جماعة المسرح المعاصر تقيم مهرجانها الأول في مدينة البصرة

 

 

 

 

اختتمت في مدينة البصرة فعاليات مهرجان جماعة المسرح المعاصر للشباب في دورته الأولى، على قاعة عتبة بن غزوان وسط المدينة. المهرجان الذي شاركت فيه أكثر من ثلاث عشرة مسرحية من مدن بغداد والبصرة وذي قار والديوانية والكوت والمثنى، قدَّم مستويات متفاوتة من العروض، فبعضها كان بسيطاً جداً ولم يقدم شيئاً جديداً، وبعضها كان متميزاً في نصه وإخراجه وتمثيله.

رؤى وأهداف

ربما تكون هذه الفعالية من المهرجانات النادرة التي تقام من دون دعم حكومي، بل حاول رئيس جماعة المسرح المعاصر ورئيس المهرجان الدكتور عبد الكريم عبود أن يحصل على دعم من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وبعض الشركات الداعمة، وفي حديث خاص لصحيفتنا، يقول عبود متحدثاً عن جماعته: «لو قرأنا رؤية وأهداف الجماعة في نظامها الداخلي سنرى أنها راعية لكل فعل إبداعي على مستويات عديدة من الشرائح الاجتماعية، سواء كانوا شباباً أو محترفين، كل هذه المجاميع تشكل هاجساً للعمل من أجل تطوير الفعل والثقافة المسرحية، فلا بد أن تتعدد المهرجانات، عندها ستتعدد وجهات النظر المعرفية والعلمية، ومن خلالها سيتطور الفن المسرحي العراقي». مضيفاً أن الأمر الثاني متمثل بالثقافة الآن، فهي ليست بحاجة لأن تدعم من قبل الدولة أو أي فئة سياسية عامة، لأن هذا الدعم سيجير العمل الإبداعي باتجاه الدعاية لهذه الجهة أو تلك، «نحن نريد أن نشتغل بطريقة حديثة، باعتبارنا منظمة من منظمات المجتمع المدني، التي تساهم مساهمة فاعلة مع الدولة والقطاع الخاص والقطاعات الأخرى من أجل النهوض بالإنسان، وأعتقد أن هذا الدور هو دور حضاري يبني دولة قانون وسلام ومحبة».
وفي سؤالنا عن المختلف الذي سيقدمه هذا المهرجان مقارنة بما سبقه وما سيعقبه من فعاليات مسرحية، يشير عبود إلى أنهم يعملون على جمع الشباب محلياً أولاً، الناحية الثانية تبحث التنوع الأسلوبي في عروض هذا المهرجان، الذي يمثل خاصية جديدة ستساهم في إثراء المشهد المسرحي العراقي بشكل عام، فهناك مسرحيات اشتغلت على الكيروكراف، وأخرى اشتغلت على العرض الشامل، وبعضها قدمت مونودراما وغيرها من التقنيات المسرحية، فثلاث عشرة مسرحية أعتقد أنها ستثري الحالة الفنية والمعرفية في مسرحنا العراقي».
وفي ما إذا كان هذا المهرجان سيبقى للشباب ومحلياً، أكد عبود أن المهرجان القادم لن يخصص للشباب، بل سيكون مهرجاناً دولياً في البصرة.

فعاليات وأعمال

افتتح المهرجان يومه الأول بعمل مسرحي لكلية الفنون الجميلة ببغداد، وهو بحث تخرج لمجموعة من الشباب بعنوان «فاترينا» من تأليف صلاح منسي وإخراج أيمن جمال. وفي حديث خاص مع بطل العمل الفنان علاء قحطان أشار إلى أن هذا العمل يتحدث عن العراق اليوم، أحلام الشباب، ماذا يريدون وما الذي يطمحون له. «فرضية هذا العمل أربع مانيكانات بمحل ملابس نسائية. والذي أراد ان يقوله المخرج أننا تحولنا اليوم كالمانيكانات، يحركوننا كيفما شاؤوا. المسرحية بسيطة بطرحها لكن مدلولاتها كبيرة».
قحطان عرف منذ سنوات قليلة كمخرج شاب قدم عدداً من الأعمال في المهرجانات العراقية والعربية، غير أنه يقدم نفسه في هذا العمل كممثل، عن أسباب ابتعاده عن الإخراج في هذا المهرجان قدّم وجهة نظره: «إنني جزء من مشروع كبير بدأ بعد التغيير، وأننا أمام مسؤولية كبيرة أمام مسرح عراقي مرصع بالذهب، له أسماؤه مثل صلاح القصب وفاضل خليل وسامي عبد الحميد، لهذا يجب أن نكون متكاتفين ولا أبقى مصراً على الإخراج أو البطولة، لهذا مثلت في بعض الأعمال مشهداً واحداً فقط لأنني أحسست بأن هذا سيقدم دعماً للشباب وللفن العراقي، فأنا جزء من المشروع العام، لهذا يجب أن ندعم بعضنا بعضاً لإنتاج ما هو الأفضل والأجمل».
أما عن هذا المهرجان وأهميته، فيعتقد قحطان أن إقامة مهرجان بعيداً عن الدعم الحكومة خطوة جريئة، وأن يقام مهرجان يدعو أكثر من محافظة من خلال بعض الداعمين من مؤسسات المجتمع المدني وبعض الشركات شيء يجعلنا ندعمه ونشارك به، ربما كانت هناك ملاحظات حول هذه الدورة وبعض الإرباك، لكني أعتقد أن العام المقبل سيكون بشكل أفضل وله صدى أوسع.

جمهور يحتفي بعمل

لم يتوقع الجمهور الذي كان بانتظار عمل الكاتب علي عبد النبي الزيدي أن يأتي نص في ظروف كالتي نعيشها يخرق التابوات جميعاً: الدين والجنس والسياسة، في عمل كان مثار إعجاب أغلب الحاضرين، فضلاً عن الجرأة التي حملها العمل. والغريب في الأمر أن مخرج المسرحية وضع تسجيلاً للقرآن الكريم في القاعة لمدة ساعة كاملة قبل العروض، وقبل العرض بثوانٍ وزع الممثلون (واقيا ذكريا) وهو ما أثار أسئلة عدّة لدى الجمهور عما سيقدم في هذه المسرحية.
لكن المفاجأة كانت تتوالى في هذا العرض الذي كان صريحاً في محاكاة الواقع العراقي وما يمر به المواطن من جرَّاء الإرهاب والمشاكل السياسية ومشاكل رجال الدين بكل طوائفهم ومذاهبهم. كاتب مسرحية «تحوير» يتحدث لصحيفتنا مجيباً عن سؤالنا عن الكيفية التي تمكن فيها من خلال كل هذه التابوات في عمل تقبله الجمهور، على الرغم من المحذورات التي اشتغل عليها، قائلاً «أعتقد أن نصوص ما بعد الجحيم الذي يعيشه العراق يجب أن تنظر لمشكلات الواقع من وجهات نظر جديدة تماماً، فالمتلقي العراقي عاش المحنة بكل تفاصيلها، يعيشها يومياً من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام واليوتيوب والفيسبوك، فكيف لك أن تؤثر بهذا المتلقي الذي يعيش كل هذه التفاصيل، إذن عليك أن تأتي بوجهات نظر ورؤى وتصورات جديدة لم يألفها هذا المتلقي، ونعلم جيداً أنه عاش لفترات طويلة وسط ثوابت أرغمته على أن يتحول إلى صنم للتلقي، ويعتقد أن المسرح العراقي بقي ضمن إطار فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لهذا علينا أن نكسر هذه الثوابت بوجهات نظر جديدة».
أما عن تقنيات النص المسرحي، فيبين الزيدي أن النص يحاول أن يقرأ معاناة وطن كبيرة من خلال مواطن عراقي بسيط. «أنا أنظر للوطن الذي ثلم تماماً فوضعوا له أفكاراً جديدة وتطرفاً غير متوازن. نحن الآن نعيش محنة التكفير الذي تحول إلى أنهار من الدم، الوطن الآن ثلم بشكل كبير ووضع له عضو فكري آخر، يحاول أن يأتي بأشياء لم يألفها العراق بعد. وطن متوازن إلى حدٍّ كبير، هذه هي الثيمة الرئيسة التي انطلقت من مواطن عراقي بسيط استلب عضوه التناسلي بانفجار إرهابي، وفي صالة العمليات يضع له الدكتور عضواً آخر ليس عضوه، نكتشف فيها بعد أنه عضو الإرهابي الذي فجر نفسه. والحقيقة أن العراق يعيش هذه المفارقات بشكل يومي».
كما تحدث الزيدي عن المهرجان خصوصيته، مشيراً إلى أن توجه المهرجان كان واضحاً من خلال عنوانه، فهو يحاول أن يقرأ وعي وأفكار الشباب ما بعد 2003، وربما ما بعد الأحداث الأخيرة التي مرت على العراق، يحاول أن يقرأ أفكار الشاب وكيف يفكر، كمخرج وكاتب وممثل، كيف يمكن له أن يقرأ الواقع العراقي، وأعتقد أن هذا توجه صحيح إلى حدٍّ كبير. من خلال هؤلاء الشباب من المحتمل أن نخرج بتصورات مهمة، خاصة أن موضوعاتهم التي طرحوها في هذا المهرجان يحاولون أن يقرؤوا الواقع العراقي قراءة فيها الكثير من الألم والأمل والوجع أيضاً».

آراء

الفنان المسرحي المعروف غالب العميدي يتحدث عن هذا المهرجان وطبيعته، قائلاً إنه علينا أولاً أن نفصل ما بين الشباب كفئة عمرية ومسرح الشباب الذي يحاكي قضايا وهموم الشباب، هذا المهرجان هو مسرح شباب، يتحدث عن مواهب وطاقات الشباب.
مضيفاً المهم في هذا المهرجان هو أن تقوم جماعة مسرحية غير مدعومة من أي جهة رسمية باقامة مهرجان في ظروف صعبة كالتي نمر بها، ونتمنى من الجهات الرسمية أن تلتفت لفن المسرح الذي هو مدرسة من الممكن أن تعمل على تغيير المجتمع، وتسهم في بناء الإنسان.
وفي رأيه عن عروض المهرجان، أفاد العميدي بأنها في أغلبها معروضة سابقاً، كما ان هناك تبايناً بين تجارب الشباب، فهناك وجهات نظر وقراءات مختلفة، لكن هناك تباينا واضحا بين عرض هابط جداً وعرض متميز.
وفي ما إذا كانت هناك أزمة؛ كما يقول البعض، في المسرح العراقي، أكد العميدي أنه لا توجد لا أزمة نص ولا إخراج ولا تمثيل، لكن الأزمة في الدعم المادي والبنى التحتية، «هذه القاعة التي تقام عليها العروض (عتبة بن نافع) سبق أن مثلت عليها عام 1980 تراجعت إلى الوراء، فلا توجد إضاءة جيدة، ولا مكسر صوت. صحيح أن الدولة تقول لك اعمل ما تشاء، لكنها لا تمد يد العون لكي ننهض بواقعنا الثقافي».

جوائز

في اليوم الأخير للمهرجان الذي استمر على مدى خمسة أيام وعرضت أعماله في أماكن مختلفة من مدينة البصرة، أعلنت لجنة التحكيم عن أسماء المسرحيات التي حصلت على الجوائز، فحصلت مسرحية «مسار» من محافظة بغداد على أفضل عمل متكامل، وهي من إعداد وإخراج علاء كريم، وسينوغرافيا علي محمود السوداني. في حين حصل المخرج مصطفى الركابي من محافظة ذي قار على جائزة أفضل إخراج عن مسرحيته «تحوير»، وهي من تأليف علي عبد النبي الزيدي. أما أفضل سينوغرافيا، فقد كان مناصفة بين صفاء الناشي من مدينة الديوانية عن مسرحيته «ثامن أيام الأسبوع»، وأحمد عبد الواحد من مدينة البصرة عن مسرحيته «الصرخة». كما حصلت مسرحية «الضفة الأخرى» من بابل على أفضل نص مسرحي، وهي من تأليف وإخراج مهند ناهض الخياط. جائزة أفضل ممثل كانت من حصة الفنان حسين درويش من بابل عن مسرحية «دعوة للحب»، وأفضل ممثلة كانت لشروق الحسن من بغداد عن مسرحية «مسار». وكانت جائزة أفضل مؤثرات صوتية مناصفة بين مسرحيتي «ثامن أيام الأسبوع» من الديوانية و»شيزوفرينا» من كربلاء، وحصلت الفنانة سهيلة علوش على جائزة أفضل ممثلة واعدة، وحصل الفنان سلام الفرطوسي على جائزة أفضل ممثل واعد، بينما حصل الفنان علي السوداني على جائزة لجنة التحكيم كأفضل فنان تقني.

صفاء ذياب

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *