مسرحية السقيفة لحافظ خليفة: 1382 عاما والمصالح الشخصية تقّدم على مصلحة الوطن

 

 

احتضنت دار الثقافة دوار هيشر العرض قبل الأول لمسرحية «السقيفة» نص بوكثير دومة وإخراج حافظ خليفة، السقيفة مستوحاة من حادثة سقيفة بني ساعدة، على الرّكح شاهدنا علي ابن أبي طالب (ايمن بن عمر)

والحباب ابن منذر (بشير الصالحي) وعمر ابن الخطاب (حمادي المزي) وابو بكر الصديق (المنجي بن ابراهيم) وسعد ابن عبادة (عبد الرحمان محمود) وابو سفيان (كمال العلاوي)، للمرة الاولى على الركح في مسرح التقى الجمهور بحكمة علي ودهاء ابو سفيان واعتدال الفاروق ورغبة سعد في خلافة النبي، صراع انطلق بعد وفاة الرسول حول الحكم، فرقة انطلقت عام 632 ميلادي ولاتزال آثارها باقية إلى يومنا هذا.السقيفة نصّ جريء وهي «سابقة في المسرح التونسي ستحسب لي ولبوكثير دومة ككاتب ذلك أننا سنعرض لأول مرة في تاريخ المسرح العربي والعالمي شخوص الصحابة الأجلاء على الركح و اعقد أن هذا أصبح ممكنا بعد الفتاوي المؤشرة في مسلسل عمر و ما نراه من تجسيد للأنبياء بالمسلسلات الإيرانية والتي أعتبرت ثورة فنية جديدة دون المس من المقدسات ومن هيبة هذه الشخصيات الجليلة» على حد تعبير المخرج حافظ خليفة.

سقيفة 632 ميلادي وسقيفة 2014 المصالح الذاتية قبل مصلحة الوطن
ينبعث ضوء خافت ينتشر على كامل الركح، ثم يصدر صوت موسيقى حزينة تفتت الاوصال كما الحزن الذي مزق مشاعر الصحابة، يرتفع الصوت تدريجيا ويرتفع معه انين قاتم مرّ مرارة العلقم في الحلوق وفجاة يصرخ احدهم بصوت عال زلزل القاعة «وامحمّداه» لتنطلق الحكاية.

على ركح دار الثقافة دوار هيشر حضر النقاش الحاد الذي احتضنته سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول الأكرم، نقاش وصراخ بين الأنصار والمهاجرين عمن يخلف محمّد، صراع جسد على الركح عبر الموسيقى والضوء الأحمر، نقاش كان رتيبا لمدة عشر دقائق أقلقت الحضور وجعلته يتساءل «كيف سيكون بقية العرض» ولكن الممثلين تداركوا الموقف وقدموا عرضا أمتع الحضور.

على الركح انقسم الممثلون إلى قسم أول يضم عمر ابن الخطاب (حمادي المزي)، وأبو بكر الصديق (المنجي بن ابراهيم) ونور الدين العياري (بشير) وهم المهاجرون وقسم ثان جمع الحباب بن المنذر (بشير الصالحي) وسعد ابن عبادة (عبد الرحمان محمود) وهم انصار محمد، ليقول سعد «المدينة لازمها فارس» ومن هذه الجملة ينطلق النقاش الحاد والصراع عمن يكون الفارس الذي سيخلف محمّد، اهو من الأنصار أم من المهاجرين.

فكل يرى انه الأحق بخلافة النبيّ ويقول عمر قاصدا الأنصار «هم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم» ويضيف «منكم الوزراء ومنا الأمراء» ليجيبه الحباب ابن المنذر: «يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق».

وهكذا تواصل الصراع عام 632 ميلادي حول من يخلف الرسول الأكرم، لتتصاعد الأحداث على الركح في زاوية قصية وقف علي ابن أبي طالب منتصب القامة هائما بنظره إلى الأمام كمن يبحث عن حكمة لإنقاذ البلاد من صراع قد تسقط فيه إن تواصل الخلاف، عليّ صامت مفكر هكذا كان الممثل الشاب أيمن بن عمر الذي صفق له الجمهور طويلا واقنع الحضور بحسن تجسيده لشخصية علي ابن ابي طالب.

وفجأة يدخل ابو سفيان ويقول «ليش تمشي للغريب ليش، أنا خايف عليك، الناس هيهات يلقوا كيفك هيهات، تحب المال، المال موجود، تحب الفرسان الفرسان نجيبوها» ويحاول أبو سفيان بصوت عال إقناع علي بالخلافة صوت خلفته نبرة حنكة سياسية اتضحت معالمها في حادثة التحكيم، حينها يكلمه علي بصوت هادئ رصين «يكفيك ما جرعتنا عذاب ودم، يا سيد قريش يا زوج هند وكالة اكباد الرجال» علاقة ابن ابي طالب بابي سفيان علاقة التقي بالداهية والسياسة تتطلب داهية كابي سفيان.

من 632 ميلادي إلى 2014 ميلادي ومن نقاش حاد بين الأنصار والمهاجرين عمن يخلف محمد إلى نقاش حاد وحملة انتخابية شرسة حول من يفوز بالنصيب الأوفر في البرلمان، صراع اتحدت فيه كل ملامح الدهاء السياسي للنجاح، فصراع المهاجرين والأنصار كصراع النهضة والنداء من سيكون له الحظ الأوفر لحكم تونس وتسيير برلمانها.

بين الأمس واليوم 1382 عاما ميلاديا ولكن الصراع على الكرسي بقي نفسه والطمع في الحكم لا يزال يسكن البشرية، في السقيفة طرح حافظ خليفة سؤالا إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المصالح الشخصية والاقتصادية في تغيير مجرى تأسيس الدولة العميقة المكتملة البنيان، سقيفة حافظ خليفة استعارة لما وقع من تجاذبات بعد وفاة الرسول من اجل الخلافة وكناية عما نعيشه اليوم من تمزق سياسي دونته الأحزاب والمصالح الشخصية أمام الوطن، فكما فكّر المهاجرون والانصار في مصالحهم وقبائلهم بعد وفاة الرسول متناسين الدولة الحديثة التي انطلق محمد في بنائها كذلك الأحزاب التي توافدت للترشح للانتخابات فتصارعت واشتريت الذمم فقط من أجل مصلحة الحزب لا الوطن.

اللعبة السياسية لعبة دهاء وفطنة
تتصاعد أحداث العمل وبالعودة إلى النص التاريخي بعد نقاشات حادة جسدت على الرّكح بين الأنصار والمهاجرين كان أبو سفيان يحاول إقناع علي بقبول الخلافة لأنه يجب أن تعود إلى قريش أولا ولانه قريب النبي ثانيا ومن جهة أخرى يتقرب ابو سفيان الى بشير بن سعد ويحاول إقناعه انه يختاره ليكون الخليفة، في المسرحية تمكن كمال العلاوي من تجسيد الشخصية جيدا فكان ينظر بدهاء ويتكلم بنبرة تخفي خبثا كما كان ابن سفيان داهية سياسية، وبمجرد أن أعلن عن مبايعة ابو بكر الصديق تراجع حضور ابو سفيان قليلا ليظن المتفرج أن دوره انتهى ولكن للعبة

السياسية أبجديات أخرى لأنه ومع انتهاء العمل يكتشف الحضور أن كل اللعبة كانت بين يدي أبو سفيان الذي استغل تجاذب وتمزق الجميع ليحول ضعفهم الى قوة وفي نهاية العمل توضع عشرة سيوف على الركح ويخرج عمر وابو بكر وعلي وسعد والبشير والحباب ابن منذر وكل واحد منهم يمشي لخطوتين ثم يسقط ميتا ليبقى ابو سفيان وحده على الركح رافعا يديه عاليا شامخا بالنصر ، نصر سمته الخبث في التعامل مع الأحداث ليكون للأمويين فيما بعد موعد مع الحكم لسنوات طوال، ما فعله أبو سفيان يفعله بعض الساسة اليوم الذين يعرفون قواعد اللعبة السياسية ويحذقون الدهاء السياسي ليتمكنوا من اقتناص قناعة الشعب.

بعيدا عن الحلال والحرام والمباح والمنكر والشيعة والسنة كان للفن الحضور الأكبر في مسرحية السقيفة عمل فني جريء أبدع فيه الممثلون الذين تقمصوا شخصيات الصحابة، وعبر الركح كانت التحية للفن لأنه وحده القادر على رفع راية الوطن وحيدة لا شريك لها.

 

مفيدة خليل

http://www.lemaghreb.tn/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *