كتاب ومخرجون: إلغاء المسرح المدرسي خسارة للإبداع الفني

 

 

 

أصبح واقع المسرح المدرسي ملبداً بالغيوم، منذ أن تم إلغاؤه بشكل رسمي، ليتم إغلاق الرافد الأساسي الذي كان يمد المسرح بفنانين موهوبين تم صقلهم بكافة الأدوات الفنية ليخرجوا مهيئين لممارسة دورهم على خشبة المسرح؛ مما ألقى بالمسؤولية على كاهل المخرج المسرحي الذي وجد نفسه في حاجة إلى تعويض دور المدرسة ليحصد جيلاً غير قادر على مواصل مسيرته الفنية، فبالرغم من امتلاكه الموهبة، إلا أن افتقاده كثيراً من القواعد الأساسية يستلزم رعايتهم في المراحل المبكرة حسب ما ذكر كتَّاب ومخرجون مسرحيون، حيث أكدوا أن عودة المسرح المدرسي باتت أمراً ملحاً لإنعاش المجال المسرحي وصقل تلك المواهب التي تبحث عن من يتبناها.

الشرق ناقشت واقع المسرح المدرسي والحلول المقترحة لعودة هذا النشاط المُغيب إلى المدارس مع عدد من الفنانين والكتاب والمخرجين المسرحيين، حيث أكدوا على ضرورة اعادة النشاط المسرحي الي المدارس وعدم ترك هذا النشاط اختيارياً للمدارس التي يغيب عن بعضها أهمية هذا الفن في تغيير سلوكيات الطالب وبناء شخصيته وتشجيعه على مواجهة الجمهور، بالإضافة إلى دور “مسرحة المناهج” المُهمش في إضفاء جاذبية على تدريس المناهج بشكل ممتع، منتقدين عدم إدراك أهمية المسرح، ما أدى إلى إهماله في معظم المدارس وعدم إقامة مهرجانات شبابية ترعى المواهب.

المسرح

في البداية، يشير الأستاذ خالد إبراهيم، الكاتب المسرحي ومدرس الدراما بمدرسة أبي عبيدة الإعدادية المستقلة للبنين، إلى أن التربية المسرحية لها تأثير إيجابي، حيث يسهم المسرح في تغيير سلوكيات الطالب للأفضل وتشكيل وجدانه وبناء شخصيته، كما يُكسبهم العديد من المهارات التي تؤثر في حياتهم كالقدرة على الإقناع ومواجهة الجمهور والشجاعة الأدبية والعمل الجماعي التعاوني، ويتابع: على المستوى التعليمي فإن “مسرحة المناهج” هي إحدى الوسائل التعليمية التي تساعد على التخفيف من جفاف المناهج الدراسية، خاصة في المجال العلمي، مما يتطلب تعاونا مشتركا بين معلم المادة ومسؤول النشاط الذي يتوجب أن يكون متخصصاً في المسرح، وعن واقع المسرحي المدرسي يقول الأستاذ خالد إنه لا توجد جهات أو مؤسسات مجتمعية ترعى المسرح المدرسي بصورة كافية؛ لأن المسرح يحتاج أزياء وديكورات وصوتيات وإضاءة، وتلك التكاليف التي تحتاج إلى ميزانية خاصة، وأشار إلى نجاح تجربة فريق المسرح بمدرسة أبي عبيدة في تقديم عدة مسرحيات أطفال، بالتعاون مع بعض المؤسسات كمسرحية “صحتك أمانة” بمسرح المجلس الأعلى للصحة، ومسرحية “الكنز القطري” بمركز التأهيل الاجتماعي – العوين، ومسرحيتي “قطر بين الماضي والحاضر” و”أنا النهام” بالمركز الثقافي، ويقترح الأستاذ خالد: أن يتم تفعيل وظيفة أخصائي للتربية المسرحية في المجلس الأعلى للتعليم، بالإضافة إلى إجراء المسابقات المسرحية الدورية في مجالات المسرح المختلفة مثل مسرح المناهج، والإلقاء الشعري والخطابة ومسرح العرائس الذي يناسب المرحلة التمهيدية ووجود أخصائي تربية مسرحية يتم تفريغه لوظيفته دون إشغاله بأنشطة أخرى.

أهمية المسرح

ويتحدث السيد فهد الباكر عن أن إلغاء المسرح المدرسي بعد 27 عاما شيء محزن، حيث كان بمثابة النواة للمسرح والعامل الأقوى الذي يواصل به الفنان طريقه بفضل قوة أدواته الفنية التي أكسبها له المسرح المدرسي الذي يُؤسسه بالشكل الصحيح، فيُثقل موهبته ويُعوده على الجرأة والتحدث بطلاقة ومعرفة ماهية الخشبة المسرحية، في المقابل يشير إلى فناني الجيل الحالي الذين أصبحوا يفتقرون لأدواتهم مما يسارع بانسحابهم من المشهد أمام عظماء الأجيال السابقة بسبب عدم إدراكهم لكثير من أسرار التعامل مع خشبة المسرح، ويقول الباكر: أصبح المخرجون يعانون مع الممثلين الذين لم يتدربوا على أن الكاريزما التي تطلبها المهنة، ما يصعب عليهم أن يكونوا ممثلين حقيقيين، ويرى المخرج المسرحي أنه يجب إيجاد بدائل لاستمرار الحركة المسرحية في قطر، مشيرا إلى أن هذا الشأن بات في حاجة إلى قرار واضح من المجلس الأعلى للتعليم لإيجاد مخرجين أكفاء من داخل أو خارج البلاد لديهم أدواتهم، لافتاً إلى بعض العروض المهلهلة على المسارح في المناسبات المختلفة، والتي تنجم في رأيه عن عدم إدراك أهمية النشاط المسرحي في جميع مدارس البنين والبنات.

وفي إشارة إلى دور المسرح في المناهج الدراسية، يعرب الباكر أنه إحدى صور تسهيل عملية التعليم على الطلاب التي يسعى المعلمون حاليا لجعل التدريس أكثر جاذبية، خاصة بما يميزه من صوت وصورة تزيد دافعية الطالب للتعليم، مؤكدا أن المعلم لا يستطيع القيام بهذه المهمة دون مشاركة مخرج ملم بمتطلبات الإخراج الحقيقي. وفيما يتعلق بالتحديات الأخرى التي تواجهها مهنة المدرس المسرحي، يوضح السيد فهد أن هناك بعض المعلمين يقفون عائقا ضد نجاح مهمته، ويشير طبقا لتجربته أنه لامس هذه المعاناة التي تمحورت حول عدم تخصيص حصص دراسية لهذا النشاط ويتم الاكتفاء بدقائق معدود في فترة “الفسحة” المدرسية، متسائلا عن أسباب تهميش النشاط المسرحي، وعدم اعتماد مدرسين له في جميع المدارس.

تأثيره على الأبناء

وعن الدور الإيجابي الذي يلعبه المسرح في حياة الطالب، يقول المهندس عبدالصمد العمادي، ولي أمر الطالب سلطان الذي تميز في مجال المسرح: إن المسرح شارك في تنمية شخصية ابني وصقل موهبته الأدبية، بالإضافة إلى المهارات التي اكتسبها في التواصل مع الآخرين، وحسن اختيار الأصدقاء، مضيفا أنه من حق كل طالب أن يكون له الفرصة ليواصل مسيرته الفنية وينمي موهبته من خلال المدرسة التي تقع المسؤولية على عاتقها، ويشيد العمادي بسعي الدولة لدعم المواهب.

تشجيع المسرح

أما السيد أحمد المفتاح، فله وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن المدرسين والمشرفين بالمدارس متحمسون للعمل المدرسي ويحاولون تقديم أعمال تقترب من الاحترافية، مطالبا بضرورة الاهتمام بالورش المسرحية وتكثيف الأعمال الفنية، ومشيراً إلى دافعية الطلبة لمثل هذه الأعمال، ويضيف المفتاح أن المسرح المدرسي كان محطة تفريغ لعدد من الفنانين وانقطع الآن رافد الحركة المسرحية من الطلبة والطالبات، ويتابع المفتاح: المهرجانات الشبابية مصدر تشجيع مهم للطلاب وأتمنى من المدارس المستقلة والخاصة الاهتمام بهذا المجال وتفعيل “مسرحة المناهج” التي تخدم هدفين في آن واحد، حيث إنها فرصة ليمارس الطالب هوايته في التمثيل والكتابة والإخراج المسرحي، وأيضا تتيح له الاستمتاع بدراسة المناهج الدراسية في شكل مسرحية جذابة.

انهيار النشاط

بدوره يرى الدكتور حسن رشيد، الكاتب والناقد المسرحي أن إلغاء المسرح المدرسي كان بمثابة إغلاق للرافد الحقيقي للمسرح في قطر، ومشيرا إلى أن الجيل المسرحي الذي قدم أفضل الفنون المسرحية هو نتاج المسرح المدرسي الذي تسبب إلغاؤه في صدمة أدت إلى تفكيك روابط مجموعة كبيرة من الأجيال المتعاقبة لخلق نشاط مسرحي، ويؤكد الدكتور حسن أنه لم يعد هناك إطار رسمي تابع للمجلس الأعلى للتعليم، فلا يوجد مؤسسة حكومية ترعى المسرح المدرسي، ويطالب رشيد بوجود مؤسسة حكومية تشرف على عودة المسرح المدرسي لعصره الذي كان فيه الرافد الأساسي لفن المسرح، ويقول: أرسلت رسالة إلى المجلس الأعلى للتعليم أطالب فيها بإيجاد شكل رسمي للمسرح المدرسي، ولكن لم أتلقَ ردا حتى الآن، وأوضح الدكتور حسن أن العروض المسرحية التي يتم إقامتها غير منظمة.

 

بيان مصطفى

http://www.al-sharq.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *