زمان يا فن : عبد الفتاح القصري: أضحك الملايين…. ومات وحيداً

في العام 1905 كان ميلاده في حي الجمالية… ألحقه والده، وكان صاحب محل مجوهرات، بمدرسة الفرير في حي الخرنفش في الفجالة آملا أن يرث ابنه مهنته، لكن عبد الفتاح كان له حلم آخر، ولم يكن يجد سعادته إلا في الذهاب إلى كواليس المسرحيات، وفي الوقت نفسه كان كسولا ويكره المدرسة.

مع مرور الوقت أُغرم بالمسرح وتمنى الوقوف عليه، وفي أحدالأيام تجرأ وقصد مدير إحدى الفرق، قال له: «نفسي أمثل»، فضربه على وجهه وطرده…
تكررت محاولات القصري في الالتحاق بأي فرقة مسرحية، إلى أن وافق صاحب إحدى الفرق على إلحاقه بها وكان في الخامسة عشرة من عمره، وعندما كوّن عبد الرحمن رشدي فرقته المسرحية تقدم عبد الفتاح مع غيره إلى اختبار المتقدمين واستحوذ على إعجاب كل من رآه، فأُسندت إليه أدوار صغيرة كانت بمثابة قطع ديناميت ضاحكة في أي عرض.
ممثل تراجيدي
التحق عبد الفتاح القصري بفرقة جورج أبيض التي تخصصت في تقديم روائع المسرح العالمي، والمندرجة في معظمها في خانتي التراجيديا والمأساة، فحاول عبد الفتاح انتزاع الدموع من عيون الجمهور الذي كان بمجرد أن يراه تنفجر ضحكاته، رغم أنه كان يتفوّه بعبارات شديدة الحزن والجدية.
فشل القصري في أن يكون ممثلا تراجيدياً، فطرده مدير الفرقة، على الفور التقطه نجيب الريحاني وضمه إلى فرقته وخصص له راتباً ثابتاً هو 20 جنيهاً، وكان مبلغاً ضخماً في تلك الفترة.
أول مسرحية له «الجنيه المصري» أدى فيها دور تاجر سمك، فالتصقت شخصية ابن البلد به وجعلته يرتدي الجلباب في كل مكان يذهب إليه.
بعد وفاة الريحاني التحق عبد الفتاح القصري بفرقة اسماعيل ياسين براتب 100 جنيه في الشهر، وأصبح قاسماً مشتركاً في أفلامه كافة، وشكلا معاً إحدى أهم الثنائيات في عالم الكوميديا، وبلغ عدد الأفلام التي مثلها القصري 160 فيلماً أولها «بسلامته عاوز يتجوز»، وآخرها «شجرة العيلة».
ومن أبرز أفلامه: «الأستاذة فاطمة»، «سي عمر»، «حماتي قنبلة ذرية»، «الآنسة حنفي»، «لعبة الست»، «القلب له أحكام»، «سكر هانم»، «السوق السوداء»، «ابن حميدو» الذي انطلق منه إفيه «كلمتي مش ح تنزل الأرض أبداً.. لكن تنزل المرة دي»، وهو مازال يتردد لغاية اليوم مع عشرات الإفيهات التي تحمل بصمته وخفة دمه وعفويته.
أما أشهر مسرحياته فهي: «الدلوعة»، «قسمتي»، «الشايب لما يتدلع»، «30 يوم في السجن»، «حسن ومرقص وكوهين»، «ما حدش واخد منها حاجة».
زواج وخيانة
كان القصري دائم السخرية من شكله معلقاً أن «عينيه مخاصمة بعض». حلم بالإنجاب فتزوج ثلاث مرات، لكن الله لم يرد له أن يذق طعم الأبوّة، وعندما بلغ الرابعة والأربعين من عمره دق قلبه لفتاة شابة في السابعة عشرة من عمرها، وقال لها: «عاوز أتجوزك»، فبادرته على الفور: «موافقة شرط أن تكتب باسمي أموالك وتسلمني راتبك أول كل شهر»، فوافق، لرغبته في الاستقرار وحاجته إلى الحب.
وبعد عام من زواجه فوجئ بخيانة زوجته مع الشاب الذي تبناه واعتبره مثل ابنه، فطلقها على الفور وتزوجت من عشيقها بعدما استولت على كل ما يملكه.
بعد ذلك واجه عبد الفتاح أفظع وأقسى صدمة في حياته أو صدمة عمره الكبرى. ففي العام 1961 بينما كان يمثل دوره في مسرحية «عازب إلى الأبد»، فوجئ بأن الدنيا ظلام من حوله وسقط على خشبة المسرح، فنقله زملاؤه إلى منزله، وكانت المفاجأة أن فقد القصري نور عينيه والذاكرة أيضاً، فاختفت ابتسامته وغابت ضحكته وكان له موعد طويل مع العجز، فاضطرّ زملاؤه إلى الاستدانة لينفقوا على علاجه الخاص.
انتهزت مطلقته فرصة دخوله المستشفى لتستولي على أثاث البيت، فوقف الفنانون إلى جواره ومنهم: هند رستم، ماري منيب، اسماعيل ياسين ونجوى سالم.
بعدما تأكد أن حالته ميئوس منها تقبل قضاء الله بصبر وإيمان، وعاش محروماً من أي ضحكة بعدما أسعدنا بضحكاته على الشاشة، بائساً، فقيراً، يأكل يوما وينام أياماً لا يجد فيها قوت يومه.
وفي 8 مارس 1964 مات عبد الفتاح وكان عمره 59 عاماً، ولم يشارك في جنازته سوى ثلاثة أشخاص هم: الفنانة نجوى سالم وشقيقته بهية وصديقه الوحيد عسكري الشرطة قدري السمكري.

http://www.sotaliraq.com/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *