“ما بعد الحداثة والفنون الأدائية”.. في تجارب المسرح المعاصر

 

كشف فن مابعد الحداثة عن مجموعة من الإشكاليات التي تقف في مقدمتها إشكالية المصطلح الذي تنوعت تسمياته فقد ورد المصطلح في الكثير من الدراسات تحت مسميات عدة من بينها (مابعد الحداثة – مابعد الحداثية ) ويذكر أن الفيلسوف الايطالي (جياني فاتيمو) قد طرح مصطلح ” مابعد الحداثة في كتابه “نهاية الحداثة” وقام بتفسير المصطلح من خلال تمحيص دلالة المقطع الأول من المصطلح – أي ما بعد وهو تمحيص تطلب بدوره تعريف مصطلح الحداثة ، ويرى جياني فاتيمو بأن الحداثة هي حالة وتوجه فكري تسيطر عليهما فكرة رئيسية فحواها أن تأريخ تطور الفكر الإنساني يمثل عملية استنارة مطردة، تتنامى وتسعى قدماً نحو الامتلاك الكامل والمتجدد(عبر التفسير وإعادة التفسير) لأسس الفكر وقواعده”، وكما هو الحال عادة في ظهور فكرة فلسفية او اتجاه نقدي فإن تيار (ما بعد الحداثة) كشف عن قواعد أساسية في تشكيل هذا الفن ، وقد انقسمت هذه القواعد بحسب (نك كاي) إلى قسمين أحداهما تمثل القواعد الأساسية في تكوين (مابعد الحداثة ) والاخرى تكشف عن التقنيات التي يعتمدها فن ما بعد الحداثة ، فأما القواعد فهي ” تضم قائمة من الخصائص والممارسات والتي منها استخدام (المحاكاة الفنية الساخرة- parody) و (الحنين إلى الماضي –Nostalgia ) و (خلط الأساليب والخامات) “،اما عن التقنيات التي تعمل (فنون مابعد الحداثة) على توظيفها والتي تشمل ” إلى جانب التقنيات الأكثر تعقيدا وتركيباً والتي تظهر في فن التصوير والنحت ، و استعادة أحداث الماضي أو استثارة ذكريات معينة ، أو استخدام قصص رمزية معينة ، أو الإيحاء  بقصة ، وبخاصة في الأعمال التي تقيم علاقة جديدة  مركبة مع الماضي”، ويبدو ان المؤلف أو المترجم قد وقعا في إشكال تعبيري ، ذلك ان التقنيات التي ذكرت ترتبط بالنص فحسب ، وفي الجزء المخصص للعرض يرد استخدام تقنيات اخرى  ، ينقل (نك كاي) رأي (جينكس) الذي يقول : ” أن اكثر التقنيات المتفشية في فن مابعد الحداثة هي (استخدام الشفرة المزدوجة – double-Coding ) و (التورية الساخرة – Irony ) و( الغموض أو التباس المعنى) و(التناقض) ويمضي لرصد قائمة منوعة من التقنيات والحيل البلاغية التي تمثل ملامح هامة لهذا الأسلوب ومنها التناقض الظاهري، والاتساق القائم على التنافر أو (هارمونية النشاز) والإسهاب والتضخيم، والتعقيد والتناقص، والتورية والسخرية، والاقتباس الانتقائي” ،ومن جهة اخرى فقد بدا واضحا ان التقنيات التي تعمل مابعد الحداثة على توظيفها تكون خالية من التوافق والانسجام ، وذلك مايمنحها خصوصية  في التنافر فهي  “لاتكتفي باقتباس عناصر من مصادر شديدة الاختلاف والتباين ، بل تتعمد في توظيفها لهذه العناصر المنتقاة أن تقاوم أية نزعة إلى تنسيق هذه العناصر في وحدة فنية متكاملة، بل إنها غالبا ماتلجأ إلى تضخيم إحساس المتفرج بالتناقض والصراع بين هذه العناصر عن طريق إتباع أسلوب يتبنى مبدأ التناقض والتقابل ويعلي من إحساسنا بالاقتباس- وهو أسلوب تتجاوز فيه النصوص والصور المتتالية المألوفة، وتعارض بعضها البعض فتبدو جميعاً مهتزة مقلقلة “، فضلا عن ما تقدم فإن (نك كاي) يستمر في تقديم طروحات مابعد الحاثة ، مستفيداً من التداعيات التي نتجت عن ذلك التيار الفكري ، لذلك فهو يكشف عن أبرز اشتغالاتها في الفن المسرحي على وجه الخصوص ، مقتفياً بذلك أثار العديد من المخرجين الذين تبنوا أفكار (مابعد الحداثة ) والذين يقف كل من (روبرت ويلسون ، وريتشارد فورمان ، ومايكل كيربي) في مقدمتهم، ونراه يستنبط من عروضهم أبرز  طروحات(مابعد الحداثة ) والتي تتبنى ” صراحة التوجه المينيمالي في الفن – ويعني الاكتفاء بالحد الأدنى من المفردات في التشكيل والتصوير الفني، وترفض بوضوح التعامل مع الأشكال والصور التقليدية ” .
ومع كل ذلك الاكتفاء بالمفردات التي تشكل العرض المسرحي المابعد حداثي إلا أن (نك كاي) يخلص إلى ” أن أي تعريف لمابعد الحداثة لايمكن ان يقوم على رصد مجموعة من الصور والأشكال المحددة الخاصة بها، وذلك لان مابعد الحداثة لاتتواجد إلا كنشاط هدام يسعى إلى خلخلة وتقويض نفس الشروط والمبادئ التي نتوهم انها تنهض عليها ”  ، ويشير (ليوتار) في معرض حديثه عن الحداثة بوصفها ” خطابا شارحا يمثل إطاره المرجعي، أي من خلال الاستناد إلى نظرية عامة مثل نظرية جدلية الروح ، أو هرمانيوطيقا المعنى، أو تحرير الذات العاقلة أو الفاعلة ، أو قصة خلود الثروة “.

 

 

صميم حسب الله

 

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *