مسرحيون يطالبون بدعم المهرجانات الفنية في المملكة وفضّ احتشادها

 

احتشاد المهرجانات الفنية والمسرحية في وقت معين من السنة، وخلو أوقات أخرى طويلة منها أمر لا ينكره أحد من المنشغلين بالهم الفني والمسرحي، غير أن البعض يراه مبررا كما هو حال بعض المسؤولين، البعض الآخر يلقي باللائمة على وزارة الثقافة والإعلام لعدم دعمها وتدخلها لفض اشتباك المهرجانات وتنظيمها، غير أن الخلاف بينهم لا يقتصر على تنظيم المهرجانات وتوقيتها، فهو يشمل قبل ذلك قيمتها والهدف منها، بين من يراها ذات قيمة فنية عالية، ومن يرى أنها منخورة بأهداف وأخطاء بعيدة عن طبيعتها الفنية.

احتشاد مبرر
في البدء أكّد مدير عام الجمعية العربية للثقافة والفنون عبدالعزيز السماعيل، أن المهرجانات تحتشد في أوقات معينة لأسباب خارجة عن إرادة المسرحيين والمشتغلين في المجال الفني، وعدد السماعيل هذه الأسباب قائلا: تحتشد الفعاليات في أوقات معينة أولا لظروف موسمية بالدرجة الأولى، بمعنى أن فترة ما بعد رمضان حتى بداية المدارس تحتشد معظم الفعاليات؛ بسبب أن إجازات الصيف تكون عند أغلب دول الخليج، وتكون غير مناسبة للفعاليات.
وأضاف السماعيل: وثانيا، مهرجان المسرح لا يناسب المسرحيين أن يقام في رجب وشعبان ورمضان لانشغالهم في تسجيل الأعمال لرمضان، كما أن بعض الفعاليات الوطنية الكبيرة لها تأثير، إذ لا يناسب إقامة نشاطات أخرى موازية لها، وهذا مما يؤجل بعض الفعاليات الفنية، وبشكل عام هناك عوامل تحصر الفعاليات الفنية بين شهر يناير ومايو، بعدها تدخل في الصيف وفي أوقات هي في الغالب غير مناسبة، ما يعني أن الفعاليات الفنية توقيتها محكوم بظروف من خارجها أكثر من ظروفها نفسها، وبالتالي فمن الضروري أن تقام فعاليات مزدوجة لأنها لو لم تقم فلن تقام، وهناك سبب آخر للاحتشاد وهو كثرة الفعاليات التي تقام، فلمدة 6  أشهر في الرياض مثلا يوميا تقام أربع فعاليات، وفي جدة الأمر كذلك.
وعن قيمة الفعاليات قياسا بحضورها الإعلامي يقول السماعيل: يجب أن تقام الفعاليات لهدفها الفني الأساس، وكل من يقيمها للإعلام يخاطر بعدم الاهتمام بالهدف الأساس وعدم حصولها على قيمة جيدة، ولكن الإعلام مهم أيضا في إيصال المعلومة وليس هدفا قائما في حدّ ذاته.

فقاعات احتفالية
الكاتبة المسرحية الدكتورة ملحة عبدالله، اختلفت مع السماعيل حول قيمة المهرجانات، ورأت أنّ المهرجانات مطلوبة، وربما تكثر في وقت معين، ربما يرجع ذلك إلى النظر لوقت الإجازات أو لربما لتستجلب السياحة الهاربة للخارج، ولكن دعنا نمعن في كنه هذه المهرجانات، إن المهرجانات في معظم الوطن العربي أصبحت (سبوبة) أي أن البعض يسعى لإقامة مهرجان، وتقام له الميزانيات ويفد له وجوه معروفة وغير معروفة، وغالبا ما يغلب على الحضور الشللية والمجاملات! ثم ينتهي المهرجان ولا يعود في موعده!
وتضيف: المهرجان يؤسس له ويعلن له موعد في كل عام، وتؤسس له جوائز تقاس بقوة لجان التحكيم، ثم يثبت قوته فتسعى له صنوف الفنون للتنافس من جميع أنحاء العالم، هذه المهرجانات تقوم على الموضوعية والمصداقية لا على المحسوبية والشللية والمحاسبة. 
المهرجانات في بلادنا نطلق عليها مسمى احتفاليات، فقاعات تظهر وتختفي ويستفيد منها المستفيدون. لابد أن نعلم أولا معنى المصطلح، ثم نبني عليه بمقياس مصطلحه، وهذا غير موجود، والإعلام يسعى وراء كل ساقطة ولاقطة.
وتضيف عبدالله: إذا كانت مهرجانات فنية على سبيل المثال، فلابد أولا أن نؤسس للفنون وهيئاتها ومسؤليها مسؤلية منوطة بالتخصص، ثم نقيم مهرجان.
مهرجان أبها يقترب من المهرجانات المتعارف عليها لعدة أسباب، أولا منطقة جذب سياحي، ثانيا مهرجان أسس له كمؤسسة، وله موعد في كل عام، ولكن تنوعه أضعفه إذ لابد أن يكون لكل صنف من الفنون مهرجان متفرد يثري ذلك النوع من الفن، على غرار مهرجان المسرح العربي في الأردن أو في الإمارات أو في المغرب العربي، أو حتى مهرجان أفنيون، فإذا ما تخصص المهرجان كان ثريا وقويا.
ماذا عن مهرجان الجنادرية؟ تجمع ثقافي جيد وتأصيل لنا ولعاداتنا، ولكنّه ليس مهرجانا، بل احتفالية كبيرة من وجهة نظري، وتختم عبدالله بالقول: ولا تسلم هذه الاحتفالية من الشللية لأننا نرى فيها بعض الوجوه التي لا ترقى لمستوى هذا الحدث، باستثاء البعض، لابد أن نتطهر من الشللية والمحاسيب؛ وذلك لأن أي فن من الفنون حينما يشترك فيه الحاضرون باللعب والمشاركة نطلق عليها احتفالية، وذلك نظرا لمشاركة الحضور في الطقس إذا ماجاز لنا أن نطلق عليه اسم طقس. وهذا لا يقلل من شأنه.

ضعف الدّعم
الفنان والمسرحي جبران الجبران، أكّد على أهمية المهرجانات المسرحية لصقل مواهب الفنانيين المسرحين على كافة الأصعدة الفنيه إخراجاً وتقنيات، وإنتاجا وتمثيلاً، وهي على تعددها في السعودية إلا أنها قاصرة عن تلبيه الاحتياج المتزايد لشباب الوطن، نظرا لتباعد أماكنها، وعدم انتمائها لجهة واحدة تنظم العمل فيما بينها، ولكن لا زال هناك بعضها متفرداً وناجحاً مثل مهرجان الدمام للعروض القصيرة، الذي ينظم هذا العام في دورتة العاشرة.
وأضاف: فيما يخص تكدسها، فهذا يرجع للدعم المالي الذي تتلقاة الجهات التي تعمل في المسرح، فالجمعية السعودية للثقافة والفنون تعاني من التقشف، بالإضافة أنها تنتظر ميزانيات الدولة؛ لكي تبدأ وكل العاملين في إداراتها متطوعون ويعملون من وقتهم وجهدهم، وهذا يخلق نوعا من مراعاة الوقت الذي يمكن لهم العمل فيه علي أي مهرجان، ويؤكد الجبران دور الوزارة في التنظيم قائلا: بلا شك لو أن وزارة الثقافة والإعلام تجدول هذة المهرجانات مسبقا وتدعمها مادياً بالشكل اللائق، لكان أجدى وأفضل وأنفع، ولكن هذا هو الحال المتبع، وهذا وضع مسرحنا.

عكس الأوضاع
أما المخرج المسرحي ماهر الغانم، فيقول: للأسف نحن نسير عكس الأوضاع الطبيعية للحراك الثقافي بالمنطقة، وبشكل مكانك سر أيضا، تعبنا ونحن نتمنى على كل مسؤول أن يفعّل المسرح بالخصوص بشكل طبيعي، ويؤكد الغانم وجود ما يسميه «خلل كبير»، ويضيف: لا تخلو المهرجانات من أهمية ولكنها وقتية، لا تغني ولا تسمن من جوع، نرجو فعلا أن يكون دعم ورعاية الدولة مضاعفا لكي يرجع الحراك الثقافي على المنطقة والمملكة بشكل مشرف.
ويشير الغانم إلى أنه بدون الدعم والتنسيق من خلال وزارة الثقافة والإعلام لكل أنواع الفنون، إن كان داخل أو خارج المملكة بكل ثقلها وجديتها، وبناء المباني التي ترقى لمستوى تقديم دراما بشكل لا يقل عن محطات التلفزيون، ومسارح تنسجم  لممارسة هذه الفنون، ويختم الغانم متمنيا احتواء كل الطاقات والمواهب التي تتمنى خدمة الوطن الحبيب، ورفع راية المملكة في كل المحافل العالمية بإنجازات حقيقية مكملة للإنجازات الرياضية والعلمية وغيرهم، فلن تؤثر هذه المهرجانات الوقتية أو المحدودة الإمكانيات، ونرجو من الدولة حث القطاع الخاص بشكل أكبر لتحمل مسؤولياته كداعم للمجتمع، أشكر كل من يشجعنا حتى لو من وقت لآخر، ولكن نتطلع لأكبر وأهم من ذلك.

غياب التنسيق
ويبدأ المسرحي عباس الحايك، حديثه بالاعتراف بوجود المشكلة قائلا: نعم، هناك مشكلة في مسألة التنسيق بين الجهات المنظمة للمهرجانات الفنية، ويبدو أن لا شكلا من أشكال التواصل بينها لتنظيم مواعيد إقامة المهرجانات، ومزاحمتها بعضها البعض، فكيف يمكن لمهرجانات تقام في ذات التوقيت، بينما يبدو السكون والجمود على المشهد الثقافي والفني في أوقات أخرى، رغم أننا بحاجة للمواصلة والتواصل طوال السنة، فمثلاً حين يقام مهرجانان مسرحيان مهمان على مستوى المملكة، مثل (مهرجان الدمام المسرحي للعروض القصيرة)، و(نشاط المسرح لمهرجان الجنادرية بالطائف) في نفس الأسبوع، هذا يعني أن ثمة خيط تواصل وتنسيق مقطوع بين الجهتين المنظمتين، وعلى مستوى المسرح.
ويضيف: هذا يشكل خسارة حقيقية لمسرحيي المنطقة الشرقية، ومسرحيي الطائف، بل كل المسرحيين السعوديين الذين ينتظرون الحدثين، وسيخسرون كثيراً بسبب تضارب توقيت المهرجانين.
وعن الجدوى المعرفية للمضمون في مقابل البهرجة الإعلامية يقول: لا أعتقد أن مهرجاناً فنياً لا يقدم قيمة معرفية، فأي مهرجان مهما أخفق تنظيمياً أو فنياً، فلا يخلو من إضافة، فالمهرجان يعني التلاقي وعرض التجارب، وفتح المجال للتفكير الإبداعي من زوايا مختلفة، والتحفيز على الإبداع، ومن المجحف القول بأن هذه المهرجانات لمجرد الاستهلاك الإعلامي، كل مهرجان يقام يقدم لمجاله مهما كان مستواه.
ثياب قديمة
الفنان والكاتب المسرحي أحمد البن حمضه، يتفق مع الدكتورة ملحة عبدالله في وجود إشكالية في فهم المنظمين لدور المهرجانات فيقول: لا أعتقد صراحة أنه توجد لدينا مهرجانات فنية بما تعنيه كلمة المهرجان من تنظيم، وإعداد، وكوادر، وحضور، وبرامج فنية بجدارة تستطيع استقطاب جميع فئات المجتمع، فالمتوفر هي مهرجانات إمتاعية، وتخصص بشكل كبير للعوائل فشتان بين تلك وتلك.
ويرى البن حمضه أن وجود الجهات الداعمة هو المبرر الأساس إن لم يكن الوحيد لاستمرارها، يقول: لو تجاوزنا المصطلح لرأينا أنه توجد لدينا عدد من الأنشطة البسيطة، والتي تكرر لبس ثيابها كل عام، وفيها ما فيها بسبب قلة الموارد المالية ولولا وجود جهات داعمة كبيرة لما كان لها أن تستمر.
ويضيف: ما عندنا من مناشط لا يمكن أن يعول عليها كثيرا، بغض النظر عن كونها قد انتشرت طوال العام أم ارتكزت في أشهر محددة، هي أصلا غير موجودة حتى يمكن اعتبارها متنفسا للمجتمع، وأبسط دليل على ذلك أشهر الأجازة التي نحن فيها والتي من المفترض أن تكون حاشدة بمجموعة متنوعة من الأنشطة، والمهرجانات الفنية، ولكن الحال عن ماذا ينبئ ؟؟ لا مهرجانات ولا أجندة ولا برامج جاذبة، فتجد الكثير قد خرج أملا في تنفس بعض الهواء.
ويختم البن حمضة قائلا: ما نحتاجه حقا هو أرضية واعية، ومتحفزة لفهم واستيعاب الجميع لكي تضعهم تحت مظلتها وإعطاؤهم ما يحتاجونه من برامج وأنشطة تكون دفقة دماء في أوصال مجتمع يتحين الفرصة للهروب لسماء أخرى.

 

زكريا العبّاد – الدّمام

http://www.alyaum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *