تسع شخصيات مسرحية بمشاكلها التراجي – كوميدية

 

الزواج… بهذه الكلمة يمكن اختصار الفكرة الرئيسة في مسرحية «الأربعا بنص الجمعة» التي تعرض على خشبة مسرح مونو في بيروت (تستمر حتى 2 كانون الأول/ديسمبر،

من الأربعاء إلى الأحد). هذه المسرحية كتبتها بيتي توتل صفير خلال إجازةٍ أخذتها للولادة وللتفرغ لعائلتها. أشهرٌ طويلة مضت وهي تحضر على نارٍ هادئة هذه المسرحية «بين الأواني المطبخية ووسط رائحة الطعام الذي تحضره بحب لعائلتها»، فجاء المضمون «لذيذاً» وجاء الشكل شهياً للعين.

 

تدور المسرحية حول تسع شخصياتٍ يلتقون كل أربعاء عند الساعة الخامسة في الشارع ويتبادلون أخبارهم ومشاكلهم؛ فبين عجوزين مضى على زواجهما أربعون عاماً وطبيبٍ مطلق مغرم بامرأة متزوجة تشعر بالوحدة مع زوجها، وبين شابٍ وفتاة يحاولان الزواج على رغم ضيق حالتهما المادية، وفتاةٍ تسعى للزواج من شابٍ غني ورجلين يعملان في تبديل اللوحات الإعلانية في الشارع… نجد أنفسنا أمام شخصياتٍ مركبة بإتقان، لكل شخصيةٍ خطُ منفصل يتصل بخطوط الشخصيات الأخرى. نجحت بيتي توتل في أن تنقل، على لسان تلك الشخصيات، أفكاراً كثيرة تعكس الوضع اللبناني، فتحدثت بذكاءٍ وبأسلوبٍ فكاهيٍ عميق عن الهجرة والوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي، بالإضافة طبعاً إلى حالاتٍ نفسية يمكن أن يشعر بها الإنسان في ظروفٍ متنوعة.

إخراجياً استطاعت بيتي توتل صفير أن تضبط الإيقاع على المسرح فعرفت متى عليها أن تسرع النبض وترسم على وجوه المشاهدين ضحكةً ومتى يجب أن تبــطئ الحركة لتدخل إلى العمق. أحسنت في اســتخدام كل عناصر المســرح فاســتفادت من الإضاءة التي وســعت حدود الخــشبة، ومن الموسيقى التي نقلتنا من حالةٍ إلى أخرى بسلاسةٍ كبيرة، ومن الديكور الذي لعب دوراً كبيراً في إضافة حركة غنية في المشــهدية وخصوصاً اللوحات الإعلانية التي يمكن اعتبارها الشخصية العاشرة في المسرحية، فكان تبدلها يساهم في تبدل حال الشخصيات وحتى مصيرها.

على صعيد التمثيل يمكن القول إن بيتي توتل التي تعرف تماماً ماذا تريد من شخصية المرأة المتزوجة التي تستعيد شعلة الإعجاب والحب في علاقةٍ «محرمة» عرفت كيف تجسدها من خلال أداء مقنع ومثير للإعجاب.

لم تضِع بيتي بين الكتابة والإخراج فاستطاعت أن تكون أيضاً ممثلة في مسرحيتها، على رغم أنها تفضل عادةً التهرب من التمثيل والإخراج في آن واحد. المخرجة – الممثلة عرفت كيف تدير الممثلين الذين يشاركون معها واستطاعت أن تُظهر الموهبة الكامنة في داخلهم، بخاصة عند الهواة بينهم، فبدا الجميع لافتاً للنظر. هشام خداج، أندريه ناكوزي، جيسي خليل، عبدو شاهين، جوزيف أفتيموس، وديع أفتيموس، جاك مخباط، وليد أبو حمد، كلهم استطاعوا أن يشدوا الأنظار إليهم على المسرح، وإن بنِسبٍ متفاوتة، فكانت خفة الظل مسيطرة على الأجواء وكانت المتعة التي يشعر بها المُشاهد تدفعه لغض النظر عن بعض الثغر في الأداء.

لا يمكن الحديث عن ضعف في هذه المسرحية، بما تحمل تلك الكلمة من أبعاد، ولكن يمكن الإشارة إلى تطويل بسيط في النهاية بحيث شعرنا أن المسرحية أعلنت ختامها أكثر من مرة، لذلك كنا نتمنى لو انتهت قبل بضعة دقائق من نهايتها الفعلية.

«الأربعا بنص الجمعة» مسرحية جديرة بالمشاهدة بخاصة أنها قادرة على أن تعيد الثقة بالأعمال المسرحية عند أشخاص يعتبرون أن العروض المسرحية «غير مفهومة» أو «محصورة بالمثقفين الذين يرغبون بالتحليل طويلاً، علهم يصلون إلى فكرةٍ واضحة». أما الأهم فهو أنها قادرة أن تُعجب وتسلي كل فئات المجتمع لأنها تصيبهم جميعهم من خلال موضوعَي الحب والزواج اللذين لا ينفذ أحد من شباك واحد منهما على الأقل.

 

بيروت – يوليوس هاشم

http://alhayat.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *