إختتام مهرجان المسرح الاردني الـ 19 بتكريم ضيوفه بأيقونة ‘عين غزال’

حنظلة والدكتاتور والراقصة.. في الانتظار.. رحلة حنظلة.. محطة لا تغادر.. الكهف.. جلسة سرية.. وعراة فوق قصدير متوهج.. ويبقى الحديث.. يا ليل يا عين…

عروض مسرحية شهدتها مسارح المركز الثقافي الملكي ومركز الحسين الثقافي ومسرح أسامة المشيني، قدمها مهرجان المسرح الاردني التاسع عشر، والذي اختتمت فعالياته في العاصمة الأردنية برعاية وزير الثقافة سميح المعايطة مساء الأربعاء 21 تشرين الأول/نوفمبر الجاري، في قاعة المؤتمرات في المركز الثقافي الملكي، تخلل الحفل عرض فيلم توثيقي قصير لفعاليات المهرجان في دورته 19، كما قدم الناقد المسرحي السوري عبدالقادر الملا كلمة الوفود العرب، وقدم نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب كلمة النقابة، فيما قدم كلمة وزارة الثقافة مدير المهرجان/ مدير مديرية المسرح والفنون عبدالكريم الجراح، واختتم بتكريم وزير الثقافة وأمين عام الوزارة رئيس اللجنة العليا للمهرجان مأمون التلهوني ومدير المهرجان عبد الكريم الجراح للمسرحيات المشاركة والضيوف بتقديم ايقونة المهرجان ‘تمثال عين غزال’ لهم كتذكار.
وكان أمين عام وزارة الثقافة مأمون التلهوني رعى حفل افتتاح المهرجان مندوبا عن وزير الدولة لشؤون الاعلام وزير الثقافة سميح المعايطة، حيث انطلقت فعاليات الدورة التاسعة عشرة للمهرجان مساء الأربعاء 14 تشرين الثاني بمشاركة سبع دول عربية، هي: السعودية وعُمان والعراق واليمن وتونس والسودان ومصر إضافة إلى الأردن، مقدمة 12 مسرحية، خمس منها أردنية. المهرجان الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع نقابة الفنانين الأردنيين، عمد إلى تقديم عرض واحد من العروض الأردنية المشاركة، وعرضين من كل مسرحية عربية بهدف إتاحة الفرصة للجمهور الأردني لمتابعتها، كما أقيم على هامش المهرجان ندوة نقدية تواصلت على مدار أربعة أيام عنوانها ‘اللغة المسرحية’، واختار المهرجان في دورته هذه تكريم المسرحي خالد الطريفي. 

عبدالكريم الجراح: المسرح صومعتكم المفتوحة
من جهته ثمن مدير المهرجان الفنان عبد الكريم الجراح جهود كل من ساهم في انجاح المهرجان من الطواقم الأردنية العاملة والوسائل الاعلامية التي واكبت فعاليات المهرجان، وجميع المسرحيين الذين أضاءوا ليالي المهرجان ‘لقد حققتم نقشا ابداعيا سيبقى في الذاكرة، وها نحن نشم رائحة عرقكم الذي سقط على المسرح زكيةً كرائحة دحنون بلادي، نتمنى أن يبقى المسرح صومعتكم المفتوحة توقدون فيها بخور المعرفة دائما’.
وزاد الجراح: ‘المسرح منبر وعي وبوابة الهام، انه جسر من التواصل الحميم بين المبدع والمتلقي في أبهى أشكال العناق والتماهي’، وعبر الجراح عن بالغ فخره بما أنجزه المبدعون العرب والاردنيون في المهرجان، وأضاف ‘ نرحب بالحضور العرب والفنانين الاردنيين الذين أعلنوا ان المسرح لايموت ولن يموت، لأنه فن الحياة الساحر العبقري الساطع الى الأبد بنور الحقيقة’.

حسين الخطيب: الأردن قبلة المثقفين 
من جهته شكرنقيب الفنانين أصحاب كل الجهود التي ساهمت بتألق ونجاح دورة هذا العام من المهرجان، وقال ان عمان تستقبل ضيوفها دوما بالترحاب، وزاد’ أنتم محلقون دوما في سماءات الاردن الذي سيبقى قبلة كل المثقفين العرب، فالثقافة في بلدنا ركن أساسي من أركان وركائز الدولة، كيف لا، ومؤسس الدولة الاردنية الملك عبدالله الأول كان مثقفا وشاعرا كبيرا’.
عبد القادر الملا: جئنا لنحطم أصنام اليأس
وألقى المسرحي السوري الدكتور عبد القادر الملا كلمة الوفود العربية، عبرفيها ‘عن الألم والحرقة والأسف على كل الدماء التي تهدر في عالمنا العربي’،متمنيا أن يحمي الله عمان وأن يبقيها واحة الأمن والسلام والابداع، ومما قال : ‘على مسرح الحياة ثمة عرض آخر مثقوب الاذنين، معصوب العينين، مسعور بلا وجل، معزول عن الخيال، مستعص على المعنى..ومن حدود ذلك العرض أتينا الى عمان لتحتضننا تلك المدينة الوادعة الجميلة، جئنا لنحلم ونبحث ونحطم أصنام اليأس المنتصبة في الخيال والذاكرة’.
وخاطب الملا ادارة المهرجان بالقول ‘أنتم وعمان أهل ووطن لنا، وعيون ترحب دوما بالقادم وتدمع حناجرها على المغادر، وسنحمل كل ذلك عندما نعود الى أوطاننا المؤجلة.. حمى الله عمان..حمى الله الأردن’.
مسرحية (في الإنتظار) الأردن
استلهمت مسرحية ‘في الانتظار’ الربيع العربية، وهي تأليف: هزاع البراري، إخراج: محمد الضمور، بطولة الفنانة رانيا فهد والفنان زيد خليل وآخرين
وأعتبر البراري ان كتابة هذه المسرحية تعد تجربة جديدة بالنسبة له، ‘اذ قدمت للمسرح الأردني والعربي عدداً من المسرحيات الجادة والمكتوبة باللغة العربية الفصحى، ونص في الانتظار مختلف – شكلاً ومضموناً ولغة- عن مسرحياتي الاخرى، فهو نص مكتوب بالمحكية الرشيقة، ويمتاز ببنية لغوية تعتمد المفردة العامية السهلة والقريبة من التصوير الشعري، مما يسهم في زيادة فاعلية الممثل على الخشبة، ويقرب المسرح الجاد من الناس بمختلف مستوياتهم الفكرية والثقافية، وهذا أول نص أكتبه باللهجة الأردنية’.
وتجري أحداث المسرحية في محطة ما، قد تكون محطة قطار أو موقف حافلات أو صالة مطار، اي في مكان متغير وقلق، تغيب عنه صفة الاستقرار، فالأشخاص عابرون متنقلون، والأحداث غريبة وغير متوقعة، والزمن يبدو مسطحاً وعلى عجلة من أمره. كما أن النص تميز بحس كوميدي ناضج، يأتي من خلال مفارقات المواقف وطرافة الأحداث.
رصدت المسرحية حال ظاهرة ثورات الربيع العربي في الوقت الحالي؛ من الخلاف والتنافر، وبحسب الناقد الأردني جمال عياد ‘أظهرت العلامات السمعية والبصرية العرض، فرجةً احتفالية مسرحية ساخرة، ترصد حال المواطن العربي، المهمش عن المشاركة الاجتماعية والسياسية، من قبل السلطات السائدة وخصوصا ذلك المواطن الذي ينتمي إلى الشرائح الفقيرة، وما آلت إليه أحواله نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة به، والتي تتشظى جهوده فيها، أثناء تحقيق طموحه بحياة كريمة، لجهة إيجاد فرص العمل، والتمتع بحياة ديمقراطية حقيقية’.

مسرحية (إلى إشعار آخر) الأردن
جسدت كلمة الفريق: ‘المستقيمان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدا… إلا… اذا…انحرفا’ فلسفة العرض، تأليف: د.عبدالكريم السوداني، ويرى المخرج الأردني الدكتور مخلد الزيودي أن ‘الى اشعار آخر’ بمثابة النداء الأخير لإضاءة النفق المظلم الذي دخلته المنطقة وشعوبها في ظل تحولات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية أملتها سياسة التهميش والإقصاء التي مورست ضد الفرد العربي الأعزل والركون إلى حلول تبدو ضبابية ومفتوحة على المجهول إننا نخشى الظلام وما وراء الظلام’.

ويغص العرض بالقصص والحكايات.
الفنان محمد الإبراهيمي عكس حياة الفقراء، من انتهاك دائم لحريتهم، وكرامتهم، وما يعانون من مرض، ولصوص، انطلقت الأحداث الدرامية فيها، بمزاولة لصيّن عملهما في إحد البيوت الثرية، جسدهما محمد خابور، ومحمد أبو غزالة، يضطران لمجاراة شخص جسده محمد الابراهيمي، (لص الحقائب)، يسلبهما هذه الحقيبة، ومن ثم يعيدها لهم في ظروف غامضة وغير مفهومة، وبخاصة بعد أن يكتشفا بأنه مختلا نفسيا، فيطاوعانه، في تقديم الشخوص، التي أثرت في حياته وصدمته عميقا، للدرجة معها وصل لحافة الجنون، من خلال حضور شخصيات الأطباء، والطهاة، والأب، والأم، ورجال التحقيق الأمني، وليكتشف المشاهد أن البحث الدائم للص الحقائب في المحطات بين المسافرين وحقائبهم، ما هو إلا بحث عن احلامه الصغيرة (زوجة، فرصة عمل، مأوى..)، التي سلبته إياها سلطات المجتمع السائدة.

مسرحية ( الكهف) عُمان

يقول جلال اللواتي مؤلف ومخرج مسرحية ‘الكهف’ العمانية : ‘ما اكثرالكهوف من امامنا وما اكثر الكهوف من ورائنا.. ومن يشابه كهفه فما ظلم….’. والمسرحية تجسد الصراع الأزلي بين الخرافة والعلم، وتؤكد المشاهد الأولى للعمل المسرحي صراع الانسان بالحفاظ على حياته بما يندرج تحت بمفهوم البقاء ‘للأقوى’ ونظرية داروين.
صاحب المال والعالم سينجوان من كارثة العالم بشكل أو بآخر لانهما استطاعا ان يكونا الاقوى بين من حولهما، انطفاء الأنوار وظهور شيخ جليل وابنته يتلوان ايات سرمدية وتراتيل يفتح حكاية جديدة. 
المخرج العماني’جلال عبدالكريم جواد اعتبر أن مسرحية ‘الكهف’ تمثل مغامرة وتجربة كلاسيكية مستمدة من الواقع، جاء مضمونها اثر ازدياد الحديث مؤخرا عن نهاية العالم بأسباب طبيعية ودينية وغيرها.’كما تعبر عن الصراع الداخلي للانسان، بين ما هو علميّ وروحاني. مشيرا الى أن العمل رغم واقعيته فهو طرح الفنتازيا بين وقت وآخر، اضافة الى استخدامه أسلوب الكوميديا السوداء.
قال الفنان العماني خليل البلوشي ‘ان المسرح في بلاده لا يزال محصورا في الحالة المهرجانية، رغم الحراك الثري والمعطيات الواعدة والمتمثلة بانتاج عشرات المسرحيات سنويا والمشاركة اللافتة للفنانين العمانيين في المهرجانات العربية وحصولهم على جوائز مهمة في مجالات التمثيل والاخراج والسينوغرافيا وغيرها.

مسرحية (الراقصة) السودان
‘سأكون الراقصة التي تهب الناس الإنسجام والمحبة والأمل… يا بنات القبيلة غنين معي وارقصن’. هذه الفلسفة التي قدمتها الممثلة السودانية حنان الجاك في تجربة مسرحية مثيره بعنوان ‘الراقصة’ وهي مسرحية استعراضية راقصة ناقشت من خلالها المشكلات التي تجابه النساء في المجتمع السوداني، وبعض الدول الإفريقية، العرض عبر بجرأة عما يدور من صخب ومعاناة وفرح وترح في دواخل امرأة، تواصل معها المشاهدون لمسرحية ‘الراقصة’ من تأليف جعفر سعيد الريح، التي قدمت على مسرح محمود أبو غريب، ضمن فعاليات مهرجان المسرح الأردني التاسع عشر.
المعنى ظل يلح طيلة العرض، على رصد انتهاكات حقوق المرأة، من خلال ممارسة العنف على جسدها، وروحها، ضمن سياق حياة إحدى القبائل السودانية.
الحكايات التي قدمتها الممثلة حنان عوض الجاك، عبر شخصية (الراقصة)، يجيء دائما الرقص فيها ليس كتقنية بل بوصفه لغة إنسانية صريحة يبوح ويتحدث الجسد فيها.
ولجأت الرؤية الإخراجية إلى مزج أكثر من أسلوب أدائي في صياغة المسرحية، كما وأظهرت الأحداث الدرامية، تقنية الممثلة الداخلية من أمزجة وهواجس هذه الشخصية.

مسرحية (محطة لا تغادر) السعودية
انشغلت مسرحية ‘محطة لا تغادر’ بالحديث عن مفهوم لانتظار المطلق في ظل فوضى الحياة ومغادرة من نبحث عنهم، والمسرحية تأليف فهد ردة الحارثي، إخراج أحمد الأحمري.وناقشت مفاهيم المحطات يستخدم كثيرا في الآونة الاخيرة في التعبير عن ‘الانتظار’ من جهة، وجانب آخر للكشف عن معاناة الانسان اذا ما بقي بتلك المحطة’ التي غالبا ما يعلق بها الانسان نتيجة لظروف قاسية قد يكون هو ذاته سببا فيها.
حاولت المسرحية من خلال شخصية حارس المحطة الذي وجد الونيس والرفيق في شخصية عارب السبيل أن تبث قصصا ربما هي في مجملها تنطبق مع الواقع المعاش في السعودية واخرى جاءت فنتازية مقصودة من قبل المخرج كما ظهر بالعمل المسرحي ‘محطة لا تغادر’.

مسرحية (جلسة سرية) العراق
‘نتفق.. نختلف.. نعشق.. نبكي.. نضحك.. نعيش وسط تطرف.. نفتقد إلى الحقيقة، نحتاج إلى الثقافة لكي نحقق ما نتمنى لكي نحقق الحب والجمال.. هذه هي حياتنا’. وهذه مقولة علاء قحطان مخرج ومعد مسرحية ‘جلسة سرية ‘ العراقية، تأليف: جان بول سارتر، وهي توليفة فوضوية بين التجريب والتفاعل لدحض ‘الطائفية’، ومنذ المشهد الاولى، نرى ثلاثة قبور وكأنها أبواب جنهم تصدّر الموت الى بعضها البعض تؤشر على تعدد الطوائف العراقية (سنة شيعة كرد) وما يدور بين اكبر هذه الطوائف من اشتعالات دون تحديد للزمان. 
وما يحسب للمخرج قحطان أيضا هو التركيز على الايماءات الحركية الجسدية والتي برع في أدائها الممثلون على الخشبة، بحيث بدا العمل متميزا من حيث التوظيف الدلالي والرمزي والأزياء واللعب بالشخصيات التي تتواءم مع الشارع العراقي. 

تجربة ‘جلسة سرية’ بنكهة عراقية جسدت الحال العراقي خاصة ‘الطائفية’، أبقت الجمهور الواعي في ظل مقولة جان بول سارتر التي لم تعد مطلقة وهي ‘الجحيم هو الآخرون’.

مسرحية (ال دك ت ات ور) الأردن
‘ربما ستكون او لا تكون ! تلك هي اللعبة… شخوص تحلم بالحياة… لا تستطيع أن تعيش من دون حب.. والحب لايستطيع أن يعيش من غير حرية… ترى هل هذا هو الجنون…!’، هذا ما تجسده مسرحية (ال دك ت ات ور)، تأليف: عصام محفوظ، سينوغرافيا العرض: د.محمد خير الرفاعي، متكئة على صراع أزلي بين مفهوميّ الجنرال والعبودية، وطوال العرض نشاهد عسكريّ جنرال يستخدم كافة اساليب العنف الموجه ضد خادمه، منها الجوع والتعذيب والتأكد من ولائه الى ‘الجنرال’ الامر الذي يبدو انه مستخدم ضد الشعب ايضا والذي يقرر أن يثور.
الحرية بالخاتمة كما يراها الخادم تكمن في حرية الشعب وخلاصه هو نفسه من ان يظل يلعب دور الخادم ‘المهان’، في حين يلعب غيره دور ‘الجنرالية’ ومقتنع بان الحرية لا تكمن الا بفرض العنف، وهي تعبير مباشر عن الصراع الدائر بين السلطة ‘الجنرال’ والعبودية ‘الخادم’ الذي يسود بدول العالم النامي.
مسرحية ‘الدكتاتور’ هي تعبير شديد اللهجة لشدة ما تم طرحه مؤخرا من الاعمال التي تتحدث عن الزعامة والسلطوية والحاكم الجبار القامع لشعبه بعدة أشكال. الا انها متقنة الاخراج والاداء اضافة الى السنوغرافيا المزدحمة والمقصودة ربما!.

مسرحية (حنظلة) مصر
‘مرحلة شاقة مر بها كل انسان شريف عبر عصور الديكتاتورية البائدة بالوطن العربي بل وما زال حنظلة 2012 يعاني في امكنة أخرى’. في مسرحية (حنظلة) تأليف: سعدالله ونوس، وإخراج: إسلام إمام، تعري ‘حنظلة’ الواقع القمعي الذي عاشه المصريون داخل المجتمع بعد تحليل مطالب الحراك الشعبي وكيفية سلب الثورة من اصحابها والإستيلاء عليها مرة أخرى والعودة إلى المربع الأول من تسلط وقمع ضد طبقة الحراك الشعبي والثوري، كما أنها تتحدث بحال لسان من تظاهروا وقمعوا في ميدان التحرير، الذين لم يجدوا أمامهم سوى الصراخ بأعلى صوتهم رافضين الظلم ومطالبين بالإصلاح.
وفي تصريحاته بين المخرج إمام ‘أن سلب الثورة جاء من عدد من الأطراف منها المجلس العسكري، وجماعة الاخوان المسلمين، بأسلوب كوميدي ساخر لا يخلو من الحزن على حنظلة الذي تدور أحداث المسرحية حوله’.
وتجسد المسرحية الوضع السيىء الذي تعيشه مصر، بقالب كوميدي تهدف إلى الإسقاط الدرامي على الوضع العام من خلال شخصية حنظلة التي يقدمها الفنان أحمد فتحي وتجد شخصية حنظلة مقهورة، فهو يعاني من زوجته وبيته ويعاني من مديره في العمل الذي يقوم بطرده ويلجأ إلى أحد الدراويش الذي يقوم بعمل زار له حتى يثور على كل من حوله ويجد في النهاية أن الثورة لم تحقق أهدافها وكل من حوله يتهكم عليه بطريقة كوميدية ‘انسى يا عمرو’.

مسرحية (عراة فوق قصدير متوهج) الأردن
وجاءت مسرحية ‘ عراة فوق مسرح متوهج’ إعداد وإخراج: حكيم حرب، الذي يقول: ‘ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة..وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.. ان الانحياز الفني الحقيقي هو كيف يستطيع الانسان أن يقول الشيء العميق ببساطة’. 
واستطاع العمل المسرحي والمأخوذ عن رواية ‘رجال بالشمس’ للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أن يأخذ الجمهور عبر هذا ‘الزيف’ والرياء في البحث عن هروب يجلب الموت على الدوام. ويبدأ العمل، على الرجال الاختباء داخل ‘الخزان’ في الشاحنة التي ستقلهم الى بلاد المال والأحلام هربا من التنكيل والقمع داخل بلادهم، وبحثا عن مصدر رزق وحياة جديدة في قولبة فنية رائعة ربطت بين حياة الممثل ورؤى المخرج ومشاريعه غير الجاهزة والمرتبطة بالكثير من المشاكل.
الرواية لكنفاني تتحدث عن مشاق كثيرة احتملها الرجال خلال تلك الرحلة في سبيل الوصول الى الحلم وربما الخلاص من الموت المحقق في بلادهم جراء ضنك العيش، الا انها أيضا رحلة موت من نوع آخر تكمن فيها الحقيقة المؤلمة. ومن هنا يأخذ المسرحيون استراحة من استكمال عرض المسرحية، فينهالون بسرد النكت عن ‘ابو الخيزران’ والذي يمثل الانسان السلطوي القمعي والقادر على سلب الاخرين مقدراتهم، اضافة الى وجوده في كافة محافل الحياة.
‘مسرحية ‘عراة فوق قصديرمتوهج’ يمكن اختزالها بانها حكاية للانسان التي يموت على الطرقات بحثا عن ‘حياة’ في مكان آخر، لا يحقق منه سوى الاحتراق والموت لأن الجميع يغرق في المصالح الشخصية والانقسام والصراع بعيدا عن أدنى مسؤولية اتجاه هذا ‘الانسان’.

مسرحية (يبقى الحديث) تونس

تجسد كلمة المخرج صالح حمودة فحوى مسرحيته ‘يبقى الحديث’ حيث يقول: ‘في دار العجزة تجتمع شخصياتنا مثقلة بتجربة الحياة، كل يستحضر ماضيه ليصل إلى حتمية واحدة، كل وماضيه والحاضر واحد (الأسرة.. المجتمع.. الحياة لم تنصفنا). نتعامل مع الآم شخصياتنا ونتعاطف معها لكن مع تطور الأحداث ودخول شخصية ثالثة أضفناها إخراجيا وهي جهاز راديو يبث أخبارا ومقاطع تجعلنا نجزم أن شخصياتنا انغمست في الوقوف على أطلال ماضيها وتناست وتجاهلت الآم الانسانية لنتحول من التعاطف معها إلى النظر إليها كشخصيات سلبية وأمثالها من يصم آذانه ويغلق عينيه عن ما يدور حوله’.
وتعاين ‘يبقى الحديث’ تأليف عماد الساكت، واقع كبار السن بعيدا عن السياسة، وتروي أوجاع شيخين اضطرتهما الظروف للسكن في دار للمسنين فالأول يدعى ‘سلومة’ وهو فلاح أمنيته في الحياة الزواج بشامية. مات أهله بسبب لغم تواجد على الأراضي التونسية منذ الحرب العالمية الأولى فصار وحيدا في هذا العالم ويجسد دوره الممثل الشاب محمد اللافي، أمّا الشخصية الثانية فهو البحار ‘حسونة’ الذي يرفض الموت في دار العجزة ويرغب في الإبحار بعيدا إلى أن تحين نهايته، وفي دار العجزة هذه تجتمع شخصيتان مثقلتان بتجربة الحياة، كل يستحضر ماضيه ليصل إلى حتمية واحدة حيث الأسرة والمجتمع والحياة لم تنصفهما.
العمل لم يخل من الكوميديا من خلال حركات الشخصيتين وتعاملهما مع بعضهما أثناء أداء الدور، وبعد حديث طويل حول ماضيهما وما عانياه من آلام استقر بهم الأمر للعب الورق وسماع أغاني أم كلثوم حتى يلقيا مصيرهما الحتمي. 
كاتب العمل عماد الساكت قال: ‘المسرحية لم تحمل أي مضامين سياسية ولم يتم التعديل عليها لتتناول الثورة التونسية، مشيرا أنها أخرجت منذ عامين أي قبل الثورة، نافيا أن يكون الهدف الأبرز من العمل يتعلق بظاهرة دخول كبار السن في دور الرعاية، إنما تتناول قضية تفجير لغم في أحد الأشخاص تواجد في الأراضي التونسية منذ الحرب العالمية الأولى’. 
مسرحية (رحلة حنظلة) اليمن
تصور مسرحية ‘حنظلة’ حالة ‘الصحو’ العربية في وجه الظلم والفساد عبر معاناة ‘انسان’، وهي إخراج مبخوت النويرة، استطاعت قراءة تاريخ العنف والاضطهاد الذي يعيشه المواطن العربي في ظل الأنظمة الدكتاتورية استخدمت أسلوب ‘الحكواتي’ الذي أدى دوره الفنان اليمني عصام القديمي، ورى للجمهور قصة حنظلة التي كتبها ‘سعد الله ونوس’ وسرد الاحداث التي امتثلت لتصوير الواقع بشكل فنتازي عاطفي موجه للعقل العربي. وتتلخص حياة حنظلة في استغفال المحيطين لبراءته واستغلال أمواله، وخيانه زوجته له والتي أدت دورها الفنانة مروة خالد والتي عبرت ايضا عن معاناة الهجر والفقر وضياع أموالها من قبل زوجها ولم تترك له فرصة ‘التبرير’.
وصول حنظلة الى السجن جعل كل أحلامه تنهار، ومن هنا تبدأ رحلة الكشف عن الحقيقية، وتختلط الاوراق لا بد أن يكون المقهور هو المواطن، حين تتفشى المصالح لا شك أن المظلوم ‘حنظلة’ ولا بد أن يبحث عن حقيقته بنفسه ولما آلت الأمور الى تلك الحالة.
ما يحسب الى المسرحية اليمنية رغم انها جاءت على منوال ‘حكاية’ سردية أنها لم تضع المشاهد في حالة ملل، وكانت السينوغرافيا منشغلة بشكل جميل لم يطغ على فكرة العمل ونصه في ايصال رسالة ان المعرفة هي الحل لكل تغيير.
‘ رحلة حنظلة هي رحلة المعاناة والأزمة الانسانية، رحلة الازمة المعرفية، التي مر ويمر بها المواطن العربي في ظل الهيمنة القمعية التي تمارسها الانظمة الاستبدادية التي لا ترى من المواطن الا ترسا في الة كبيرة تعمل دون أن تتكلم’ بهذه الكلمات يوجز المخرج اليمني صالح صالح تجربته المسرحية.
مسرحية (يا ليل يا عين) الأردن
المسرحية الأردنية ‘يا ليل يا عين’ تأليف: عبدالكريم برشيد، إخراج: خليل نصيرات، تمتلئ بحكايات المسرحية في رؤية إخراجية بصرية تبدأ ‘يا ليل يا عين’ في أحد أركان المدينة حين تلتقي تلك الشخصيات التي تحمل بجعبتها عوالم مختلفة، جمعتهم المدينة في إحدى زواياها، وفي ليلة واحدة وفي ظل هذا الليل.
الزمان هو ليلة العيد، أما المكان فهو الحلم، عبر رؤية إخراجية تعتمد الاحتفالية وعاء لها. فيحتفل كل فرد على طريقته التي ترضي رغباته طريقة عيشه.
ويتناول ذلك الاشتغال، وفق ما يؤكد نصيرات حكاية كاتب مسرحي كان أعمى (يوم كان العمى موضة ذلك العصر)، فأصبح مبصراً، ليذهب إلى حي من أحياء المدينة ‘حي الساهرين والفرحين والأحياء’، فيقرر كتابة نص مسرحي، يسميه فيما بعد ‘موال مسرحي’، فيلتقي بشخصيات الليل وظلالها (أبطال المسرحية) فيحاورها وتحاوره، ولكن الأهم عند لقائه بخياله الذي يتمثل بشخصية (الدرويش) أو (المجنون) كما يسميه سكان الحي. فيعيش أوجاع تلك الشخصيات، وهمومها، وانتظارها وجنونها، ورقصها، وأسماءها إلى درجة أنه يشك باسمه فيقع ضحية (لعبة الأسماء الماكرة).
ولكل إنسان طقوسه وعوالمه، وهذا ما حاولت المسرحية إيصاله للجمهور في علاقة الإنسان بداخله وأهمية رؤيته الصافية لما يدور حوله.
ربما كثير من التناقضات تسكن داخل المرء وفي أعماقه، ويسمح له لقاؤه بالآخر ورؤية الفوضى بالخارج بتوسيع الفرضية واكتشاف هدوء ما بداخله، وفق ما قدمته مسرحية ‘يا ليل يا عين’، التي ذهبت الى تهذيب الفكرة من الداخل وخلق التوازن بين الروح والإيمان في النفس عبر طقس العلو بمفاهيم ‘الإنسانية’ في الزمان والمكان المناسبين.

 

http://www.alquds.co.uk


 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *