مسـرح العرائس: دُمــــى لا ينقصها الإيقاع

على مسرح شعبي ومن خلف ستارة سوداء تبدأ حكاية الدمى التي يحركها، محمد فايز، ناقلاً إحساسه بالموسيقى الى الدمية عبر الخيوط، لينتهي المشهد بلوحات راقصة يستمتع بها الصغار والكبار. وعلى الرغم من أن الدمى التي تتحرك هي خشبية، إلا أن مشاهدة العروض توجد نوعاً من التواصل بين الدمية والمتلقي، بعد أن يسقط محرك الدمية إحساسه عليها، فتبدو كأنها تشعر بكل حركة تقدم بشكل مضبوط على ايقاع الموسيقى.

 

 

فايز الذي يقدم في الجناح المصري في القرية العالمية، عروضاً أسبوعية على مسرح العرائس، الذي ينقسم الى ثلاث فئات، يبدأ بعروض العرائس التي تتحرك بالخيوط، لينتقل الى الدمى المتحركة (الماريونيت) التي يروي من خلالها القصص، وبعدها الى رجل البهلوان الذي يمتع الأطفال بعروض يشاركونه فيها.

كبار وصغار

تاريخ

ظهر مسرح العرائس في البداية عند الفراعنة، ثم في الصين واليابان وتركيا وبلاد ما بين النهرين. وكانت لليابان حكاية خاصة في التعاطي مع مسرح العرائس، حيث شكّل لديهم إحدى ادوات التعليم والتلقين. أما في الغرب فلم يعرفوا مسرح العرائس إلا بعد أن عرفوا مسرح الدمى (الماريونيت) التي لاتزال الدول الغربية تحافظ عليه حتى يومنا هذا. وبخلاف مهمة الوعظ في مسرح العرائس في العالم العربي، فقد وُجد قديماً نوع من أنواع المسرحيات التي كانت تقدم من دون أي وعظ، حيث كانت الشخصيات الشريرة أو المحتالة هي ما تنجو في نهاية القصة من دون عقاب. وعلى الرغم من الأهمية التي حظيت بها هذه المسارح في القدم، إلا ان مسرح العرائس بصفة خاصة، ومسرح الطفل بصفة عامة من المسارح التي تراجع وجودها في العالم العربي، وغاب دورها الترفيهي والتربوي.

تبدأ العروض بإمتاع الصغار، لتنتقل الى امتاع الكبار، هذا ما أكده فايز، الذي قال «يستطيع من يعشق المسرح أن يقدم العروض التي توازن بين امتاع الكبار والصغار، فالعروض تقدم بتوليفة يستفيد منها كل من يشاهد العرض، وذلك من خلال النصائح التي تقدم في القصص التي نرويها»، وأضاف «لابد من بدء العروض مع الصغار، فالفقرات الأولى موجهة للطفل تماماً، ثم بعد ان يكتفي الأخير مما قدمناه، ننتقل الى الكبار، عبر فقرات الرقص والغناء». واعتبر أن الفقرات الأولى التي تشد الأطفال، تجذب الآباء أيضاً، كونها تعليمية توجه النصائح حول ضرورة التعلم من خلال شخصيتي «حنتوس وحنتوسة»، ووفقاً لهذا المنهج نستطيع بسهولة ان ننتقل الى الأب بعد الانتهاء من الطفل، خصوصاً أن الأول يكون مركزاً على المحتوى الذي يقدم لابنه.

أما الإحساس بالدمية فهو من أبرز النقاط التي شدد فايز على ضرورة وجودها، معتبراً أن افتقاد محرك الدمية هذا العنصر، لن يمكنه من امتاع المشاهدين، حيث ستكون عروضه ميكانيكية وصحيحة وفقاً لما تعلم، لكن من دون روح وهوية. ونوه بأنه حين يقدم العروض الراقصة، يرقص من خلف الستارة على ايقاع الموسيقى، مشيراً إلى أن الممثل الذي لا يتعايش مع الدمية ولا يتحرك خلال تأدية دوره في تحريك العرائس، هو ممثل لا يمتلك القدرة على منح الدمية اي احساس. واعتبر فايز أن ميزات الاحتراف هي القدرة على شد انتباه المشاهد طوال مدة العرض، الذي لا يمكن أن يتجاوز ساعة ونصف الساعة، مشيراً الى أن الممثل هو الذي يحدد مدة العرض تبعاً لطبيعة العرض ومدى قدرة الجسم على التحمل، فأحياناً لا يستطيع أن يقدم أكثر من ‬45 دقيقة. ورأى أن التنوع في العروض مهم مع اختلاف الثقافات الموجودة في دبي، موضحاً أنه يتابع مختلف الثقافات ويشاهد رقصات البلدان، ليقدمها من خلال الدمى، فيقدم الرقص الإفريقي أو الهندي الى جانب الشرقي.

تمارين وصعوبات

فايز لفت إلى أن التمرينات على العرائس تختلف باختلاف أنواع العرائس الخشبية، فهناك دمى يطلق عليها اسم «كومبارس» أي الدمى المساعدة للدمية الأساسية، بينما هناك دمية أساسية في المشهد، وأشار الى إلى ان البداية في مسرح العرائس تكون مع الدمى الكومبارس، وذلك لمدة شهر، وبعدها ينتقل التدريب على الدمية الأساسية، وبعد ثلاثة أشهر يصبح الممثل متمكناً من الدمية. ورأى فايز ان اكتساب آليات تحريك الدمية مهم، ولكن على كل شخص أن يوجد خطه الخاص به، من خلال حبه للدمية وإحساسه بها، لأن الحركات التي تقدم في المسرح هي نفسها الحركات البشرية التي تقدم من الراقصة أو من المطرب.

أما الصعوبات التي تواجه الممثل في أثناء أداء العروض، فترتبط بالدمية التي قد ينقطع أحد خيوطها، ورأى فايز أنه من الضروري أن يتمرن الممثل على الدمية بكل الاحتمالات، فيرقصها وهي موصولة بكل خيوطها، وكذلك يقوم بالتمرينات بعد أن يقطع احد الخيوط ربما عند الخصر أو العنق أو اليد أو الرأس، ليدرك تماما كيف يمكنه أن يغير مسار العرض في حال انقطع احد هذه الخيوط في أثناء تقديم العرض مباشرة على المسرح، ونوه بأن هذه العقبات التي قد تواجه محرك الدمى في أثناء العرض تبرز براعته، فحين يقطع خيط اليد عليه أن يقدم رقصة لا تعتمد على اليدين، ويغير مسار عرضه من دون أن يشعر المتلقي بذلك.

بينما تعد الصعوبة القصوى حين تقطع الدمية من الداخل، كما أوضح فايز، قائلاً «تنحت الدمية من الخشب، وتقسم الى ثلاثة أقسام من الخشب، وتكون كلها متحركة ومترابطة من الداخل، وبالتالي الأصعب هو انقطاع الترابط الداخلي».

وشدد على ان أهم ما يجب أن يفعله الممثل هو التحكم بالدمية وفقاً للأصول، لأن الترابط الداخلي في الدمية ينقطع بسبب الخطأ في الحركات، كما ان زيادة الحركة قد تجعل الدمية ترقص بشكل سيئ. لذا فإن المهارة تكمن في الحفاظ على ترابط الدمية من دون ان يتسبب الممثل في انقطاع الخيوط أو الترابط الداخلي.

 

المصدر:

    ديانا أيوب – دبي

http://www.emaratalyoum.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *