المخرج الشاب بشير الأشقر ومسرحية “الست ماري روز” المُثيرة للجدل: تلامذة المدارس “إجوا بالأوتوكارات” وطلاب الجامعات “ما شفنا وجوههم الحلوة”!

 

 

 

“قصّة إمرأة قامت بأعمال إجتماعيّة كتأسيس مدرسة للصم والبكم، وبنضال على صعيد تحرير المرأة. جاءت الحرب ولفّت ماري روز بإعصار دموي. إجتاحت مدرستها ميليشيا من الجهة الأخرى…الجهّة التي وُلدت فيها ومن ثم رحلت عنها. تُختطف وتجرى لها مُحاكمة تنتهي بإتهامها بالخيانة. قُضاة ماري روز، عند مُحاكمتها، يُصبحون هم المُتهمين لتنكشف عندهم الذهنيّة العشائريّة والقبليّة والطائفيّة”. مُلخّص صغير كُتب في الكرّاس الذي يُسلّط الضوء على مسرحية “الست ماري روز” التي عُرضت أخيراً في الجامعة اللبنانية الأميركية(بيروت) وقبلها على خشبة مسرح بابل.

المُخرج الشاب بشير الأشقر(30 سنة)، يرى ان إختيار هذه القصّة التي أعاد إقتباسها للمسرح مُنطلقاً من كتاب للكبيرة إيتل عدنان، لم يأتِ من طريق المُصادفة، ولم يقم بإختياره، على قوله، لقيمته الأدبيّة فحسب. “نجل ماري روز في الحياة كان في الـ11 من عمره لدى وفاة والدته. وكنتُ في العمر عينه عندما توفيت والدتي. أمس في العرض الأخير للمسرحية إكتشفت لماذا إخترت هذا النص الذي حاول قبلي 4 مُخرجين أن يُعالجوه ولكنهم إستسلموا. العمل عليه تطلّب الكثير من الجهد والكثير من الإرهاق. بعض من أصدقاء إيتل عدنان حضروا العرض الأخير وكتير حبّوا. كما ان عدنان نفسها فرحت لأن النص عولج بأسلوب جيد”.
كانت مسألة بديهيّة أن يُخرج النص الأصلي، على قوله، من إطاره لتتم مُعالجته بما يتوافق وزمننا الحديث. النص، “كُتِب في سبعينات القرن الماضي، وكان لا بد للإقتباس من أن يعكس ما يحدث اليوم. حقّي الأول كمُخرج مسرحي أن أقتبس النص فأعالج الحدث ضمن الإطار الذي أعتبره مُناسباً لزمننا فلا يبقى مُرتبطاً بواقعه القديم. هذا حق أمتلكه. أردت من خلال إقتباسي للنص أن أُسلّط الضوء على حقوق المرأة وأن نتحدث عن سيدة قُتلت”.
قبل بضعة أيام كان العرض الأخير لهذه المسرحية-الحدث، “وكانت ليلة مُميزة جداً. نجل الست ماري روز وهو رجل أعمال ناجح جداً كان معنا في الحضور”. والمُفارقة بين العرض الأول في مسرح بابل منذ أشهر قليلة والعرض الأخير من أيام معدودة، ان بشير دَخل “المسرح في العرض الأول مش عارف شو راح يكون الرأي العام وكان القلق سيد الموقف. وفي العرض الأخير كنتُ على يقين من أن الجمهور لن ينزعج ممّا سيُشاهده ما جعلني أشعر بالإطمئنان والفرح”.
وكان الشاب قد إختار مُعالجة هذا النص تحديداً مُنطلقاً من إيمانه من أن “الرواية من أجمل ما كُتِب برأيي الخاص، وفي الوقت عينه فإن النص شديد الصعوبة، وزمنياً هو من النصوص المُتحرّكة، ولا يسير في سياق مُستقيم، كما ان أسلوب الكتابة شاعري وفيه العديد من الصور الجميلة. وهذه الصور الموجودة داخل الكتاب ولكن-ما بتظبط- حتى يقولها المُمثل على الخشبة”. فإذا به والمُساعدون الـ4 الذين عملوا إلى جانبه، يقيمون مُخيماً كتابيّاً، “وإنتقلنا إلى قرية راس المتن ووضعنا الرواية أمامنا طوال 4 أيام وتحمّل كل واحد مسؤولية بضع صفحات لتحويل النص من الفصحى الى اللغة المحكيّة. وهذه من أصعب المُهمّات على إعتبار انه كان من المهم الا يكون النص في حلّته الأخيرة ثقيلاً مثل العديد من المسلسلات التي نُشاهدها على التلفزيون والتي ترتكز على إختيار خاطئ للكلمات”.
وكان فريق العمل الصغير هذا يضع الصفحات التي أعيدت صياغتها “على الطاولة، ويقرأ أحدنا الصفحة تليها أخرى، وإذا ما شعرنا بأنها ثقيلة نوعاً ما كنا نتدخّل جميعنا لنُعدّلها”. إلى أن أتفق الفريق على نصّ، “بيقطع. وكان بعدها دوري كمخرج، فإذا بي أتعامل مع النص في إطلالته الأخيرة وكأنه نصّ سينمائي. أتيت به وطبعته على أوراق ملوّنة، بعدما أعطيت لكل شخصيّة لونها، وبواسطة المقصّ والشريط اللاصق ركّبت العمل بما يليق به لتكون المشاهد مُتتالية فأحصل على مسرحية تستمر ساعة من الوقت”.
كان الشغف العنوان العريض الذي إستراحت عليه “مشاهد الكواليس”، صحيح ان الخوف لاحق المُخرج الشاب في كل مراحل العمل، “ولكن كنت أعمل مع فريق عمل إعتدت الإحتكاك به، إذ إننا جميعنا ننتمي إلى جمعية AFPA(Agonistics For Performance ARTS)، التي يترأسها المُخرج ناجي صوراتي. وعنه يقول بشير، “ناجي هو المُعلّم. He Is A Master Of Theatre، وليس أستاذاً جامعياً فحسب. هو الأستاذ الذي أسّس مدرسة في المسرح والأكيد ان التاريخ سينصفه لأنه علّم جيلاً طوال 10 أعوام. ومعه تعلّمنا مبادئ إنسانيّة، وأعني بذلك كيفيّة التعامل مع الناس. ورافقني صوراتي في كل مراحل العمل من خلال دعمه المتواصل. وكنا قد قرّرنا سلفاً اننا في هذه المسرحية لن تكون علاقتنا مُرتكزة على الأستاذ والتلميذ”.
بعد إختيار النص والعمل عليه، أتى دور الكاستنغ الذي أراده بشير أن يكون “موسّع كتير. حصلنا على أكثر من 100 طلب وزرنا الجامعات إلى أن وصلنا إلى 9 مُمثلين صمدوا معنا. وعندما إكتمل الفريق لم يبدأوا العمل على النص مُباشرةً، “وإستراحت التقنيّة التي توسلناها على المزج بين المسرح الواقعي(الذي أعتبره مات وولّى زمنه)والمسرح التجريبي. ومن هنا رؤية الأمور من زوايا مُختلفة، غير واقعيّة. وفي المسرحية وضعنا قصّة مفهومة في إطلالتها ولكنها تطل داخل إطار عبثي”.
تضمّنت التمارين على قوله، “الكثير من الإرتجال والتمارين الجسديّة. وكانت تتخلّل التمارين نصف ساعة نُخصّصها للرياضة الجديّة كي يُنمّي المُمثل عضلاته ليتمكّن من القيام بالحركات الصعبة التي يفرضها العمل على المسرح. يعني في حبال، في عربشة، في حركة”. ويرى المخرج الشاب ان “جسد الممثل هو عدّة العمل الخاصة به. كما ان الإنضباط كان سيّد الموقف. وأعني بذلك انه كان من غير المسموح ان يدخل المُمثل غرفة التمارين قبل أن يُطفئ هاتفه الخليوي، كما انه كان من غير المسموح أن يصل الممثل متأخراً على التمارين، وتندرج كل هذه التفاصيل المحوريّة كون الممثل يحتاج في مسرح كهذا إلى تركيزه الكامل على إعتبار ان بعض المشاهد خطرة وتتطلّب حركات جسديّة لا يُستهان بها”.
عائلة بشير الأشقر شعرت بكثير من الفخر عندما شاهدت العمل، “نحن 5 أخوة وفقدنا أهلنا باكراً-فكتير منلفّ على بعضنا- مسألة جميلة أن تدعمك العائلة”. ويذكر بشير حادثة في طفولته ربما أنبأت بأنه سيختار مجال الفن، وفي أحد الأيام، “كنت ألعب مع أحد الأصدقاء فإذا بنا نُقرّر أن نقوم بفيلم للرسوم المُتحرّكة، ورحنا نرسم الأشكال على الورق ونُمرّرها أمام شاشة الـVHS. ولكننا كنا نجد ان الفيديو في حلّته الأخيرة ثابت لا يتحرّك وفيه خشّة. هذا كان الفشل الأول في حياتي الفنيّة”.
وقبل الإنتقال إلى مشروعه الجديد، “أريد أن أفيد قدر المُستطاع من المسرحية ليُشاهدها أكبر عدد من الناس. كما أريد أن أعمل على سيناريو لفيلم. ولكن أكثر ما أسعدني ان أكثر من 6 مدارس من بيروت أتت بتلامذتها في –الأوتوكارات- لمُشاهدة المسرحية. ودَفع الطلاب ثمن البطاقات وكم كانت مسألة جميلة أن نُشاهدهم وهم يدفعون المال متوسلين الألف ليرة تليها أخرى، وهذا الجيل يعد بأن مُستقبل المسرح سيكون كبيراً جداً. ولكن المسألة مُختلفة في ما يتعلّق بطلاب الجامعات- يللي شفنا القليل من وجوههم الحلوة”.

 

 

هنادي الديري

http://newspaper.annahar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *