مفتتح .. عن مشهد مسرحي مفقود

قبل أسابيع خرج مسرحنا بخفي حنين من مهرجان المسرح الخليجي للفرق الأهلية ولم ينل إلا شرف الاستضافة “والاحتكاك” مع الآخر الذي لم تتولد عنه بعد أي شرارة رغم السنوات الطويلة، لكن ولأننا محكومون بالأمل ومتلبسون به فإننا سنظل نقول إن القادم أفضل،

وإن الأجمل لم يأت بعد، رغم يقيننا أيضا أن هذا الطرح لن يغير من الحقيقة أي شيء أبدًا. ولا عزاء لنا في جمعية المسرح التي يعنيها الأمر كثيرًا، فهي مقسمة ومنقسمة منذ لحظات ولادتها الأولى، وتتصارعها النوايا الحسنة وأطماع الوجاهة وحب الكراسي “البلاستيكية للأسف”. ومنذ أكثر من عام يتصارع أعضاؤها على الفوز بغنيمة رئاسة مجلس الإدارة، وكلما انتخب رئيس حيكت حوله المكائد: فمرة ليست لديه شهادة دكتوراة، ومرة شهادة الصف السادس غير كافية لقيادة فيلق المسرحيين، وأخرى “لم نر منه ما يفيدنا”. والمحصلة التي نستطيع أن نؤكدها أن الجمعية لم تكن “تسر” لا عندما مسكها البروفيسور ولا عندما مسكها حامل شهادة الصف السادس.
وبعد موجة من الصراعات والبيانات التي كانت الصحافة المحلية ميدانا لها وبعد استقالة شبه جماعية وإعلانات في الصحف عن موعد عقد الجمعية العمومية والانتخابات هدأت الزوبعة “الطفولية”، ولم نعد نر شيئًا أو نسمع، وكأن الأمر شأن شخصي، ووسط كل ذلك ضاع الفعل المسرحي وبعثر عند قارعات الطرق وأمام جمعيات المرأة العمانية التي كانت الشريك الوحيد “الصابر” للجمعية وعليها.
لكن، ولأن للمسرح فعل حقيقي في بناء أي مجتمع فإننا نقول وبصوت عال إن الأمر لا يجب أن يبقى على ما هو عليه الآن؛ فالمسرح في كل البلدان هو المعول عليه لإفراز مجتمع مثقف ومتمسك بمستواه الحضاري العميق والعارف بقضاياه وقضايا أمته، والبعيد عن التسطيح والتعليب لكل المفردات الثقافية التي تكّون بناء أي مجتمع أو حضارة. وإذا كانت الدولة تمر بمرحلة انتقالية تعبر من خلالها لمرحلة جديدة مختلفة وآخذة بمتطلبات المرحلة فإن عليها أن تعيد النظر في وضع المسرح في السلطنة. وكما تقدم دعمًا سخيًا للقطاع الخاص ليبني نفسه، فمن باب أولى أن الشأن الثقافي محتاج إلى نفس الدعم وربما أكثر، فالقطاع الخاص أصابته التخمة من الدعم فيما بقي الفعل الثقافي الحقيقي والجدير بتغيير المجتمع ينظر ويترقب من منطقة ملتبسة بين الظل وسعير الهاجرة. لدينا اليوم الكثير من الفرق المسرحية وهي تعاني من وضعها المادي، وتستطيع الدولة في هذه المرحلة أن تقدم لها دعمًا سخيًا ينتشلها مما هي عليه. وليس شرطا أن يكون ذلك الدعم بمبالغ نقدية، بل يمكن أن تدعم بعقارات وأصول تكون وقفًا لخدمة الفرقة وخدمة فعلها الثقافي وربما وفق برامج وخطط تكون بينها وبين الداعم. ومع الأيام يمكن لهذه الفرق المسرحية أن تبني لها مسارح ويكون لها عروض مستمرة ويكون لها دخل، وقدرة على استضافة فرق مسرحية من خارج الحدود تأتي لتقدم عروضها للجمهور والعكس يمكن أن يكون صحيحًا أيضًا. وجدير بالسلطنة في هذا السياق أن يكون لها مسرح أهلي ذا شأن كبير كما هي دار الأوبرا السلطانية، فالمجتمع محتاج إلى مثل هذا الحراك الثقافي الذي سينعكس إيجابًا على كل تجليات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية. ويترك للمسرح أن يقدم رؤيته النقدية في كل ذلك، وحينها سيكون تعبير المجتمع حتى عن غضبه أو احتجاجه بطريقة أكثر عصرية وأكثر قربًا من المشهد الذي ننشده على الدوام. أو كما يقول الفيلسوف والمسرحي الفرنسي فولتير “في المسرح وحده تجتمع الأمة؛ ويتكون فكر الشباب وذوقه؛ وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا؛ لا مكان فيه لحكمة ضارة؛ ولا تعبير عن أية أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوبًا بالتصفيق؛ إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة”. فمتى نبني هذه المدرسة وندعمها من أجل الفضيلة.

عاصم الشيدي –

http://main.omandaily.om

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *