخل المسرح نفسه، عن طريق الوسائط المتاحة لذلك (ويسون). وبهذا يصل المفهوم النفسي الواقعي للشخصية الدرامية التقليدية إلى نهايته.

كما هو الحال في التعامل مع الجسد والمكان والزمان. ويتميَّز مسرح ما بعد الدراما بإبراز عناصر مسرحية بعينها، مثل: الجسد والصوت والمكان والزمان. كما أنَّ تداخل هذه العناصر وتركيبها، لم يعد يعتمد على السرد التقليدي المتعارف عليه، بقدر ما يستند الى إيقاع عام وعلى ترابط الحلقات.

أي أنَّ مسرح ما بعد الدراما يزيل من خلال جمالياته الحدود التقليدية بين الأنواع، ويعيد صياغة دور الممثل من جديد. إنه مسرح لا يسعى إلى تحقيق شمولية التركيب الجمالي، وإنما إلى إضفاء طابع تشذري لهذا التركيب، وهو الشيء الذي يتيح له اكتشاف عالم جديد للفرجة. ويوفر له حضوراً متجدداً للفنانين، وأفقاً واسعاً لتطوير مكونات مسرح ارتكز دوماً على الدراما.

إنَّ مسرح ما بعد الدراما كما يتفق مؤلفو الكتاب، لا يهتم بالصراعات بقدر ما يعنى بوسائل التعبير ونوعها. ذلك لأنَّ الزمن هو المركز في العمل المسرحي. كما انه مسرح لا يرتكز الى مبدأ الحدث والحكاية، وإنَّما يقدِّم موقفاً أو حالة. كما أنَّ الفضاء يعد فيه عنصراً فاعلاً لا محايداً. ومن ثمَّ فإنَّ السينوغرافيا تكتسي أهميةً مادام النص لم يعد الدعامة الأساسية للعرض المسرحي.

وتكثر تعريفات المؤلفين لمسرح ما بعد الدراما، إذ يرونه بمثابة طقس يسعى إلى تغيير المتفرج. لأنَّ الفضاء المسرحي يتحوَّل إلى استمرار للواقع، ولهذا فإنَّه مسرح ملموس يعرض نفسه فناً في الفضاء والزمن وبأجساد بشرية.. إنه مسرح يحتفي بحضور جسد الممثل في حد ذاته، وليس إطاراً يولِّد الإيهام بحدث درامي ما دام الجسد “الما بعد درامي” هو جسد الحركة، الذي يرفض دوره كدال، ويكتفي بحضوره الذاتي، ما يجعل الممثل هو سبب ونتيجة حضور المتفرج. أي أنَّ هناك حضوراً متبادلاً بينهما.

ويشدد مؤلفو الكتاب، على انه، وبعد أكثر من ألفي سنة من القناعة بالنظرية الأرسطية، لم يعد بناء المسرح وتكوينه، يعتمد في المقام الأول على مفهوم الدراما. كما ان النموذج الأكثر ابتكاراً في الفضاء المسرحي، صار يضع مفهوم الدراما في أزمة ويخضعه للتساؤل، وخاصة في ما يرتبط بأنماط الدراما التقليدية الأوروبية.

 

 

 

الكتاب: مسرح ما بعد الدراما

تأليف: مجموعة من الباحثين

الناشر: المركز الدولي لدراسة الفرجة/ المغرب طنجة 2012

الصفحات:126 صفحة

القطع: المتوسط

 

المصدر:

  • أنور محمد
http://www.albayan.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *