مسرحية «خارج السيطرة»

 

من الآراء التي أصبحت حقائق ثابتة في النقد الحديث، أن كل عمل فني يعتبر خطوة في سبيل إدراك الذات، فالفنان يستكشف نفسه كلما خلق جديداً، وكل كشفٍ من هذه الكشوف يزيده فهماً لذاته وإدراكاً لكيانه، ولكن الفنان مرتبط بالمجتمع وبالعصر الذي يعيش فيه، وهو ارتباط قد لا يبدو أحياناً واضحاً للعيان مثل ارتباط غيره من الناس لأنه أقل وضوحاً وأكثر دواماً، وهو في الحقيقة ارتباط طبيعي كارتباط الجسم الحي بعضه ببعض، ومن ثم كانت قوة تأثير الفنان في المجتمع والمجتمع في الفنان، حيث نجد الفنان دائم السعي إلى التخاصم والتصالح مع مجتمعه، لا يملك لحظة أن يوقف التفاعل العضوي بينه وبين عصره، لأن هذا التفاعل هو الذي يمنحه الحياة، هو الأصل في كونه فناناً.

نص سوري
ربما يسأل أحدهم ما علاقة هذه الكلمات التي تخص فنان مخضرم بالطلاب ونحن سنتحدث عن عرض خاص بمشروع تخرجهم وهم في بداية مشوارهم بعد، ولكن من تابع عروضهم هذا العام يدرك جيداً بأن هؤلاء الفنانين الشباب قريبين من الناس والمجتمع السوري بشكل عام، وخاصة في العرض الأخير «خارج السيطرة» الذي بدأت عروضه الجماهيرية 19 تموز 2014 على مسرح فواز الساجر في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وهو مشروع تخرج السنة الرابعة- قسم التمثيل في المعهد، ويعود الفضل الأول لوضع هؤلاء الفنانين الشباب بصفوف المخضرمين إلى الدكتور سامر عمران عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الذي قام بإعداد وإخراج العمل، حيث يصر على النص السوري ليخرج بعمل محلي من كل النواحي.

 

 

يعبر عرض «خارج السيطرة» عن مسألة لا زالت موجودة في بعض مجتمعات المنطقة في العموم؛ ألا وهي جريمة الشرف، من خلال نص من تأليف الكاتب الشاب وائل قدور وإعداد الدكتور سامر عمران، فيما اشتغل الممثلين على شخصياتهم أيضاً، ورغم الملاحظات على النص الأساسي فلم تظهر لنا المسرحية مفككة الأجزاء ولا متعددة الموضوعات، بل بدت موحدة تنظمها فكرة واحدة وهدف واحد هو تصوير كآبة بعض الناس بسبب أفكارهم المتخلفة.

مع اكتشف سورية
حضر اكتشف سورية العرض والتقى بعض من العاملين، والبداية كانت مع الممثل مهران نعمو، حيث قال: «أنا من أنصار العمل على النص المحلي، حتى لو كان فيه بعض المشاكل، ليدرك الكاتب أخطاءه وبالتالي يتفادها فيما بعد، اتفق مع الدكتور عمران بأن النص المسرحي تظهر أخطاؤه عندما ينفذ على الخشبة، وبالنهاية ينبغي أن يكون لدينا مسرح سوري من الثقافة السورية الخالصة، يمس أوجاعنا وتقاليدنا».

 

 

وعن دوره في العمل قال: «في البداية نسب إلي شخصية رأيتها قريبة من الأدوار التي قدمتها سابقاً، فاخترت شخصية أخرى بعد موافقة المخرج. شخصية بعيدة عني نوعاً ما، وذلك لأبتعد عن التأطير، وأقدم في هذه السنة ثلاث شخصيات مختلفة تماماً. وأديت شخصية وسام وهو زوج عليا الذي يحبها كثيراً، ويقدر تضحيتها من أجله، ولكن يعاني من المشكلة النفسية عند زوجته وخوفها من شقيقها الذي يبحث عنها ليقتلها، ويصل الأمر بأن يتطاول عليها بالضرب ليخرجها من الحالة، ويحاول أن يغير بيته بين فترة وفترة ، وأخيراً يسافر معها مخلفاً وراءه أهله وعمله ووالدته المريضة».

الممثلة ولاء العزام من جهتها قالت: «اخترنا المسرحية بقضية تمسنا من خلال نص سوري، وفي الحقيقة عند العمل عليه اكتشفنا العديد من الثغرات فيه، فحاولنا الاشتغال عليه أكثر لنملأ فراغاته، والدكتور سامر كان له دور كبير في ذلك».

 

 

وأضافت أيضاً: «العب شخصية عليا التي تزوجت برجل من غير دينها وهي مهددة بالقتل من قبل شقيقها، فأصبح لديها حالة خوف مرعبة وترى الموت في كل لحظة مما أثر على علاقتها مع زوجها، وأخفقت أن تعيش حياتها العادية، الأمر أوصلها إلى التفكير في السفر خارج البلاد».

يامن خميس طالب سنة رابعة متخصص بتقنيات الصوت قال: «في عرضنا هذا وما يخص تقنيات الصوت، رغم بساطة الأدوات، نحاول أن نوصل الصوت إلى المتلقي بشكل جيد. إن أي عمل وخاصة العمل المسرحي يعتمد دائماً على الجهد الجماعي، وبالنهاية يدرك المتلقي بأن العمل هو نتاج طاقم كبير، ومن ضمنه الدور الذي تلعبه المؤثرات الصوتية بشكل كبير».

أوس رستم سنة رابعة تخصص تقنيات الإضاءة قال: «تجسد الإضاءة أشياء جديدة في كل عرض، ورغم أنها تعتمد على عدة مدارس في تقنياتها، إلا أن هدفها في نهاية الأمر خدمة العرض لصالح المتفرج، من خلال اللعب على وتر اللون، الضوء، الزوايا، وأخيراً الظلال».

 

 

وتابع حديثه قائلاً: «صدفةً وجدنا بعض النصوص المسرحية الشابة والتي تعالج عدة مواضيع من بينها جرائم الشرف. وقع اختيارنا على نص “خارج السيطرة” للمؤلف الشاب “وائل قدور”، وبالمناسبة لا أعتبره من أفضل النصوص، إلا أنني وجدت النص غنياً بالشخصيات مما يتيح تقديم فرصة لجميع الممثلين بالمشاركة بالعمل، كما يحتوي على مادة للبحث كمنطلق نصي بدأنا العمل عليه. لا أنكر أنه اعترضتنا الكثير من المشاكل؛ حاولنا جاهدين إيجاد حلول لبعض القضايا الدرامية الموجودة بالنص أو الموجودة في طبيعة الشخصيات، وذلك من خلال الإعداد وإعادة إدخاله إلى مَخبَر الممثل لنعيد إنتاج لغة الشخصية حسب مفهومنا الجمعي لنفسية هذه الشخوص قدر الإمكان، بتقديري هذه مغامرة ليست بسهلة، ولكن ثقتي بالشباب شجعني على خوض المغامرة. وهذه رغبتي كمخرج أيضاً أن نعمل في النهاية على نص سوري الهوية، وكي لا نبقى ضمن إطار النصوص العالمية فقط».

وتابع عمران قائلاً: «في هذا المشروع قدمنا نصاً محلياً فتياً وعملنا عليه، من أجل تحفيز الشباب على الخلق والإبداع، وأن نتاجهم لا يبقى رهيناً بالأدراج. لربما تكون هذه بادرة لكتابنا الشباب، لأن العروض المسرحية هي التي تطور أدوات الكاتب. كل الكتاب العالميين ممن عملوا في المسرح كان لديهم مشاكل في نصوصهم في البداية، إلا أن أدواتهم تطورت بعد أن انتقلت نصوصهم إلى الخشبة».

وعن أداء الشباب أنهى الدكتور سامر عمران حديثه قائلاً: «جاء الأداء عالي المستوى، لا أنكر بوجود تفاوت في المستوى والإمكانيات وأيضاً بالبحث في الشخصية. شخصياً أن راضٍ عنهم جميعاً، الممتاز فيهم ممتاز والأقل ليس سيئاً، وهذا دليل على تطورهم من السنة الأولى إلى الرابعة، ومن جانب آخر تعوَد طلاب المعهد بكل أقسامه على العمل الجماعي ليكونوا عائلة واحدة في انجاز العمل المسرحي، هؤلاء مستقبل الفن السوري الوطني».

 

 

«خارج السيطرة» تأليف وائل قدور، إعداد وإخراج سامر عمران، الممثلون: حسن دوبا، ريمي سرميني، كنان حميدان، مغيث صقر، مهران نعمو، مي السليم، هلا بدير، ولاء العزام.

وشارك من السنة الثانية قسم التمثيل كل من إنانا الراشد، رامي أحمر، طارق نخلة، فادي حواشي. كما شارك في التمثيل كل من حسان علي، رشا هديب، علي أسماعيل.

صمم الديكور نزار البلال، مكياج لين العربيد، إضاءة أوس رستم، تقنيات الصوت يامن خميس، مساعد مخرج مجد فضة.

يستمر العرض لغاية 23 تموز الجاري تمام الساعة الرابعة ظهراً.


إدريس مراد

http://www.discover-syria.com/

 

اكتشف سورية

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *