عرضا المغرب” بين وبين” وفلسطين “خيل تايهة” يرتقيان بالاداء الجماعي

 

 

 

ارتقى العرضان المسرحيان المغربي “بين وبين” والفلسطيني “خيل تايهة” اللذان قدما في المركز الثقافي الملكي مساء الاثنين ضمن مهرجان المسرح الاردني في دورته الحادية والعشرين، بالاداء الجماعي المتقن واللوحات التي اتكأت على اسلوبية التمسرح داخل المسرح والراوي الذي لم يخل بالعمل وتماسكه.

“بين بين” عرض مسرحي مغاربي اتكأ على المدرسة الحداثية في المسرح او مسرح ما بعد الدراما، الذي يكون ضد سلطة النص ومع استقلالية المسرح عن النص الدرامي، وضد وحدة المكونات الجمالية، والصراع ليس عنصرا أساسيا فيه، ولا يقوم على مبدأ الفعل والقصة، ولا تهمه الرسالة بل يهمه فن الأداء ووسائل التعبير المتنوعة، ويعكس حالة وموقفا بهدف صياغة حس جمالي جديد ، مثلما يقترب العرض من اسلوبية صموئيل بيكيت ومسرح العبث الذي يتميز ببعده عن الزمان والمكان والحبكة حيث الحوار يأتي غامضاً مبهماً مبتوراً تعوزه الموضوعية والترابط والتجانس وتكون فيه شخوص المسرحية تتحدث دون أن يتمكن أحد منهم من فهم الآخر.

العرض المسرحي المغربي الذي أخرجه محمود الشاهدي وكتب نصه الشاهدي وطارق الربح وعلاء حنوي، استخدم الموسيقى الحية باسلوبها الغربي الصاخب واستهل بها مشاهده باعتبارها احدى العلامات السمعية الرئيسة فيه محيلة ذلك الصخب الى ما يكتنف الافراد من صخب تفاعل صراعات داخلية وخارجية يومية نعيشها على المستوى الفردي الذاتي او الذات الجماعية وصولا الى اطارها الكوني الاشمل، وتتلخص ثيمته الرئيسة في طرح موضوع الهوية التي يتناولها العرض بمنظور التطرف الديني تارة وصراع الاديان تارة اخرى والهوية الوطنية من جهة والهجرة الى ثقافة اخرى ومراراتها من جهة اخرى، من خلال عدد من اللوحات التي تقدم باسلوبية الراوي يتبادل فيها الادوار شخصيات العرض عادل ابا تراب وهاجر الشركي ومالك اخميس إضافة الى مشاركة العازفان مهدي يوبكة ومصطفي الخليفي المتموضعان في منتصف الخشبة على مسرح محمود ابو غريب.

نحا العرض المسرحي “بين بين” الذي تميز فيه العمل الجماعي للفريق بالاتقان، تجاه الكوميديا الخفيفة التي تذكرنا بمسرحية “الدب” لتشيخوف حيث تختلط الجدية مع السخرية والفظاظة رغم ما تطرحه في بنائها الداخلي من محمولات تعبر عن إرهاصات وآلام وصراعات وقضايا جدلية في عالمنا المعاصر، كما جاءت بمستويات متعددة من المحمولات التي عبرت عنها العلامات السمعبصرية المختلفة .

لغة النص المنطوق التي جاءت بالمحكية المغربية سعت للتعبير عن حالة وموقف مع توظيف الغناء والموسيقى بالتوازي مع ذلك مكملا لما يراد إيصاله من رسائل ومضامين، فيما جاء النص غير المنطوق من مختلف عناصر السينوغرافيا، ملابس واكسسوارات وديكور بسيطا ابرزه المستطيل الابيض المضاء من جوانبه الاربعة باعتباره يمثل حيزا يمثل حدود الافكار والجغرافيا واطر حدود للعب الشخصيات لادوارها والتي كانت توظفه لتسجيل موقف محمل برسائل معينة حال الخروج منه اضافة للانتقال الى لوحة اخرى، في المقابل عبرت العباءة او المعطف البراق الذي ارتدته شخصية هاجر عن فضاء مفتوح ، في حين عملت الاضاءة التي جاءت متحركة ومتغيرة بحسب متطلبات وسياق اللوحات والمشاهد على ايجاد صيغة من التناغم التعبيري مع الاداء التمثيلي والحركي المميز لفريق العمل.

يختتم العرض مشاهده بدخول شخصية الفتاة بعباءتها المغربية البراقة والتي تؤديها هاجر الشركي الى المستطيل الابيض لتلقي ورودا حمراء من سلة كانت بيدها والتي تتماهى في لونها مع تربة الوطن وتسقط بشكل عامودي منتصب كانها مزروعة في تراب الوطن فيما تمثل وردة بيضاء وحيدة ذاك الصفاء وما تعبر عنه من نظرة ايجابية نحو الأمل والدعوة للتصالح الذاتي وبين البشر، فيما جاء العرض المسرحي الفلسطيني “خيل تايهة” الذي اخرجه وصممه ايهاب زاهدة عن نص للكاتب السوري عدنان العودة، عملا مسرحيا متكاملا مقتربا من اسلوبية المسرح الملحمي مع توظيف المفردة من موروث منطقة بلاد الشام باسلوب متقن ومنسجم مع اللوحات والمشاهد ، وشخصية الراوي التي تبادلتها مختلف شخصيات المسرحية إضافة إلى الغناء والموسيقى التي تكاملت مع العمل الجماعي المتقن للفريق.

قصة العرض الذي قدم على مسرح هاني صنوبر، تحكي قصة البنت “خيل” التي تتنبأ لها قابلة القرية القودرية أو العرافة بأنها ستموت بعمر الثلاثين عاما، لتتوالى لوحات الحكاية ومشاهدها ضمن رؤية اخراجية مميزة، تعبر عن الصراع الدائم والتيه المستمر لخيل كما حصل لأمها (تايهة) من قبلها حتى تتمكن من كسر نبوءة القودرية بأن وجهها حجر وصوتها خدر وأنها ستموت بعمر الثلاثين، فيما ينقلنا المخرج عبر لوحات عرضه ومشاهده ومن خلال اسلوبية الرواية والغناء والشعر حينا والتمثيل المباشر حينا اخر مع تداخل الازمنة عبر تلك اللوحات من الحالي الى الماضي وبالعكس لتسرد الشخصيات حكاية تايهة الطفلة البدوية الصغيرة ذات السنوات الخمس والتي طلبت منها امها ان تذهب لتستعير المشط لأمها من بيت الجيران، فتهب عاصفة الغبار في البادية لتضل الطريق فيما شخصية هويدي الذي لم تستقر عنده زوجة، وبعد مشاورات مع مختار قريته المحيسن يقرر تربية الفتاة التي وجدها “تائهة” في العاصفة الرملية ويتكفل بتربيتها كونه لم ينجب أطفالا، يبحث عن أهلها فلا يجدهم ويقرر إخبار الفتاة التائهة في سن العشرين أن أهلها توفوا في العاصفة، وبعد وفاته وفي اثناء بحثها عن من يدرس الحنطة لها تتعرف على هوزان الذي هو بحسب النص الاصلي من اصل كردي فيما يسقط عليه المخرج شخصية البطل الفلسطيني وتتزوج به تايهة ويقتل هوزان بعد حملها بشهر ونيف فيما هي تأمل ان تنجب ولدا ليأخذ بثأره، إلا انها يوم وضعها لمولودة بنت، لا تهدأ الخيول، فتقرر تسميتها “خيل” التي هي تروي حكايتها وحكاية امها قبل وقت قصير من اقترابها لعمر الثلاثين وامكانية تحقق نبوءة العرافة في مقام ابن عربي في دمشق حيث تتلقى تعليمها وهو المقام الذي تلتقي فيه استاذها محمد القدسي، الفلسطيني الذي أحبته من أيام المرحلة المدرسية وكانت ترى فيه والدها أو فارس أحلامها أو ضالتها أو ربما حبها، وهي تمثل ذاك الانسان الفلسطيني الذي اقتلع من ارضه وفقد هويته وهو في سعيه للبحث عن وطنه.

وفق مخرج العرض المسرحي المشبع بالغناء والموسيقى والشعر والاداء الحركي المتقن والمتناغم مع احداث الحكاية جاء بمستويات متعددة من المحمولات والتداعيات ، في توظيف تقنيات الممثل وامكاناته الادائية في شكليه كنص منطوق أكان مونولوجا او ديالوجا او غناءً وشعرا ملقى ، او على صعيد الاداء الحركي المتماسك والمتقن والذي حافظ على ميزانسين العمل بالتوزيع المتناسق للشخصيات مع كتل الديكور التي وظفت بالتالي كمقاعد وآلالات ايقاعية وخيل وتلال وبيادر وغيره، علاوة على عناصر السينوغرافيا الاخرى من اكسسورات وإضاءة متحركة ومتغيرة بحسب مقتضيات العرض.(بترا) –

 

عمون -مجدي التل

http://www.ammonnews.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *