مشاهد فنتازية تعري الراهن العربي في “خذوا وجوهكم”

 

 

 

نقل فريق مسرح الشارقة الوطني في عرضه “خذوا وجوهكم” التي قدمها مساء أمس الأول على مسرح ندوة الثقافة والعلوم ضمن مهرجان دبي لمسرح الشباب، الواقع الراهن في بعض البلدان العربية وما يشهده من فساد وخراب من خلال خشبة غصت بالمهرجين ولاعبي الأكروبات والممثلين، حيث عالج مؤلف العمل الفنان محمود أبو العباس الواقع برمزية عالية قدمته بوصفه سيركاً يتبادل فيه الأبطال السخرية .
قدمت المسرحية التي جاءت برؤية إخراجية للفنان عمر الملا، تحولات الواقع السياسي في بعض البلدان العربية، متوقفة عند العلاقة بين تراتبية السلطة والقوى التي تتحكم بالشعوب وتنصب من تشاء رئيساً عليها، وتسقط من تشاء .
عرضت المسرحية فرجة بصرية عالية اشترك في صناعتها فريق الأكروبات الذي قدم حركات بهلوانية على الخشبة، وفريق الممثلين بما عرضوه من حركات خفة، وسحر، إضافة إلى تعدد الألوان وتنوعها في السينوغرافيا، مقدمة بذلك إمتاعاً بصرياً على صعيد الرؤية قبل أن تروي حكايتها المكثفة عن الواقع .
تدور أحداث المسرحية حول شخصيتين الأول عارض أكروبات والثاني ساحر، يقرران تبديل دوريهما في العرض، فيفشل الاثنان معاً، ويفسدا العرض، الأمر الذي يغضب مالك السيرك، وكل فريق العمل، فتظهر شخصية صانع المكياج، وشخصية المهرج .
تبدأ الحكاية والحوار وكل الإسقاطات التي يطرحها العمل المسرحي منذ تلك اللحظة، حيث تدور حوارات عدة بين الشخصيات الأربع، تنكشف فيها دورة العمل في السيرك، ويظل البطل الحقيقي الذي يحرك كل تلك العناصر مخفياً، ولا تظهر منه سوى أوامره ونواهيه التي ينقلها صانع الماكياج .
بعد صراع طويل يعيش فيه الساحر ولاعب الأكروبات نتيجة الخطأ الذي حدث، تتفكك بنية السيرك كاملاً، وينكشف دور صانع المكياج على حقيقته إذ يتحكم بعناصر السيرك، ويؤكد أنه لو لم يكن موجوداً لما استطاع أحد منهم تقديم عمله، إذ هو الذي يمنح كل واحد منهم شخصيته ووجهه الذي يخرج به على الناس .
وتنكشف شخصية المهرج بما يتماثل فيه مع الواقع بمختلف صوره، إذ يظهر مرة بوصفه اللعوب الخانع لأوامر سيده صانع المكياج، ومرة يظهر بوصفه سارق أمتعة الساحر، وثالثة يظهر فيها بوصفه المتكلم الذي يجيد ترتيب الحكاية وتنسيقها لتخريب السيرك وإفشاله، وأخيراً يتبدى بصورة الشخصية المتمردة التي تخرج عن طورها وتواجه الجميع وتختار مغادرة السيرك وهي محملة بكل أسراره ووثائقه وكتبه وتاريخه .
بين تلك المشاهد تظهر قدرة المخرج على تمرير المشاهد الفنتازية التي تنقل العمل من إطار الصراع الذي يمضي فيه، إلى إطار السخرية والكوميديا السوداء التي يقدمها الممثلون بمشاهد لافتة .
تختتم المسرحية بمشهد يعيد إلى المتلقي تساؤلات جديدة حول حقيقة الواقع بكل تجلياته، إذ يظهر صانع المكياج البطل الذي ظل يحرك ويمنح الممثلين وجوههم وحيداً في السيرك بعد أن رحل كل الآخرين، لينهار ويبدأ من جديد بجمع وجوهه، فتظهر من حوله وجوه صماء تتحلق حوله لمنحها هوياتها وتقضي عليه، فيمنحهم وجوهاً جديدة ويختفي .
سبق العرض جلسة حوارية استضافها مجلس المهرجان بعنوان “الإعلام المسرحي بين التخصص والعشوائية”، تحدث فيها الزميل محمد عبد المقصود، وأدارتها علياء المر المهيري مدير قسم اللغة العربية في هيئة “دبي للثقافة” .
أكدت المهيري أهمية الإعلام في تعميم الثقافة المسرحية في المجتمع، وخصوصاً لجهة الإضاءة النقدية على رسالة المسرح، التي تكشف جماليات أبي الفنون ودوره في صناعة الحياة والمستقبل . وكذلك دوره في تحريض الشباب على الإبداع .
وتناولت الجلسة موضوعات عدة، أبرزها، إشكالية وجود إعلام مسرحي ناقد، يوجه الحركة المسرحية الشبابية في الدولة، بالصورة التي تضمن الحصول على أفضل المخرجات في الفن المسرحي، ومهمة مجلس المهرجان تتمثل في إيجاد كوادر مسرحية شابة متخصصة في مجال النقد المسرحي الإعلامي .
وتساءلت المهيري عن حقيقة إشكالية العلاقة بين الناقد المحترف والإعلامي؟ ليجيبها عبد المقصود بقوله: “علينا التأكيد أن مسألة الاختصاص في النقد المسرحي، هي بحد ذاتها إشكالية في الثقافة العربية المعاصرة، لأننا لو حاولنا حصر عدد النقاد بهذا المعنى، فسنجدهم يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة على المستوى العربي، لأسباب ليست خافية على أحد، ومن أبرزها تراجع الإقبال على المسرح من جهة، وغياب النص المسرحي من جهة أخرى . وربما تبرز هذه الإشكالية في الواقع الإمارتي بوضوح أكبر لأن النشاط المسرحي يقتصر على موسمين في العام، لمدة عشرين يوماً في أحسن الأحوال” متسائلاً “كيف يمكن أن يقوم نقد إعلامي محترف أو متخصص في ظل هذا الواقع؟” .
وتطرقت المهيري إلى ضرورة الوصول إلى توصيات تسهم في انطلاقة قوية للنقد المسرحي على مستوى الشباب الإماراتي بشكل خاص، من خلال جلسات الحوار في “مجلس المهرجان”، وبالاستعانة بالخبرات الموجودة على مستوى الدولة .

 

محمد أبو عرب:

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *