المسرح وتشكيل الوعي للدكتورة نرمين الحوطى بالكويت

 

 

 

حصلت وكالة انباء الشعر على المحاضرة التي تلقيها مساء اليوم استاد المسرح والنقد المسرحي الكاتبة د. نرمين الحوطي خلال ندوة المسرح وتشكيل الوعي خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب، في دورته الحالية ويشارك معها الأستاذ مرعي الجليان من دولة الامارات العربية.
وتقول الحوطى يعد المسرح أداة عريقة من أدوات صياغة الوعي وتشكيل الإدراك… فهو وسيلة مباشرة بين كل من الممثل والمتفرج لإيصال الرسائل المعززة للقيم والفضائل في النفوس … ذلك هو المسرح كما عرفناه منذ حضارة اليونان إلى الآن فهو أداة انعكاس أيضاً وبلورة لمعطيات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والحضاري لأي مجتمع ..فالمسرح مرآة عاكسة للمجتمع وصورة حضارية للشعوب من هذا المنطلق أصبح أبو الفنون عنصر أساسي في بناء الوعي الإنساني مما يشمل في جعبته الكثير من الأفكار والقضايا المتنوعة التي يطرحها على جمهوره.
“أبو الفنون” منذ نشأته وهو أداة نقدية لمجتمعه يوظف قضاياهم ويناقشها من خلال توظيفها على خشبة المسرح سواء أكان هذا التوظيف كوميديا أو مأساة .. فمن عملية النقد وكشف القضايا ومواجهة الجمهور بها جعلت المسرح عنصر أساسي في تكوين وعي الاجتماعي والحضاري أيضاً .. فعندما نجزم بأن المسرح يقوم بتشكيل الوعي الإنساني هذا الجزم لم يأتي من فراغ .. بل أتى من الكم التاريخي الذي يحمل الكثير لنا من مؤلفات وأعمال مسرحية تركوا من خلالها مؤلفيها بصمتهم في عالم الثقافة وأثروا التاريخ في معرفة طبيعة الماضي من خلال القضايا المتناولة وكيفية معالجتها .. فعند قراءتها يسهل على القارئ بأن يكون صورة عن ذلك المجتمع وتسهل عليه أيضاً بأن يلم من تاريخ تلك المجتمعات وثقافتهم آن ذاك .. بل في بعض الأوقات نجد أن تلك الأعمال ما هي إلا رسائل تنويرية لبعض قضايا التي نعيشها في وقتنا هذا أيضاً مع اختلاف الظروف والأسباب المصاحبة لها، يقول سي. هوفلاند:
“تتمتع الوسائل السردية والدرامية بقدرة متجددة على النفاذ إلى فكر الجمهور الذي يمكنه مشاهدة العرض المسرحي أو السينمائي أكثر من مرة ، مما يرسخ القضية المطروحة في ذهنه .. أما الوسائل الإعلامية التقليدية أو المباشرة فغالبا ما يقتصر دورها على الاطلاع الجمهور عليها مرة واحدة، ثم يصرف النظر عنها تماماً وهذا ما يحدث بالنسبة للصحيفة أو البرنامج الإذاعي أو التلفزيوني، أما العمل المسرحي أو السينمائي فيمكن أن يعيش عبر أجيال متتابعة حاملاً نفس الرسالة الإعلامية أو التنويرية بمعني أصح ).
اليوم نقوم بالتسليط الضوء عن أحد الفنون الجماهيرية وأصعبها ..لأنه فن مباشر ..لا يوجد به قطع ولا اختيار الكلمة .. فهي عملية مباشرة تقوم بين كل من الممثل والمتلقي ومن ذلك المنطلق تكون الرسالة ذات أهمية لمباشرتها وإلتحام الجمهور معها .. هذا الطرح والالتحام جعل أغلبية المؤلفين والمخرجين والقائمين على العروض المسرحية يهتموا بما يقوموا بعرضه للجمهور ليواكبوا قضاياهم ويحاكوا وعيهم .. ومنه أصبح القائمين على المسرح يقوموا بالرصد التحليلي لمجتمعهم ليعطوا من مسرحهم مضمون خصب وثري لمتلقيهم .. فيقول إريك بنتلي:
” كانت القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي تبناها المسرح الحديث بمثابة قوة دفع متواصلة لكي يستمر في طريقه ، ولولا هذه القضايا لتعثر وعجز عن مواصلة مسيرته ، وكان برناردشو قد بني كل مجده على هذه القضايا ، وفي الوقت نفسه لم يهمل الضرورات الفنية والدرامية التي يحفل بها مسرحه ، بالرغم من هجوم الكثيرين عليه ، وهناك بديهية لا يمكن إهمالها ، وهي أنه لم ولن يوجد النص أو العرض المسرحي الذي لا ينطوي على مضمون ، قد يكون مباشرا أو غير مباشر ، لكنه في النهاية مضمون ينطويعلى قضايا فكرية وإنسانية “.. ومن هذا المنطلق نجد بأن المسرح أصبح له العديد من المدارس الفكرية والعديد من القضايا وكل ما يتطلبه الوعي المقدم له.
مسرح الطفل هو خير مثال لقضيتنا اليوم ” المسرح وتشكيل الوعي ” .. الطفل هو اللبنة الأولى في المجتمع والكتابة له تعد من الكتابات المسرحية الصعبة والمعقدة فالكتابة للطفل لابد أن تبنى على عنصرين : ” الجذب – الغرس ” مصطلحين صعب بأن نحيك الكلمات بينهم .. فكيفية جذب الطفل للمسرح وما يستهويه من ابتكارات وشخصيات محببة ومن ثم أخذ الجذب وغرس بها الرسائل التربوية المراد غرسها في وعي الأطفال … عملية شاقة على الكاتب في الكتابة والمخرج في تنفيذ ما كتب .. فعلي سبيل المثال إذا قمنا بعمل مقارنة بسيطة ما بين الماضي والحاضر.. نجد في السابق كان الطفل يستهوي شخصية الراوي أما اليوم ومع التقدم التكنولوجيا لابد على المؤلف أن يستبدل شخصية الراوي بشيء محبب للطفل مثل ” الآيباد ” أو غيره من وسائل التكنولوجيا الحديثة .. لنقدر من خلالها تحبيب الطفل وجذبه للمسرح مع توصيل الرسالة إعلامية والتربوية المراد غرسها في أذهانهم مثل حب الوطن أو الصدق أو الأخوة أو غيرها من أسس ومفاهيم لابد أن نغرسها في وعي الطفل من خلال مباشرة المسرح والتحام الممثل مع المتلقي وهو ” الطفل ” .
عندما نقوم بتتبع مسرح الطفل نجده خير مثال على قضيتنا الأساسية وهي ” المسرح وتشكيل الوعي “.. فالطفل هو الفئة الأولى والأساس في قضيتنا في تشكيل الوعي من خلال المواد المسرحية وأنواع مسرحه .. فمسرح الطفل له عدة أشكال” مسرح الدمي والمسرح المدرسي والمسرح التجاري أو الترفيهي “.. كما أن الطفل تجزأ لمراحل عمرية البعض قام بتجزأتها لأربع والآخر لثلاث .. ومنها نجد بأن المادة الكتابية له أخذت بحور متوسعة في فنية الكتابة .. وجميعهم يقوم على ما ذكرناه في السابق ” الجذب – والغرس ” .
ما قمنا بذكره مثال لشريحة عمرية من المجتمع وهو مثال لتشكيل الوعي وأهمية تلك الفئة أما إذا أردنا أن نثبت أهمية المسرح في تشكيل وعي ..” النوع ” نقوم بذكر تجربة علمية قامت بها إحدى البتحثات وهي تهاني حسن من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا لنيل درجة الماجستير.. تناولت أ. تهاني من خلال أطروحتها العلمية ” دور المسرح التعليمي في تشكيل وعي المرأة “.. وقد قامت الباحثة تجربتها العلمية وتدوين أهداف البحث العلمي التي انحصرت في ثلاثة نقاط هي :

1- إبراز دور المسرح التعليمي في رفع وعي المرأة
2- إلقاء الضوء على تجربة مسرح الأحفاد التعليمي وتناوله لقضايا المرأة
3- معرفة مدى تأثير المسرح التعليمي على المرأة الريفية
تلك التجربة شملت 544 طالبة من الجامعة الأحفاد للبنات.. و300امرأة من الريف السوداني ..وقامت الباحثة بجمع المعلومات الأولية لهن عن طريق الاستبيان .. كما نجد بأن الباحثة استعانة بالمنهج الوصفي التحليلي لأطروحتها وعليه توصلت الباحثة لأهم النتائج وهي :

1- يعد المسرح الوسيلة المناسبة لمخاطبة المرأة الريفية لما يتمتع به من جاذبية ولقدرته على التحدث بلهجة السكان الريفيين … كما أنه بمقدوره ايصال رسالته للأمي والمتعلم على حد سواء .
2- كما اتفقت جميع عينة البحث على أن المسرح هو الوسيلة الناجحة في رفع مستوى الوعي عند المرأة الريفية .
3- عزز المسرح روح المبادرة والاستجابة عند الطالبات المشاركات في العروض المسرحية تجاه ما يتطلبه المجتمع .. الشيء الذي أحدث لديهن وعيا متقدما تجاه قضايا المرأة السودانية مما شكل دافعا قويا أدي إلى مسارعتهن للانضمام للجمعيات التي تهتم بهذه القضايا.
4- نجم عن الدراسة بان التغيير الذي يحدثه المسرح في حياة المرأة الريفية هو تغيير مستدام لا ينتهي بانتهاء عروض رحلات الارشاد الريفي التي تقوم بها الطالبات سنويا كجزء من المنهج الدراسي.
أمثلة كثيرة وعديدة نقدر بأن نقوم بذكرها للتأكيد بأن المسرح عامل أساسي في تشكيل الوعي الإنسان .. أن المسرح كالقراءة كلاهما يقوم على الكلمة المباشرة والحميمية ما بين القارئ أو المشاهد والكلمة المقروءة أو الحوار المسرحي كلاهما عالم يملأه الكثير من الأفكار والمفاهيم .. التي تصل إلى المتلقي وهو من يقوم بتخزين تلك المعلومات في وعيه على أن يقوم بتفكيكها وتحليلها… ومن ثم يأخذ منها ما يريد وفق فئته العمرية أو خياله العلمي أو غيرها من الأسباب التي تصقل له أفكاره، تلك المعلومات هي الحصيلة التي تشكل الوعي الإنساني.

 

وكالة أنباء الشعر – هناء السيد

http://www.alapn.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *