سعد الله ونّوس .. شاهد على العصر

 

أهدى الروائي الراحل عبد الرحمن منيف أحد كتبه الى المسرحي سعد الله ونوس فقال في مقدمة الاهداء: ” الى سعد الله ونّوس الذي حكم علينا بالأمل”.

 

 

سعد الله ونّوس المسرحي السوري الذي أعطى للمسرح بعداً عالمياً، وإستطاع أن يصل الى شرائح واسعة في أصقاع الدنيا.

إنتشر مسرحه والنار في الهشيم. لم ينتظر متابعوه أن تخرج أعماله على خشبات المسرح بل كانت القراءة طريقهم الى إكتشاف جمالية وروعة إبداعه، ناهيك عن العروض التي اخرجت عن أعماله.

 

 

 

سعد الله ونوس (1941-1997) العارف بأسرار الكلمة والحركة يستحق لقب “ملك الزمان”.

إنه الملك الذي إلتقط نبض الشارع وجعله أفقاً إبداعياً، نرى أنفسنا فيه، فخلود إبداعه وبصمته في تاريخ المسرح العربي والعالمية في أعماله المسرحية المتميزة كانت تدعونا لنبحث معه في كل الزوايا المنسية لنكتشف كيف تكون رائحة النقاء، وكيف نتخلص من الآهات العفنة علّها تنسينا مكوثها المستبد.

أمضى ملك الزمان زمنا بأكمله بحثاً عبر تلك الكلمات الذهبية وكيف نبعد عن شعاعنا كؤوس الاهتراء. ولو أن مسرحه أيضاً كان يدعونا للدخول الى خلفية عمق اعماله الفلسفية والاجتماعية في آن.

 

في معظم أعماله المسرحية الرائدة كنّا ننتقل معه بسلاسة ما بين التراث الشعبي والاستلهام الغزلي والتجريب والتسيس. وقد ساهمت هذه الأعمال في إنضاج رؤيتنا لآفاق الحياة، في ظل الحصار المستمر مع الرعب والخيبة والموت.

أشعل ونوّس من على شرفة العدم إعادة إنتاج الحياة… وذاكرة النبوءات فأحرق محطات الرحيل فكان الملك.. وهو الملك دائماً.

اليوم تقف النشرة عند مسرح الحياة . وعند مبدع أعطى المسرح شبابه وحياته، مبدع ينتمي الى مدرسة المسرحيين الكبار أمثال: دريد لحام، رفيق السبيعي (أبو صالح)، القبّاني، محمد الماغوط، سعد الدين بقدونس، إلياس رزق المعروف بشخصية عزيز السلمنكي في برنامج الدنيا هيك.

 

هؤلاء النجوم هم وجوهنا الثقافية العابرة لحدود الجغرافيا وهم قبلة الابداع والمبدعين لن تطوى صفحاتهم أبداً ستزداد ثراء وعطاء.

سعد الله ونوس سبق الزمن وسارع في إلتقاط كل لحظة مسموح بها ليعيدها الينا إنتاجاً مسرحياً. وخير دليل على ذلك كثرة إنتاجه في فترة مرضه.

هو الكاتب الذي إستطاع أن يوجد علاقة تلامسية جميلة بين النص والجمهور المشاهد، حينما أدخل الراوي كجزء أساسي في عمله.

بعدها بدأ في عمله الجدلي الرائع مغامرة “رأس الملوك جابر” التي كان الجمهور يظهر فيها مشاركاً ومعلقاً ومجادلاً.

 

لقد كسر الجمهور في أعمال ونّوس الابهام المسرحي حيناً ومندمجاً في الحكاية أحياناً.

كما إندمج الراوي في الدور كما أن الجمهور من جهته إندمج مع الراوي.

ولكن هذا الراوي يضع لنفسه فواصل معينة يقف عندها في بعض الأحيان.

إستعان ونوس في مسرحية “الملك هو الملك”  بالتراث التاريخي بطريقة المسرح داخل المسرح معتمداً على نهج الملاحم الشعبية التي يدخل تحت منهجها أيضاً مسرحيته المسماة “حفلة من أجل حزيران”.

المسرحية تمزج ما بين المسرح الملحمي والتسجيلي.

 

 

 

إستطاع ونوس أن يمزج ما بين الواقع والتاريخ ويسقط القديم على الحديث ويثير مجموعة تساؤلات تجمع بين الرؤى التراثية والفن المعاصر المعاش.

ربيع 1997 في عمله “وجوه” مزج أسلوب الراوي بالقصائد الشعرية وفاز بجائزة المهرجان المسرحي الخامس في الكويت.

تأثر ونوس بالمسرح الفرنسي الوجودي والعبثي. وقرأ سارتر وتأثر ببونسكو وبيكيت عندما كان في فرنسا. وفي فترة مرضه قدم “سهرة مع أبو خليل القباني” وحفلة “سمر” و”الملك هو الملك” و”الأيام المخمورة”.

رشحته وزارة الثقافة السورية لنيل جائزة نوبل إلاّ أن المرض داهمه ورحل العبقري إبن بردى تاركاً للأجيال الطالعة مخزوناً لينهلوا منه.

سعد الله ونوس مسرحه شاهد على العصر.

 

 

د. فاروق الجمّال

http://www.elnashrafan.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *