عندما هزَّ المسرح نظم الحكم

 

 

 

 

لا أعرف أين ذهبت روائع المسرح المصرى؟ ولماذا تكتفى القنوات التليفزيونية بعرض المسرحيات التجارية التى كانت من أجل الضحك للضحك وتغطية المواسم السياحية، وزبونها معروف أنه جاء ليتسلى والسهر مع النجوم فى المسرح وتسجيل الصور معهم بعد نهاية المسرحية لكى يعود إلى بلده متفاخراً؟

 

 

فى أرشيف المسرح المصرى كوم هائل من المسرحيات التى تعد من روائع الفكر والتمثيل والإخراج، ولكن كأن يداً مجهولة امتدت إليها وأخفتها أو أحرقتها أو دفنتها محققة قول «الأعمال الرديئة تطرد الجيدة من العرض».

 

 

يحكى جلال الشرقاوى فى كتابه «كواليس وكوابيس» عن الفترتين اللتين شهدهما المسرح السياسى المصرى: فترة الرموز والإسقاط، ثم فترة المسرح السياسى الصريح الذى يسمى الأشياء بأسمائها، وتعد مسرحية «ع الرصيف» بطولة سهير البابلى والراحل حسن عابدين، وإخراج جلال الشرقاوى، الرائدة فى هذا المجال.

 

 

فى ليلة البروفة النهائية حضرت العرض السيدة نعيمة حمدى، مديرة الرقابة بنفسها، وكان يطلق عليها «المرأة الحديدية»، وقد تبارى أعضاء الرقابة فى نتف ريش المسرحية حتى وصلت إلى حذف أكثر من نصفها. وفى السادسة صباحاً أعلن «جلال» لفريق الرقابة رفضه تنفيذ أى حذف. وبعد أن ظلت مديرة الرقابة ساكتة لا تتكلم نظرت إلى الشرقاوى قائلة: هل تتحمل أنت مسؤولية رفع الستار عن المسرحية؟ قال لها: بالطبع. قالت نعيمة حمدى: أما أنا فلا أستطيع تحمل هذه المسؤولية، ولذلك لن أوقع بالموافقة على عرضها، وإذا كنت تستطيع تحمل المسؤولية فاتفضل اعرض. وبالفعل تم عرض «ع الرصيف» سنتين متتاليتين دون موافقة السيدة نعيمة حمدى. هنا تبرز شجاعة الرقابة فى منح المسرحية فرصة الظهور دون أن تتحجج بمنع عرضها، ما جعلها تستمر سنتين ويتم تصويرها تليفزيونياً.

 

 

فى مرحلة الرمز تعتبر مسرحيتا «الفرافير» و«المخططين» من أهم أعمال دكتور يوسف إدريس. ففى «الفرافير» يحاول الفرفور التخلص من النظام الذى يفرض عليه أن يكون دوماً تابعاً للسيد ولكنه لا يفلح، وفى «المخططين» يستولى «الأخ» بمساعدة عصابته على العالم ويخططه بلون واحد هو الأبيض والأسود. وحتى يضمن تنفيذ مخططه وفكره الشمولى يوزع حكم العالم على أفراد عصابته، فيعطى كلاً منهم قارة، وبعد سنوات يكتشف «الأخ» أن العالم به ألوان أخرى أكثر بهجة للإنسان وأكثر نفعاً، فيدرك متأخراً فساد نظامه الشمولى، ويحاول إقناع أفراد العصابة بالتغيير، ولكنهم يجدون أنه بذلك سيحرمهم من النعيم الذى أصبحوا فيه، ولا يجدون وسيلة سوى اغتياله!

 

 

كان شعراوى جمعة وزيراً للداخلية وأميناً عاماً للاتحاد الاشتراكى، وما إن عُرض عليه النص حتى قال جملته الشهيرة: «على جثتى لو ظهرت المسرحية». وبالفعل تم إيقاف هذا العمل العظيم قبل ثلاثة أيام من الافتتاح!

 

 

وفى مرحلة الرمز كتب على سالم مسرحية «عفاريت مصر الجديدة» عن دولة المخابرات، و«إنت اللى قتلت الوحش»، حيث يجب أن يكون الحكم للشعب، وكتب سعدالدين وهبة «كوبرى الناموس» عن زيف النظام الذى لا يتوقف عن ترديد الشعارات التقدمية دون أن يحقق شيئاً على مدى عشرين عاماً، وبعد ذلك يكتب سعد وهبة مسرحية «سكة السلامة» التى يرمز فيها للنظام بسيارة الأتوبيس التى تنحرف عن طريقها وتتوه فى الصحراء حاملة ركاباً من كل طبقات الشعب لا يدرون لهم مصيراً أو مخرجاً. أما رشاد رشدى فيكتب «بلدى يا بلدى» عن المماليك الجدد الذين عزلوا القائد عن الناس فلا يعرفونه ولا يتعرفون عليه.. وتأتى حرب اليمن فيكتب عبدالرحمن الشرقاوى رائعته «الفتى مهران» عام ١٩٦٦ صارخاً: قل له يا أيها السلطان ما الحرب سوى ساحات دم. ليس فى هذه الساحات مغلوب وغالب. قل له لا تضع السكين فى أيد أعدت للفؤوس.. قل له إن المناجل للسنابل ولأعياد الحصاد لا لهامات البشر!

صلاح منتصر

http://www.almasryalyoum.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *