“عندما صمت عبدالله الحكواتي”: 3 رواة يدخلون الجمهور في متاهة الكلام

 


الشارقة -محمد ولد محمد سالم:

عرضت مساء أمس الأول على مسرح جمعية المسرحيين الإماراتيين في الشارقة مسرحية “عندما صمت عبدالله الحكواتي” لفرقة مسرح الصواري البحرينية، في إطار عروض مهرجان المسرح الخليجي الثالث، والمسرحية أعدها المخرج حسين عبد علي خليل من ثلاثة نصوص أدبية هي رواية “حكواتي الليل” لرفيق الشامي، ورواية “أهل البياض” لمبارك ربيع، وقصص “درويش الثالث” من ألف ليلة وليلة .
ينقلنا العرض إلى أجواء الراوي الشعبي التقليدي في المقهى أو السوق، وما يرويه من قصص يتناسل بعضها عن بعض وتتواصل فلا تنتهي، وذلك من خلال الراوي (عبدالله الحكواتي) الذي انجذب إليه جمهور حيه وأحبوه على مدى خمسة عشر عاماً من الحكايات المستمرة حول شخصية “عبدالله الصياد” الذي يمتلك قدرات خارقة تجعله قادراً على أن يرتشف البحر أو يحجب الشمس بيده، أو ما دون ذلك من الخوارق، لكنّ عبدالله الحكواتي يتوقف فجأة عن سرد حكاياته، ويصاب بالصمت بسبب شخصية مبهمة زارته ذات ليلة وأنذرته بأنه سيفقد القدرة على الكلام بعد سبع وعشرين كلمة، وسيكون دواؤه في ثلاث هدايا مبهمة لم تحددها له تلك الشخصية، ويحاول أصدقاء الحكواتي شفاءه بكل الطرق التي يتيحها الطب والرقيا لكنهم لا يفلحون، ثم يعودون إلى أنفسهم ليروي كل منهم حكايته الخاصة به، والتي تكشف عن كثير من المعاناة والمأساة، فواحد يكتشف كيف أنه عاش مخدوعاً في صديقه الذي يظنه مخلصا له، ما دفعه إلى خدمته بكل وسيلة حتى ولو كانت خديعة الأبرياء من أجل صديقه، لكنه في النهاية يكتشف أن هذا الصديق كان يخونه مع زوجته، وآخر توسوس له نفسه بأن زوجته تخونه مع عشيق فيقتلها، ثم يتحقق من براءتها، فيعيش حياته نادماً على فعلته الشنيعة، ورابع يروي للسلطان كذبة لم يسمعها فيستحق لذلك الجائزة، لكنه لا يأخذها، وبدلاً من ذلك يُبين للسلطان أنه عاش طيلة ملكه يكذب على الناس، فيقرر السلطان قتله، وتنتهي تلك الحكايات بعبدالله الحكواتي واقفاً في منتصف الخشبة (المقهى) وحيداً صامتاً، كما كان في آخر مرة .
تقديم العرض في قاعة مسرح جمعية المسرحيين الإماراتيين التي أعدت بشكل دائري يحاكي شكل المقهى أو مسرح الحلقة (أو السرادق) في المجتمعات التقليدية، ويلائم بشكل كبير القالب الفني للحكايات المروية بدءاً بعنصر الراوي ثم الحكايات نفسها المقتبسة من قصص تقليدية، وقد كان أداء الممثلين الستة: عبدالله السعداوي، ومحمد الصفار، وباسل حسين، ومحمود الصفار، وحسين عبد علي، ومحمد المرزوق جيداً ومتناغماً، عكس الحالات المتعددة التي تمر بها الحكايات، وأغنت حركة الممثلين وأصواتهم عن الكثير من الديكور والإكسسوارات وحتى الشخوص، ما يشي بأنهم فنانون محترفون ذوو تجارب عميقة، وكان تمثيلهم متناغما مع الإضاءة والسينوغرافيا عامة التي عكست تقريباً كل الأجواء التي تقلب فيها الممثلون، وهي كثيرة ومتنوعة، ما جعل الجمهور يتنقل بسلاسة بين تلك الأجواء، وسمح شكل الحلقة أيضا برفع الحواجز بين الممثلين والجمهور .
وفق حسين عبد علي خليل في تلك الاختيارات والحلول الفنية التي تنم عن حساسية فنية عالية، لكنّ التساؤل الكبير الذي ظل معلقاً هو لماذا سكت الحكواتي؟، ولماذا هذا الشتات من الحكايات، وهل استلهام الشكل التقليدي للحكاية التي يتناسل بعضها عن بعض هدف في حد ذاته؟ .
لقد وضع المخرج المتلقي في متاهة لم ينقذه منها، وقد حكم على اللعبة الدرامية بالتوقف عندما أخرج الحكواتي منها، وأدخلنا في جيوب من الحكايات التي لا نهاية لها، ولا دلالة لها في سياق مأساة الحكواتي الذي لم تقدم عودته صامتاً في نهاية العرض أية إضافة سوى الصمت والحيرة .

 

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *