«نهارات علول».. حالة إبداعية لتمرّد «الحرافيش»

 

 

 

«رصاصهم لا يقتلنا، ولكن يموت فينا إذا كنا أحياء»، هي العبارة الرئيسة التي تختصر العمل المسرحي الإماراتي «نهارات علول»، الذي جاء ختاماً مميزاً لعروض مهرجان المسرح الخليجي، للمبدعين حسن رجب في الإخراج، ومرعي الحليان في التأليف.

ورغم أن العمل ليس جديداً، لكن ذكاء المخرج حسن رجب في تجديد العمل وإدخال بعض التغييرات في المشاهد أحدث فرقاً واضحاً، لدى المتلقي الذي سبق وأن شاهد العرض في دورات أيام الشارقة المسرحية السابقة، ولعل أبرز تغيير في المسرحية، والذي أثنى عليه الكثير من النقاد والمسرحيين، هو إخفاء صوت طلقة الرصاصة التي قتل بها علول في المرة الأولى، وأعدم بها في المرة الثانية، في دلالة على أن رصاصهم لا يقتل من لديه أمل بالتغيير والتصدي لهم.

الأفضل خلال 10 سنوات مضت

 

وصف الفنان القطري، غانم السليطي، مسرحية نهارات علول بأنها عرض إبداعي بنص مسرحي يعد أحد أفضل النصوص المسرحية التي قدمت على مستوى الخليج خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ يجب أن يمثل الخليج في كل المهرجانات، هي قصة تسكن الرأس ولا تغادره، النص حالة استفزاز دائم، والتفاتة مستوحاة من جو الربيع العربي.

وتابع السليطي أن «بساطة النص سر قوته، أما الإخراج فحالة رائعة من الإبداع، إذ يخرج المتلقي من هذا العرض بأهميته وقوته في حالة من الانتشاء الممتد، وأعتقد أن فكرة إسكات صوت الطلقة هو إبداع بحد ذاته، لكن لديّ ملاحظة أرجو أن يأخذها المبدعون في الحسبان، وهي عدم تسخيف العدو من خلال إظهاره بصورة المثليين جنسياً، إذ بات هذا المشهد أقرب إلى المسرح المبتذل».


عاد من جديد

 

خلال تنفيذ الحكم، طلب علول أمنية بان يرى حبيبته آخر مرة، وبعد أن ودعها، نفذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص على علول، فقد اخترقت رصاصتان صدره، ليصبح جثه هامدة في الساحة العامة، الأمر الذي لم يستوعبه الحرافيش الذين رفعوا رؤوسهم لنبذ ذلك الانصياع والذل ومواجهة البطش والقمع، ما دفع برجال الأمن والدولة إلأى الهروب أمام غليان الحرافيش، الذين دفنوا جثة علول بالعبوات الفارغة التي كانوا يجمعونها دائماً، وما إن غادروا حتى تحركت جثة علول بفعل الرصاصات الثلاث التي اخترقت صدره ولم يمت، بل صارت تتحرك في جسده من جديد.

الحليان ورجب، ثنائي استثنائي وتيار مسرحي مهم، التصاقهما بالناس واحتكاكهما بهم جعل عروضهما قريبة من الجمهور، وتحديداً البسطاء والدراويش، كيف وهما من تطرق للحرافيش ونصرهم، على الأقل في «نهارات علول»، وهما أيضاً حالة إبداعية، لن نقول استثنائية، كي لا نهضم حق زملائهما المسرحيين، لكنهم بالفعل حالة استثنائية، وعلامة فارقة في الحراك المسرحي الخليجي، إذ من خلال عرض مسرحية نهارات علول، رفعا من مستوى المهرجان، وصعّبا درجة التنافس بين الأعمال المشاركة في المهرجان، لاسيما أن النقاد والمسرحيين المشاركين في الندوة التطبيقية عجزوا عن إيجاد ثغرات في هذا العمل الذي وصف بالمبدع من خلال نص رائع وإخراج مبهر وأداء تمثيلي عال.

«استقيموا واشخصوا بأبصاركم عالياً وارفعوا رؤوسكم علينا ملء الفراغ فوق رؤوسنا من شدة الانحناء»، هي إحدى عبارات «علول»، الشخصية الرئيسة في مسرحية «نهارات علول» لفرقة المسرح الحديث، الذي أبدع في تجسيد دوره الفنان الشاب جاسم الخراز، فعلول هو شاب يقطن قرية يسكنها «الحرافيش» أو «الصعاليك»، الذين ما إن يبزغ الفجر حتى يقوموا بجمع العبوات الفارغة من الحاويات والشوارع وأزقة المدينة بحثاً عن لقمة العيش، فأدمغتهم برمجت على هذا العمل اليومي دون توقف، وفي الليل ينامون كجثث هامدة أنهكها العمل الشاق.

في المقابل، يرفض علول هذا الواقع، ويعتبره ثقلاً حل على رؤوس الجميع، فيحاول التمرد، لكنه لا يستطيع، في ظل مقاومة صديقه (الممثل ناصر أحمد)، الذي يعتبر تصرفاته ضرباً من الجنون، رغم أنه مؤيد لفكرة التمرد، لكن ليس على طريقة «علول» الذي بدا يصرخ ويعترض أمام الملأ، خصوصاً أن ما يزيد أوجاعه الحالة التي باتوا عليها من قمع وبطش يمارس ضدهم من قبل القصر وحراسه المسعورين.

أما ما كان يؤجج غضب علول، فهو حال حبيبته (الممثلة بدور) التي تعمل في مطبخ القصر، وقد تعبت من تمادي حارس القصر (الممثل باسل التميمي) الذي يمنعها من الخروج لرؤية علول، إلا بعد أن تقدم له تنازلات مستفزة، وفي أحد الأيام، وبينما الحرافيش نائمون، يلتقي علول بحبيبته، التي تشكو له التضييق الذي يمارس عليها في القصر. ولأن الحارس ينتظرها، غادرت الحبيبة المكان، كي لا يصاب علول بأي مكروه، إلا أن الأخير لم يقبل على نفسه أن تسلب منه حبيبته أمام عينيه دون أن يحرك ساكناً، فلحق بالحارس الذي رفع السلاح في وجهه وأرداه قتيلاً.

«رصاصهم لا يقتل، ولكن يموت فينا إذا كنا أحياء»، هذه حال علول، بعد أن اعتقد الجميع بأنه مات، لدرجة أن الحرافيش وحبيبته بكوه بشدة، وأعلنوا خبر وفاته، إلا أن الرصاصة التي أطلقها الحارس لم تقتله، بل استقرت في خاصرته، فرغم أنه نزف كثيراً، ولوثت ملابسه بالدماء، إلا أن الثقب التأم، ولم يعد له أثر، وبقيت الرصاصة تجوب في أنحاء جسد علول، فتارة تصيب خاصرته، فتدغدغه فيضحك، وتارة أخرى تهيّج مشاعر الحب الدفينة في قلبه، وفي أحيان كثيرة تبكيه من شدة الألم، لاسيما إن مرت في صدره أو اقتربت من قلبه.

فوجئ سكان القرية بوضع «علول»، إذ بات الحرافيش يعتقدون أن لديه كرامات، وأنه شخص «مبروك»، فصاروا يتقربون منه، علهم ينالون شيئاً من بركاته، إلا أن علول لم تفارقه هواجس الوضع الذي يعيشه وسكان القرية، في ظل ذلك القمع والبطش، لاسيما أن حبيبته التي حلم بالزواج بها، وإنجاب الكثير من الأطفال، حبيسة في مطبخ القصر، فصار يدعو الحرافيش إلى أن يستيقظوا من غفلتهم، ويرفعوا رؤوسهم، ليملأوا فراغاً تكوّن بسبب الانحاء والانصياع لجبروت القصر.

ولأن العمل ينتمي إلى الكوميديا السوداء، فحكاية علول والرصاصة لم تنته، بل وصلت إلى القصر، وأصدر فيه حكم الإعدام رمياً بالرصاص، لأنه دين بالاعتداء على حارس القصر الذي أطلق النار عليه فلم يمت، ولم يُعد الرصاصة التي هي عُهدة للدولة، في موقف ساخر دار في قاعة القضاء لإجراء محاكمة عادلة ونزيهة، بحسب قوانين تلك القرية، إذ عُين محام محتال (الممثل مرعي الحليان)، ليترافع عن موكله حارس القصر، ضد المدعو علول، الذي لم يمت ولم يُعد الرصاصة، بوجود قاض لديه ميول غريبة (الممثل جمال السميطي) تجاه حارس القصر (الممثل باسم التميمي).

واعتقد علول بأن الفرج قد حان، خصوصاً أن القاضي حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، رغم أن صديقه كان شاهداً على واقعة اعتداء حارس القصر عليه، إلا أن شهادته وصفت بأنها شهادة زور، ولم يعتد بها، وفي أثناء تنفيذ حكم الإعدام في الساحة العامة وأمام مرأى ومسمع الجميع، امتنع الحرافيش عن حضور جلسة الإعدام، إلا أن القاضي أجبرهم، بواسطة رجال الأمن (الممثلان يوسف الكعبي وحميد عبدالله) الذين لا يعرفون الرحمة أو الانسانية، فهم يمشون وفي أيديهم أسواط و«كرابيج»، تطال كل من يعترض أو حتى يفكر في الاعتراض.

 

 

المصدر:

    سوزان العامري ــ الشارقة

http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *