“إكليل الدم” على جثة المسرح القومي في دمشق

 

 

 

دمشق – لا يمكن الجزم بالفترة الزمنية التي ما زالت فيها مقدمة كلمة الوزارة السورية على حالها، إذ تبدأ بـ”المسرح أبو الفنون” وبالرغم من تغير الوزراء ومرور الزمن ما زالت المؤسسة الرسمية تمارس اغتيال المسرح في كل مرة يقدم فيها عرض جديد.
الشكل المسرحي وأساليب العرض وتقنياته ما زالت على حالها في سوريا، وكأن الصراخ وتغيير نبرة الصوت هو الحل الوحيد لأي عمل، حاليا تشهد خشبة مسرح الحمراء في العاصمة دمشق عرض مسرحية “إكليل الدم” تأليف وإخراج زيناتي قدسية في محاولة لتقديم صيغة تحاكي الجنون الذي تعمّ المنطقة.

تناص مفتعل

نادرا ما نرى نصوصا مؤلفة حديثا تعرض على خشبة المسرح القومي، إلاّ أن السؤال المطروح هو ما هو دور اللجنة المسؤولة عن قبول النصوص، قبل الوصول إلى مرحلة العرض؟
فالنص لم يقدم شيئا جديدا على مستوى الصنعة ومستوى المعنى سوى مفهوم يستدعي حالة من اللاّتعيين في مكان غير محدد المعالم، يحوي مجموعة من المواطنين المهزومين الذين قرروا الهروب من وجه القمع واللجوء إلى قوقعتهم للعيش في عالم مواز مليء بالجنون، حيث لا يقدّم أي مغزى درامي سوى ترسيخ الفكرة السائدة عن المسرح السوري الرسمي أنه مليء بالصراخ.

بالرغم من لغة النص الفصحى والسبك اللغوي المتماسك، إلاّ أنها ليست لغة مسرحية، أي أن قيمتها لم تكن في مستوى حوار يدفع الحدث أو يحاكي شعرية وكثافة النص المسرحي، بل القيمة تنبع من الشعر الذي يحويه، بالإضافة إلى التناصات مع نصوص محمود درويش وألف ليلة وليلة وأشعار الحلاج.

وقد تخللت النص كلمات بالعامية وأخرى بالأنكليزية بصورة مبتذلة، أقرب إلى مسلسلات البيئة الشامية التي من المفترض أن يكون المسرح متجاوزا لها، وما تمثله من تشوهات على الصعيد الفني.الخطابية الدائمة تطغى على النص وخصوصا في الشخصية التي يؤديها زيناتي قدسيّة، فالنص يلوّح لما يحدث الآن، وبالرغم من الدلالات الواضحة للحالة السورية، إلاّ أنه لا يقدم جديدا، فكل الرسائل التي من المفروض أن يقدّمها “المسرح أبو الفنون”، معروفة للجمهور، بل حتى أنها لم تعد تذكر في أحاديثهم اليومية.

حالة كرنفالية

فضاء العرض لا ينتمي لسياق محدد، فنحن في مكان أشبه بغابة تتداخل فيها الأغراض التي تنتمي إلى المجتمع المعاصر من دواليب وبراميل، بالإضافة إلى الأشجار، ليرسم مكانا أشبه بالبرزخ، لكن بنكهة معاصرة في محاولة لرسم حالة شبه كرنفالية تحتفي بالجنون وأزلامه.
لتبدأ بعدها خلال العرض موسيقى الروك المعاصرة، تليها الموسيقى الصوفية بالتداخل على ألسنة الممثلين بصورة مشوّهة لا يمكن أن تسمّى ما بعد الحداثة.
وفي محاولة لخلق نوع من التخييل يظهر راقصان، شاب وفتاة، ليؤديا ما يجول في خيال الممثل من حالة عشق وغرام، بالطبع لا يرتقي الأداء الراقص في العرض سوى إلى بعض الحركات المكرّرة التي من الممكن أن يقدمها أي برنامج مسابقات للهواة.

لا يقدم العرض صيغة إخراجية متماسكة، فنحن أمام الحلول الأولى التي تعكس ضعف التفكير الدراماتورجي في بنية النص والعرض، وإيجاد معادلات بصرية له، فالدخان والإضاءة والحلول التقليدية كانت طاغية.في محاولة لتقديم لعبة المسرح داخل المسرح يقدم العرض نماذج لملوك وطغاة، كل منهم يستبدّ بالرعيّة ويحقق العدالة بالصورة المشوّهة التي يراها مناسبة، ليخلق حالة من الكوميديا الهزليّة (التهريج)، والتي تثير الضحك بسبب أداء الممثلين المبالغ فيه، والمواقف المضحكة التي تحاكي ما هو مبتذل.

بالإضافة إلى بنية الحبكة التي تتمثل في العودة إلى البداية ولا تضيف أيّ جديد للمعنى الذي قدمته في أول العرض، حتى أن استخدام تقنية (voice over) جعل أجزاء من العرض تنتمي إلى أفلام الكارتون، لا إلى الطقس المسرحي الذي من المفترض أن يعكسه حضور الممثل على خشبة المسرح.)

 

http://elbashayeronline.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *