الممثل والمخرج المسرحي غنام غنام قلق على فناني أريحا الشعبيين

 

قد لا يكون كورنيش الشارقة الجميل، المكان الأنسب لغنّام غنّام، لتذكر طفولته في حارة البيادر في أريحا، ولكن هذا ما يحدث مع الفلسطيني، الذي عندما يخسر مكانه الأوّل، مؤقتا أو دائما، فإن كل الأماكن الأخرى، ستردد صدى ذلك المكان الأوّل، غير المتاح.

سعدت باختيار (القهوة الشعبية)، مكانا للقاء غنّام، الكاتب، والممثل، والمخرج المسرحي، وهي شعبية، بمقاييس الشارقة، ومع ذلك لا تخلو من العبق الذي تتركه المقاهي الشعبية في الأذهان، التي لأمثالنا أنا وغنّام ، من ذكريات عنها.

كان عليه في صباح اليوم التالي، أن يشد الرحال، إلى الخرطوم، ضمن نشاطه وعمله في الهيئة العربية للمسرح، حيث بدا متحمسا وهو يتحدث، في ليل الشارقة، عن الإنجازات التي حققها وزملاؤه، وقد شملت العالم العربي.

معروف عن غنّام ديناميكيته، لا يكف عن الحركة، استقر في الشارقة، بعد نشاط مسرحي طويل في الأردن، وسافر على صهوة أعماله إلى بلدان أخرى، حاملا ما يسميه مسرح الفرجة معه أينما حل.

غنّام، راوٍ آسر، وكأنه يقدم مشاهد فرجوية، ينتقل من مكان إلى آخر، من حارة البيادر في أريحا، إلى جرش في شمال الأردن بعد حزيران 1967، ومعهد وادي السير في عمّان، وعمله، ثم احترافه للفن.

يتذكر غنام مصير أحد شخوص أريحا الدرامي، على جسر النور في عمان، ويقول إنه لم يعلم مصير الآخرين، بعد الهزيمة

وذكرياته التفصيلية عن ممثلين، ومسرحيات، ومواضيع، ومغامرات في مسرح الفرجة، الذي كان رائده، في الأردن.

من معهد وادي السير، الذي أُسس لتأهيل أبناء اللاجئين، في مهن مستقبلية، يحتفظ بذكريات عن أشخاص أثروا فيه، حيث النشاط القومي والوطني، والثقافي، وشخصيات لم تتلوث بعد، عاشت تحلم بالعودة إلى فلسطين، وتسعى إلى تحقيقه.ما زال يذكر اللهجة الآمرة لأحد الأساتذة، بعد صولة غضب:

– أُشمخ.. ارفع رأسك للأعلى، فأنت فلسطينيّ.. بكم ستحرر الأوطان..!!

في بداية الثمانينات، كان غنّام في القاهرة، يشاهد مسرحية مونودراما (الممثل الواحد)، لممثل ألماني، وتجاوب معه غنّام بطريقة غريبة، فإذا طلب الممثل شيئا، ضمن عرضه التفاعلي مع الجمهور، يقدمه له، وعندما انتهى العرض، سأل الممثل، الذي يبدو أنه اندهش لهذا التفاعل، عبر مترجم، عن غنّام إن كان يعرف الألمانية، وكانت الإجابة سلبية، فشكر غنّام، ومضى في طريقه.

غنّام نفسه، كان عليه أن يندهش بدوره، لماذا أحب ذلك الممثل كل هذا الحب، وتفاعل معه؟ جاءت الإجابة من الطفولة في حارة البيادر ومخيم عقبة جبر في أريحا، لقد حضرت إليه شخوص كانت تقدم فنا شعبيا، في الأعراس، والمناسبات، ما سيستفيد منه لاحقا في مسرح الفرجة.


تذكر، أبو الزكر، وأبو زكيه، وأبو أمينة، وحسن، الذين كانوا يأتون من مخيم عقبة جبر أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في خمسينات وستينات القرن الماضي، لأريحا، لإحياء حفلات الأعراس، ولم يقتصر ذلك على الغناء، وإنما تقديم عروض تمثيلية تعتمد على التفاعل مع الجمهور، وتتضمن نقدا لممارسات اجتماعية.

هذه العروض، كانت تتيح، إجراء ما يشبه المحاكمات، لفاعلين معينين في الحياة اليومية لأريحا ذلك الزمن، التي كانت تعج باللاجئين الذين وجدوا أنفسهم، فجأة في أخفض منطقة في العالم، لا يملكون إلّا الأمل، وتراثهم الذي يعبر عنه أمثال أبو الزكر، وأبو زكية، وأبو أمينة، وغيرهم.

هؤلاء الذين يتذكرهم غنّام، من طفولته في أريحا، يعتبرهم أساتذته في الأسلوب المسرحي الذي ارتبط به لاحقا، وسيحلو له تسميته بمسرح الفرجة. في عام 1986، أسس غنّام، فرقة موّال، مع آخرين، التي قدمت من تأليفه مسرحية “اللهم اجعله خيرا”، وفي عام 1990، أصبح اسم الفرقة مختبر موّال.

ويمكن من خلال شهادة أعدها غنّام، عن تجربته المسرحية، الاقتراب أكثر من عالم طفولة أريحا الذي أثر فيه: «من مسافات طويلة أقطعها حاجا إلى سينما هشام ورمسيس وريفولي سعيا إلى دهشة السينما التي كان يذيع أخبارها أبو زكية، حيث يجوب طرقات أريحا رافعا لوحة الإعلان عن الفيلم على حمار فيما ينادي منغما بمرافقة طبلته {شوف بطل للنهاية فريد شوقي والمليجي، وماجستي يصارع هرقل..».

يسترسل: «من ألعاب أبي أمينة وحسن في أعراس أريحا، من صوت أبي زكر يبدأ الليلة بـ”كان عندي غزال” ويقفلها بـ”جفنه علم الغزل”، من خيال يطير مع ظلال “ستي عزيزة” حين نتحلق حول “لمبة الكاز” التي ترسم ظلالا على الحائط، أرى فيها الشاطر حسن ونص نصيص والغولة، من رقص عباس من ساحة النافورة إلى حارتنا رجوعا إلى الخلف وفاء بنذره على نفسه لو نجح في “المترك” وفعلها، من مساءات الشاي تحت شجرة البنسيان في بيت أبو العبد دومان».

يؤمن غنام بأن لمسرح الفرجة جذورا في التراث العربي والإسلامي والوجدان الشعبي

يستطرد متذكرا: «من الراديو الوحيد في الحارة وخديجة تقت إلى برامج بعلامات ظل البيت، من موسم النبي موسى كل ما يعتمل فيه من دروشة وتقرب ومجون، من شوارع أريحا تعمر بكرنفال البرتقال، ومن تل العرايس الذي بناه هاني صنوبر في ساحة قصر هشام، من دور المعتصم يبكي على مسرح مدرسة شميدت في القدس ضمن مهرجــان مدارس محافظة القدس وفوز طفلي».

ويواصل: {إذ كنت في الحادية عشرة من العمر حين فزت بجائزة التمثيل، من كل هذا وذاك، ممّا ذكرت ولم أذكر، تكوّن الخيال والمخيال والذاكرة الأولى والصور الأولى.. من هناك عشقت ما لم أكن أعرف أنه مهنتي وحرفتي ومستقبلي ومصيري.. المسرح».

مشروع غنّام المسرحي، لن يتوقف عند مسرح الفرجة، فلديه الكثير، وفي جعبته يمور مخاض لمغامرات، ستنتج عنها مشاريع جديدة، منها ما قد يكون اسمه “مسرح الجلسة” الذي يستوحي إحدى التقاليد الخليجية.


أسامة العيسة

http://www.alarabonline.org/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *