مسرحية “بيت بلا شرفات” ورود ملونة حاكتها نساء مقهورات

 

 

 

بحضور مؤلف النص المسرحي “بيت بلا شرفات” هشام كفارنة من سورية، عرضت مساء أول من أمس على خشبة مسرح هاني صنوبر “الرئيسي” بالمركز الثقافي الملكي، أولى فعاليات مهرجان المسرح الأردني بدورته الحادية والعشرين مسرحية “بيت بلا شرفات” للمخرج الأردني فراس المصري.
وتناولت المسرحية واقع المرأة المرتهنة لظروف حياتها الاجتماعية والدينية القاسية عبر ست نساء طرحن هواجسهن وآلامهن من داخل بيت بلا شرفات.
هذا البيت الذي يبدأه المخرج بصورة راقصة للنساء رافقها العزف الحيّ على الخشبة مع الفنان ومؤلف الموسيقى عامر محمد، روت بطريقة ما حالة التديّن الشكلي وربما محاولة لكبت صورة هذه المرأة وحصرها في “المظهر” الخارجي حتى وهي حبيسة الانتظار.
رقصة “نفض الألم”، إن صح التعبير، وكأنهن نساء ينفضن غبار ما علق بأذهانهن من آلام من عذابات بدت جميلة ومؤلمة بالوقت ذاته، وبخاصة حين تحاول النسوة نفض الغبار من ملابسهن التي تفتت إلى سواد أيضا يحمل ضمنيا “عذاب آخر”.
ينتقل المخرج للبوح وتبدأ الفتيات واحدة تلو الأخرى تشكو نوعا من عذابهن في انتظار الزواج والحبيب والأخ وبصورة أوضح في انتظار “الرجل” فأين هو ولماذا تأخر؟ كما جاء على لسان إحدى الممثلات.
“تطاردوننا وتتركوننا عالقات في عوسج الانتظار” هي جملة ترددها إحداهن في ذلك البيت الممتلئ بحكاياتهن النساء الحبيسات الانتظار الواقعات في عشق رجل لا يأتي فيبحن عن آلامهن التي بدت متشابكة مع بعضها.
الأم مكلومة أيضا تجلس بين الفتيات وتنتظر لعله يفاجئها حضوره “هذا الغائب” الذي يصير حقا للجميع حين يكون السجناء على سوية واحدة في السجن فينتظرون “واحدا” فإما يأتي أو يبقى السجناء في الانتظار.
وتروي حكاية أخرى للفتيات في هذا البيت المشؤوم كما يبدو لكونه بلا شرفات، الفتاة التي ترتكب خطيئة “الحب” ويدفعها ذلك للموت الذي لا يأسفن عليه الأخريات من النساء وكأنهن مستسلمات لا للموت بل للقدر.
من ألم لآخر وشقيقات يقتلهن الصبر والوحدة والانتظار، يقررن الخروج وهو العلاج أو الأمل للبحث عنه “الغائب” الرجل الذي لم يأت أبدا، ولكن هذا الخروج قد لا يحقق الغاية في عالم جفّت دموع نسائه بين ثكلى وعاشقة مطلقة ووحيدة ولا أشعة شمس تبعث الأمل لأن البيت بلا شرفات.
يبدو العمل تراجيديا إلى حد ما ومفعما بالصور البصرية والسينوغرافيا البسيطة المشغولة بحرفية، وكانت الإضاءة فيها متعبة للمشاهد وبحاجة إلى تعديلات بسيطة؛ مدعاة الى التحرر الانساني “للمرأة” والقادر على تقليص مساحات الألم لدى البشرية؛ فالمرأة هي الأم القادرة على ضخ المعاني الأخلاقية لهذه المجتمعات.
واستطاع المخرج استخدام رابط “الشرائط” بين مجموعة النساء قاصدا إشراكهن جميعهن في تلك العذابات بالبيت الذي جمعهن، وربما المجتمع الكبير الذي يضعهن بذات “السجن” غير المعروف لا مكانه ولا زمانه.
هذه الشرائط كأنها خيوط القصص التي “أحاكتها” النساء بجراحهن وآلامهن وهن على أهبة الانتظار والحلم، فلا يقتلهن اليأس بالانتظار ولا يعنيهن البيت أن يكون بلا شرفات، طالما ستنبت من جراحهن ورود ملونة سيتبادلها العشاق.
واتضح ذلك بالمشهد الأخير للعمل المسرحي والذي يعود فيه عازف العود إلى الخشبة وكأنه الغائب، تغلقن النساء عليه في دائرة وكأنهن أردن قتل كل مساحات الانتظار بالتوحد في عقابه.
وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع المخرج، فهو اختار في نهاية العرض أن ينتصر للمرأة وعذاباتها في أن تعاقب النساء “الغائب” الآخر بنفس جنس عذابهن، بأن يكون البيت بلا شرفات حين أحكمن إغلاق الدائرة عليه.
ويظل السؤال الأخير متى تنتصر المرأة وتصحو من النوم لتخلع منام الحزن والألم؟، فالمرأة كل المجتمع حين يغيب “الرجل” أو بالأحرى حين يظلمها الرجل، فيبقى الحل بصحوها وانتصارها على الظلمات.
الكاتب هشام كفارنة اعتبر أن العرض الذي عالجه المخرج برؤية بصرية جميلة اقترب بها من روح النص، مشيرا إلى أن العمل باح بكل عذابات المرأة بطريقة جميلة تخللتها شفافية بالطرح.
وأضاف كفارنة الذي حضر خصيصا لمتابعة مهرجان المسرح الأردني وعرض المصري المسرحي للنص أن أداء الممثلات كان متمايزا على الخشبة، مبينا أن عليهن الاشتغال أكثر على أدائهن. مضيفا أن فكرة التعاون ليست جديدة في العالم العربي ومهمة، لكونها تحمل تقاطعات كبيرة ومتشابهة في مجتمعنا العربي الواحد.
المسرحية من أداء كل من؛ أريج الجبور، مرام أبو الهيجاء، رناد ثلجي، رناد قطامي، نور عزام، سناء أيوب، عامر محمد. تصميم استعراض آني قرة ليان، لوحة فنية د. اياد رستم، تأليف موسيقي عامر محمد، أداء صوتي بكر قباني، تصميم بوستر شركة النواس وسينوغرافيا وإخراج فراس المصري.
ويستمر مهرجان المسرح الأردني حتى الرابع والعشرين من الشهر الحالي بمشاركة عربية واسعة وندوات فكرية وتعقيبية يقدمها باحثون ومختصون بالمسرح العربي.

سوسن مكحل

http://www.alghad.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *