«المسرح في الجزائر يحتاج إلى فضاء مفتوح يكون فيه حرا»

 

 

 

قال المخرج الجزائري هارون الكيلاني، إن المسرح في الجزائر  لا يحتاج إلى فضاءات وأماكن، وإنما إلى فضاء مفتوح يكون فيه حرا، كما كشف في حديثه مع «المحور اليومي» عن  عضويته في لجنة الهيأة العربية، من أجل انتقاء العرض الذي سيمثل الجزائر في مهرجان  صور للمسرح العربي، الذي ستحتضنه لبنان شهر أكتوبر الجاري.

 

أحب الإنسانية، يصبو ليصبح مادة كيميائية تتفاعل فيزيائيا في خلايا سينوغرافيا الأمكنة والأزمنة الموازية لحاضرنا، تعلم الفن على مسطرة لا تحمل أرقاما يؤمن بصوفية جده وأبيه وتحولات كافكا ومطارق آرتو وسكاكين أربال، يجتر حروف أمه المكسرة ويغامر ليحصي أسماء الله الحسنى، هو الممثل والمخرج هارون الكيلاني رائد المسرح القادم من الجنوب، تحدث مطولا عن السينوغرافيا، الذي يرى أنه لابد من تفعيلها عبر الاحتكاك الذي قد يخلقه المسؤول الأول على رأس المسرح الوطني، من خلال جلب مختلف المختصين في عالم السينوغرافيا، ويروي بها عطش المسرح الجزائري.

تعتبر السينوغرافيا عامل مهم في إنجاح أي عرض مسرحي يستند إلى رؤية إخراجية واضحة وعالية تكمل العمل الركحي، ما رأيك ؟

عالم السينوغرافيا والإخراج هما عالمان ينتميان إلى نفس الفضاء، ونفس الحلم ونفس المخيال، إلا أن الإخراج يتفوق على السينوغرافيا، من جانب أن المخرج هو الذي يحمل الفكرة، وهو الذي يحاول أن يرسمها في الخيال ليجسدها وينحتها على فضاء المسرح رفقة الممثلين والموسيقى والإنارة وغيرها، السينوغراف يبقى مربوط بالمخرج من جانب أنه لابد أن يتفق معه، على عكس ما هو شائع أن السينوغراف لا يتفق مع المخرج لأسباب، منها أنه يود أن يثبت نفسه في هذه الساحة، على أساس أنه سيد الفضاء والمخرج أنه سيد الفكرة، لكن أنا أرى أنه ما بين الإثنين يوجد عملية تجاذب، أي أن المخرج له العالم وهو صاحب الفكرة وهو الذي يجب أن يقود هذه السفينة، والسيوغرافيا تبقى العالم الذي يؤثث لهذه الفكرة، وإن تحدثت عن هذا التأثيث سأضغط على هذا المصطلح وأقول أن الكثير من السينوغرافيين في الجزائر هم سينوغرافيو تأثيث فقط، لا يخرج المصطلح من عالمه السطحي، العالم السينوغرافي لدى الكثيرين عدا ثلة منهم هو عالم سطحين همهم الوحيد تأثيث الواجهة لهذه المسرحية دون التعمق فيها، وأنا متأكد أن السينوغرافي الذي يتمتع بحقيبة ثقيلة من التجارب والمعارف هو الوحيد الذي بإستطاعته الأخذ والرد مع مخرج كبير، الذي بدوره يبعث على نجاح العرض، ففي بعض الأحيان الجمهور الجزائري يحتاج إلى الإبهار، لهذا المسرح بحاجة إلى سينوغرافي يحسن النحت والحفر في الفضاء الركحي وليس تأثيثا وفقط، لهذا أطلب من الأصدقاء السينوغرافيين التعمق أكثر في فهم هذا الفضاء أكثر، لأن كلمة سينوغراف هي كلمة جديدة في عالم المسرح الجزائري، لأنه كان يستعمل كلمة «ديكور» وكثير من الأعمال المسرحية تطرقت لهذه النقطة.

في بعض الأحيان يتقاطع رأي المخرج مع فكرة السينوغرافي، كيف يمكن أن يرسيان على فكرة واحدة؟

أفضل المخرج السينوغرافي أن يكون شخص واحد هو الذي يتكفل بهذه العملية، أما السينوغراف كفرد واحد، هو كافي وموجود وصاحب مهنة معروفة عالميا، لهذا لا يمكن لأي أحد أن يدخل إلى عالم الإخراج إلا المخرج لأنه هو فقط صاحب المكان.

لكن، ألا ترى أحيانا أنه يمكن أن يحدد السينوغرافي إطار عمل المخرج، ويصبح حينها مقيدا لتجسيد فكرته الإخراجية؟

هي تأتي من تحليل وتفكيك ومناقشة العرض بحد ذاته، أي بداية من النص، طاقم العمل من ممثلين وتقنيين وحتى المكان بحد ذاته سيفرض عليك سينوغرافيا، فنحن في الكثير من المسارح الجزائرية ليست مجهزة بإمكانات تسمح بتقديم عرض متكامل، إلا أنه في وسط كل هذا لابد من عدم إغفال النقاش، الذي يوصل إلى نقطة التفاهم ما بين المخرج والسينوغرافي، على إعتباره أساس نجاح أي عمل، ويحضرني تعبير أحد أصدقائي المخرجين، الغربي خالد الذي كان يقول دائما «أنا أعتبر المخرج أم الممثلين والسينوغرافي هو الأب الذي يغيب دائما، إلا أنه حينما ياتي يقدم الكثير».

نحن نحتضن مهرجانات دولية، كالمهرجان الدولي للمسرح الذي تحتضنه مدينة بجاية سنويا، إلى أيّ مدى نغطي متطلبات المشاركين، خاصة وأننا لازلنا بعيدين عن إدخال التكنولوجيا في العمل الركحي؟

نحن إن لم نستند على كل القدرات والطاقات الموجودة في العلبة الإيطالية التي لم نستعمل بعد كل جوانبها، إلا أننا في نفس الوقت نحتاج إلى فضاءات أخرى، فنحن على رأس إفريقيا التي تحتضن مثل هذه الفضاءات الكبيرة والخالية، الذي يوحي إلى إمكانية صنع الكثير خارج هذا الإطار، إلا أنه في نفس الوقت تصر الدولة على بناء مسارح في العديد من المدن، في حين حاجتنا أكثر للفضاءات المفتوحة على أساس أن الفضاء الركحي يحتاج إلى الحرية إلى رؤى أخرى، مثله مثل المتلقي الذي يحتاج إلى أماكن أخرى.

بما أنك ابن االبيئة، كيف ترى واقع السينوغرافيا في الجزائر في ظل التطور الذي تشهده الساحة الإبداعية في مجال الفن الرابع عبر مختلف دول العالم؟

للأسف الشديد عدد السينوغرافيين في الجزائر يعدون على الأصابع، منهم من فرض إسمه ولازال يشتغل، ومنهم من لمع وإنطفأ في نفس الوقت، لكن في الكثير من الأحيان تبقى حاجاتنا أكثر لسينوغرافيين الذي يأتي فقط بعزيمة كبيرة، فيمكن على سبيل المثال أن يستقبل مدير المسرح الوطني الجزائري من مختلف دول العالم حتى يخلق ذلك الإحتكاك الذي قد يثمر تجربة تساهم في دفع عجلة السينوغرافيا إلى الأمام، وينفتح بذلك على سبل أخرى تروي عطش المسرح الجزائري، لأن البقاء في دائرة واحدة لن يضفي عليه شيئا، فنحن نمتلك السينوغرافي زعبوبي عبد الرحمان الذي نجده مكرر في الكثير من المسرحيات.

كيف كان العمل مع الأستاذ جواد الأسدي الذي كان يشرف على ورشة التكوين التي نظمها المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته التاسعة؟

حضوري في المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته التاسعة تمثل في العمل كمساعد للمخرج جواد الأسدي في ورشة خاصة بالإخراج، وفي نفس الوقت كنا نركز على المخرج والممثل، فجواد هو مسيرة من العمل حقيبة مثقلة بالتجارب والهجرة والشوق إلى العائلة، فهو جانب أكاديمي، وكإنسان كان دائم الفضفضة عن أسراره، تعبه من الحرب في العراق تنقله من مدينة إلى أخرى فكل هذا ساهم في توسيع معارفنا في مجال المسرح، إلا أنني لا أخفي أن الجانب الإنساني يبقى مهم جدا في حياة أي مخرج، فقد كنا أسرة جميلة هناك من بكى المسرح وهناك من كفر به، لهذا أتمنى أن تتطور الورشات فيما بعد أو خلال المهرجان.

بما أنك شاركت في عديد المحافل العربية، إلى أين وصل المسرح العربي؟

يمكن أن أقول هو صاحب منعرجات خطيرة، لا تدري ما ذا يمكن أن تخبئ لك في الكثير من الأحيان، كان صاحب دهشة وفي غيرها كان في لحظة يأس، فقد أدهشني يوما عرض لشاب مصري لم يتجاوز 24 سنة من عمره خلال عرضه لمسرحية «الأفاعي»، الذي قارب فيها بين «الثّأر» عند هاملت لشكسبير والثأر على الصعيد المصري، حيث أنه إشتغل بشكل رهيب وإستمتعت كثيرا لما قدمه، وعليه أقول أن المسرح العربي صاحب هزات لكن ليست مستمرة، ولابد أن يدعم من طرف السلطة الحاكمة الذي له قرار واعي بأن يدعم المسرح ولو بدولار واحد لكل واحد يدخل أي دولة عربية.

هل يمكن أن تحدثنا عن مشاركتك في مهرجان صور بلبنان؟

أخترت كعضو لجنة التحكيم التي مهمتها أن تختار تضع بين أيدي الهيأة العربية للمسرح العرب الأكثر حقا في تمثيل الجزائر في هذه الدورة، لهذا قمت بمشاهدة كل العروض رفقة الأصدقاء، أين إلتقينا لنجتمع على كلمة واحدة ،لكي نسري تقاريرنا للهيأة مع محاولتنا الضغط عليها من أجل إستقبال العرض الذي سيمثلنا، لأن الجزائر تعبت كثيرا مع إحترامي للأسماء التي إنتقلت للمهرجان الهيأة العربية للمسرح، ولكننالم تستطع إفتكاك أي جائزة، والمسرح الجزائري قوي جدا، فمثلا صونيا إشتغلت بدورة أو دورتان في المهرجان من خلال عروضها، لكن يبقى للجزائر حقها في إفتكاك الجائزة، وأملي كبير في أن يكون الحظ لها هذه المرة.

متى ستكون هذه الدورة؟

ستكون شهر أكتوبر الجاري.

هل ستسجل حضورك خلال المهرجان؟

لا أظن لأنني سأكون لصيق بصديقي جواد الأسدي الموجود في الفترة المقبلة في الجزائر.

ما هي مشاريع الممثل والمخرج المسرحي هارون الكيلاني؟

إنتهيت مؤخرا من كتابة نص»شمس تركض لكي تتذكر» وهذا النص هو مستقبلي، وطلب مني الصديق ربيع قشي على أن يشتغل على فكرة النص الذي سبق وأن إشتغل ّأيضا في نص «القرص الأصفر» رفقة فتحي كافي، وأنا سعيد بهذه التجربة وفي نفس الوقت ستكون هناك طريقة جديدة في المعالجة، حيث ستكون أكثر إستفزازا للجمهور وأكثر إستعراضية جادة، وسأشتغل فيها على وجه جديد لمسرح جديد.

نوال الهواري

http://elmihwar.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *