“موحيا”.. أو “شكسبير” الأمازيغي الذّي هيّج أضواء باريس و شغل مسارح الطلائعيين

 

 

 

عاش في الظل رغم أعمال عظيمة لا تتسع صفحات لسردها، جمع بين عبقريته و تجربة عباقرة آخرين أنجبهم عالم المسرح، ليأتي بإنتاجهم إلى تلك اللغة، التي اختصرها الرسميون في  الفلكلور، و ليقول أن الأمازيغية بمقدورها طرق باب العالمية، نتذكر “موحيا” و بأية الأوصاف سنصفه؟ و هو، الذي غاص في نصوص موليير، براشت بيكات و براسنس لنصل إلى لغة معمري، من جبال جرجرة إلى خشبات المسرح بباريس، من ليسانس في الرياضيات إلى الاحتكاك بالنثر و القافية لرواد خلدهم التاريخ في الأدب.. هذا هو “موحيا”.

ولد “عبد الله موحيا” يوم الفاتح ديسمبر1950 بعزازقة من عائلة تنحدر من قرية أث رباح ببلدية ابودرارن، تربى في وسط عائلي متواضع، ليبرز ذكاءه مع دخوله ثانوية عميروش بتيزي وزو، و تبدأ سنين النضال من أجل الهوية، دون تفريط في الدراسة، تحصل على شهادة الباكالوريا في 1968 و ليسانس في الرياضيات في1972، و لم يحاول “موحيا” أن يطرق باب الأكاديميات و سافرت عبقريته إلى فرنسا في تحدي آخر رغم أن جو المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية  كان بحاجة ماسة إلى خدماته آنذاك في الجزائر، استقر بمدينة ستراسبورغ في بادئ الأمر، لينتقل إلى باريس، و هنا كذب من قال أن “موحيا” سينسى في دار الغربة تلك اللغة الأمّ، التّي ظلمها الساسة؟

اكتشف محبو “موحيا” كتاباته الأولى في مجلة “ثيسوراف”، التي كان يصدرها طلاب جامعة فانسان في تلك الآونة، و درّس مجانا الأمازيغية في الجمعية الثقافية البربرية قبل أن يدخل الخشبة بتأسيس فرقة مسرحية في 1983 المعروفة باسم “أسالو”، و يبدأ مجال الاقتباس و الترجمة لأعمال كبار الفن الرابع إلى الأمازيغية، جمع “موحيا” بين بساطة لسان القرى، التي ينتمي إليها و تلك الشهرة، التي صنعها في مجتمعات أوربية نصوص مسرحية تدرس إلى غاية اليوم في أكبر الجامعات العالمية.

من لم يتمتع بـ “سي لحلو” المقتبسة من مسرحية الفرنسي موليير “طبيب رغما عنه”، من لم يتمعن في محتوى “أم وين يتسراجون ربي” المترجمة من منتوج سامويل بيكات “في انتظار قودو”.. هذا هو “موحيا”، الذّي طرح في الخشبة كل ما عان منه بلد بأكمله من المطالبة بحرية التعبير، الاعتراف بالأمازيغية، الديمقراطية، واقع المنظومة التربوية، مؤكّدا فوق الخشبة أن المسرح بإمكانه أن يثور و يغيّر، لم يجده أحد في صالونات فخمة، سمع لبسطاء من الطلبة، من الشارع و سمع صرخات جاءت من الأعماق دون أن يبحث عن شهرة مزيفة، قال الكثير أنه سبق زمنه بذكائه، و بقي “موحيا” ابن تلك القرى، التي صنعت مجدها بمحن الدهر دون أن تنحني.

اقترب من “موحيا” العديد من الفنانين فلم يبخل عنهم بأشعاره، لا يجد المستمع زخرفة في كلمات اقتبسها من شعراء مناضلين بالفطرة، قدم لفرحات ايمازغن امولا أغنية “الهارب” التي غناها بوريس فيون، و أغاني أخرى تصدت للأصولية و ديكتاتورية قوم القمة دون مقدمات، فعل ذلك مع اذفلاون، براهيم ايزري، مليكة دومران و لم ينتم إلى أية جهة طمعا في تقلد مسؤوليات أو نيل عرفان أحد، و لم تعرف باريس كل الذين أبدعوا على أرضها، “موحيا” جال في أزقتها و هو في خدمة هوية و أصالة دون ضجة، أنار ثقافة الأجداد، و عاد إلى جبال جرجرة في نعش، و هو الذي شرفها وراء البحار، مات “موحيا” يوم 07 ديسمبر2004، و إن كان الرحيل في هدوء فلا أحد ينكر عظمة الراحg

زكية آيت سعيد

 

http://elmihwar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *