قاعة إفريقيا في الشارقة شاهدة على ثقافة الزمن الجميل

 

 

 

تندرج قاعة إفريقيا ضمن الأمكنة الحميمة في ذاكرة المثقفين الإماراتيين، فهي احتضنت في الزمن القريب منذ افتتاحها في عام 1976 تزامناً مع إنشاء بلدية الشارقة، كافة أشكال النشاط الفني والمسرحي، بما في ذلك الاجتماعي وبعضاً من النشاطات ذات الصبغة السياسية، وبهذا المعنى، فالقاعة من حيث الأهمية والفعل كانت شاهدة على سجل حافل بالإنجازات التي أسست لقاعدة ثقافية وصلت في هذه الأيام إلى مستويات متقدمة في الجوانب الثقافية والفكرية والفنية .
قاعة إفريقيا في التعريف المتداول هي “أول قاعة ثقافية تحتضن الإبداع والمبدعين الإماراتيين والعرب منذ تأسيس الدولة، حيث لم تكن هناك قاعة أخرى تقوم بدور مواز أو بديل في مكان آخر في الدولة” .
ورغم شح المصادر وقلة المكتوب عن هذه القاعة، فقلما تجد مثقفاً أو مسرحياً إماراتياً انخرط في النشاط الثقافي في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، إلا ويذكر هذه القاعة، لا سيما من المسرحيين، يحدث ذلك أثناء النقاشات العامة ومن خلال المواسم المسرحية، ولكل من هؤلاء قصة أو مناسبة مع هذا المكان، الذي نجح في استقطاب كثير من الاجتماعات واللقاءات المتنوعة على الصعد الثقافية والفكرية المختلفة .
جسدت القاعة كل أشكال التعاطي الفكري والمجتمعي، ولم تكتف باستضافة الكتاب والأدباء العرب مثل: محمود درويش، ومحمد مهدي الجواهري، والطيب صالح، ونزار قباني، وعلي عبدالله خليفة، وماجد أبو شرار، وسعاد الصباح، ولميعة عباس عمارة، وعاتكة الخزرجي، بل كانت شاهدة على فترات تألق الإبداع الأدبي الإماراتي من خلال رموزه الكثيرة ومنهم: حبيب الصايغ، وأحمد راشد ثاني، وحمدة خميس، وعلي بن رحمة الشامسي، وحمد بوشهاب .
في السياق ذاته، وفي الجانب السياسي، فقد احتضنت القاعة ندوات ولقاءات لرموز نضالية عربية مثل: الراحلين ياسر عرفات وصلاح خلف، والمفكر السوداني حسن الترابي، وغيرهم الكثير .
وهذه القاعة بحسب ما تشير المصادر، من أقدم القاعات التي شهدت معظم الأنشطة الفكرية والثقافية والعلمية والأدبية في تلك الآونة، عندما لم تكن هناك قاعات مجهزة غيرها، وهي تتسع بحسب ما هو مثبت لنحو 600 شخص، وقد أجريت عليها عمليات الصيانة والإضافات البنائية المعمارية أكثر من مرة، كما تعتبر معلماً ثقافياً في الشارقة، فقد شهدت العديد من الأنشطة والبرامج على مدى أكثر من ربع قرن من الزمن .
قاعة إفريقيا هي أول وأقدم مسرح بشكله المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة، افتتحها في ذلك الحين عبيد بن عيسى مدير عام بلدية مدينة الشارقة، وهناك من يؤكد أنها استمرت في احتضان النشاطات حتى عام 1995 حيث كانت المسرح الأول والرئيسي في المدينة، كانت القاعة تتبع في البداية دائرة البلدية، ثم تحولت إلى دائرة الثقافة والإعلام، حتى تأسيس المركز الثقافي الذي أصبح فيما بعد قصر الثقافة، لتنتقل إليه الفعاليات الثقافية، وبمرور الزمن وتأسيس البنية التحتية للمنجز الثقافي والفكري الحديث، توزعت النشاطات على أماكن كثيرة أبرزها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وفي الجانب المسرحي نشأت العديد من القاعات الحديثة المجهزة مثل معهد الشارقة للفنون وجمعية المسرحيين وخلافها، فضلاً عن تأسيس القاعات المخصصة للنشاط التشكيلي وبقية المرافق كمتحف الشارقة للفنون وغيرها الكثير .
ولأن الذاكرة غالباً ما تكون قوية وذات مفاعيل مشعة، فهي لا تنطفىء بمرور الزمن، كما أنها تصبح عصية على النسيان، لأنها ترتبط بالتأسيس والبدايات، وغالباً ما يكون لهذه الأمكنة أفراد ورجالات ارتبطوا بها ارتباطاً شجنياً، ومن هؤلاء، المسرحي المؤسس محمد عبدالله وزميله الدكتور محمد يوسف، فقد أقام منتدى الشارقة المسرحي، قبل نحو سنتين وبتنظيم من إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة محاضرة في مقر مسرح الشارقة الوطني تحدث فيها عبدالله عن “الدور الثقافي لقاعة إفريقيا” بوصفه كان مسؤولاً عن هذه القاعة وأشرف على نحو خمسين في المئة من أنشطتها .
حينذاك تحدث عبدالله عن تفاصيل لا يعرفها الكثيرون، ومنها سبب تسمية القاعة بهذا الاسم، الذي يعود إلى أول نشاط ثقافي – سياسي أقيم فيها وهو ندوة “العلاقات العربية – الإفريقية”، حيث ردّت جامعة الخرطوم على الجميل بالمثل، فأطلقت اسم الشارقة على إحدى قاعاتها الثقافية .
قال محمد عبد الله حينذاك “كان لهذه القاعة دور حاضن لكل الثقافات والاتجاهات الثقافية محلياً وعربياً في مختلف أشكال الإبداع وتخرجت فيها أجيال من المثقفين والفنانين، فقد ولد فيها جيل من المسرحيين الذين أسهموا في الحراك الثقافي والفني في الإمارات فكان لها فضل عليهم” .
الطريف في شأن هذه القاعة هو ارتباطها بجمهور ثقافي واسع متعدد المشارب والأعمار، ولعل في هذا تأكيد عافية الثقافة التي هي بحسب النقاد كانت مسنودة بكثير من السمات والخصائص الفريدة، التي كانت تشع بألق من فيض ذلك الزمن الجميل، وهو الزمن الذي نفتقد هاجسه ونبضه، جمهور القاعة بحسب عبد الله كان نقياً وأصيلاً وفطرياً، حيث كان يكفي إعلان صغير في صحيفة وفجأة تمتلىء مقاعدها بالحضور، وحين يفيض الجمهور إلى خارج القاعة يقوم الفنيون بتركيب سماعات خارجية تمكنهم من تابعة الفعالية بشوق وإصغاء عارم.

أنشطة وبدايات

شهدت قاعة إفريقيا انعقاد الدورة الأولى لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وفي المسرح احتضنت الدورات الثلاث الأولى لأيام الشارقة المسرحية، كما قدم فيها العرض الشهير “شمس النهار”، الذي يمثل انعطافة في المسرح الإماراتي، كما استضافت القاعة المسرحي التونسي المنصف السويسي الذي أشرف على انعقاد أول دورة تدريبية احترافية في المسرح، وفي الجانب الشعري شهدت القاعة الذكرى الأولى لرحيل شاعر الإمارات الكبير راشد الخضر .

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *