«خطوات» ليوسف الكبرا.. مستطيل ضوئي وامرأة مستوحدة

 


خطوات تؤكّد مرورك في الحياة كبصمة تشهد على تواجدك من عدمه. بيكيت سيّد هذه المشاعر. هو يصفعك ليضعك امام وجودك، مللك، وغيرها من ادوات عالم الوحدة. في «خطوات» للمخرج يوسف الكبرا، هي خطوات (ماي) او كارول عبود، المرأة وأمّها المريضة، المنسيّة في بيت عتيق، من سجلّ ذاكرة فارغ الا من اجترارات حملتها داخل مستطيل ضوئي يشبه القبر، قيّد لها الحركة، مرغماً ايّاها على التفكير بكل خيبات يوميّاتها الطويلة الخالية من اي حدث ممكن. «خطوات» عرض للمخرج السوري الفلسطيني يوسف الكبرا، عن نص بيكيت، تمثيل كارول عبود، على مسرح دوار الشمس.

وقت ممجوج، امرأة وحيدة تارة بإحساس الشباب وتارة باحساس الكهولة، قاربت كارول شخصية (ماي)، المعزولة الا من صوت والدتها المريضة. في نصف ساعة أخذتنا الى هناك. مكان مجهول تخيّلنا قسوته، ظلمته، وخروجه من شريط الحياة الطبيعية. نص قاسٍ لكن جميل جدا، كما أنّ الترجمة جاءت موفقة، خصوصا ان المخرج أبقى على النص باللغة الفصحى الجميلة الرنين، جعلت للعرض نكهة خاصة.
هو عرض خاص جدّا، أعادنا الى اصالة المسرح البعيدة عن كل بهرجة، أدّته كارول وحيدة في مساحة ضيّقة، تتنقل فيها بخطوات من اليمين الى اليسار كدقّات ساعة ابدية، في لعبة ضوء متنقلة، واضفت عليه طابعها الشخصي، او الجانب الفريد من كارول. استطاعت تجسيد هذه المرأة من ايقاع كلمات فقط، كلمات امها التي ادتها بصوتها، وكلمات مي الطفلة والمراهقة، وكلماتها المباشرة أمامنا. في ثوب ابيض وشال مخرّم كراقصة فلامنغو، شعرنا بأن الخطوات الجامدة تحولت في لحظة معينة الى رقصة ملل كالتي تؤديها الفتيات الصغيرات وهن منتظرات على باب غرف والدتهن للخروج في نزهة تكسر لهن الروتين. لنعود ونصطدم بحجم وحدتها، وتردادها لنفس الكلمات التي حفظتها على مرّ السنين، وعلى رأي الام لا زالت تجترّها.
المخرج الشاب ترك لكارول التصرف نظراً إلى خبرتها الطويلة، لكن بالرغم من ضبط كارول للايقاع، لم يدفع يوسف بأي روح جديدة لإخراجها من المألوف ومن حالة الجمود التي احيانا كانت في حاجة إلى الكسرعلى سبيل التغيير في الايقاع، لكن مما لا شك فيه انّه خلق جوا متماسكا، واستطاعت كارول بكل العناصر التي مالت نحو التقشف، المحافظة على مزاج هذه المرأة المستوحدة. المستطيل الضوئي كان المساحة المحددة التي رسمت لكارول بدت شبيهة بقبر مفتوح لآخر خطوات تحصيها مي، فانحصرت اللعبة بينها وبين هذه البقعة الضوئية التي اختلف مكانها 3 مرّات، كانتقال روح مي من مرحلة إلى أخرى، مع المزيد من القوقعة، والتي بمساعدة صوت أمها، تحاول عدّ الثواني المتبقية لها، خصوصا بعد طرح مسألة العمر.
هو نص فيه ما فيه من وصف لحساسية المرأة المفرطة، قُدّم بطريقة جيدة، بعيدا عن فلسفة الأمور، فكانت نصف ساعة متماسكة ومليئة بعطف نحو (ماي) او كارول، لا فرق، التي دائماً تنجح في منحنا شعوراً مسرحياً مليئاً بالمتعة.

أروى عيتاني

http://www.assafir.com/


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *