«مكبث».. دموية دكتاتور

 

 

 

لم تكن الدموع التي حاول المخرج رسول الصغير إخفاءها، وهو يهنئ العناصر التي شاركت في عرض مسرحية «مكبث» بعد نهاية العرض، إلا دليلا على نجاحه في مغامرته وتقديم رؤية جديدة لنص صعب من خلال عناصر شابة تمتلك الحماس وتبحث عن ذاتها.

العرض قدمته فرقة لابا التابعة لأكاديمية لوياك للفنون الاستعراضية، ويشكل نقلة مهمة على صعيد التعامل مع المسرح.

 

حكاية دكتاتور

ليس من المهم سرد حكاية مسرحية مكبث، التي كتبها وليام شكسبير قبل أكثر من خمسة قرون، فهي معروفة وسبق تقديمها مئات المرات على خشبة المسرح أو في السينما وبلغات عالمية كثيرة، منها العربية، وقدمها طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية أكثر من مرة، كما قدمها المخرج حسين المسلم.

الجديد في العرض هو الرؤية الإخراجية للفنان رسول الصغير، الذي تعامل مع النص بشكل يقترب كثيرا من الواقع، الذي تعيشه أكثر من دولة في العالم.

رسول الصغير قدم مكبث على أنه طاغية ودكتاتور عاشق للدماء، وكل من حوله طغاة أصغر أو أكبر منه، هدفهم سفك المزيد من الدماء، والتعامل مع الآخر بروح الثأر والانتقام والرغبة بالقتل، حتى وإن لم يكن هناك سبب وجيه لذلك.

 

نبوءة ساحرات

اختصر المخرج، وهو المعد في الوقت نفسه، الكثير من حوارات النص الأصلي ومشاهده، وبدأ رحلة عرضه المسرحي مع نبوءة الساحرات اللاتي التقى بهن مكبث أثناء عودته من الحرب، وفي ذلك دلالة على أن كل ما يجري من قتل بعد ذلك يعود إلى نبوءة، ربما لا ترتبط بالواقع أو المنطق، وان السحر هو المحرك الرئيسي لكل ما يحدث من قتل، أي ان الحروب لا تعتمد على المنطق أو الواقع أو الحقائق.

وتتحول نبوءة الساحرات إلى آلة يستخدمها مكبث ومكدف وغيرهما من الطغاة الذين لا هم لهم سوى سفك الدماء.

والمرأة حاضرة في العرض بمكرها ودهائها ورغبتها بالانتقام، لتشكل أيضا جزءا من آلة القتل الفوضوي في العرض المسرحي، وهي رسالة واضحة من المخرج، وصرخة في وجه كل أولئك الذين يتاجرون بدماء البشر في أي مكان من عالمنا الواسع، انها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها.

 

متعة الإخراج

تجربة جديدة محفوفة بالمخاطر غامر بها المخرج رسول الصغير على أكثر من وجه في عرضه «مكبث»، فهو اعتمد على عناصر شابة لا تمتلك خبرة كافية في التعامل مع نص مثل «مكبث»، ونجح في تقديم أكثر من عنصر على خشبة المسرح، عناصر شابة حولت الحلم إلى حقيقة، ونجحت في تجاوز الصعاب والإعلان عن موهبتها.

والمخرج أيضا قدم رؤية إخراجية جديدة لهذا النص، واستخدم في رؤيته ثلاثة مستويات على خشبة المسرح، وهو أمر لم نعهده في أعمال سابقة، واستغل جانبي الساحة التي قدم فيها العرض خير استغلال، كما نجح في وضع السجن في المستوى الثاني، وهو سجن انفرادي قبع فيه مكبث خلال المشاهد الأخيرة، اما المستوى الأول فقد كان ساحة الصراع الحقيقي، تتحرك فيه معظم الشخصيات خاصة الساحرات، والليدي مكبث.

قراءة واعية وذكية ساهمت فيها الإضاءة والموسيقى لتشكيل لوحات جمالية مبهرة.

 

عناصر واعدة

الممثلة شيرين حجي، التي أدت دور الليدي مكبث، كانت أكثر العناصر الشابة في تقمص الشخصية، تتميز بالعفوية، وتتحرك على خشبة المسرح بروح الفنانة المتفهمة لدورها، وهي موهبة قادمة بقوة.

أيمن الصالح في دور مكبث تحمل عبئا كبيرا لإقناع المشاهد، وكان في الموعد، خاصة في النصف الثاني من العرض، يحتاج إلى المزيد من التدريب، خاصة أن طبقة صوته تساعده كثيرا.

وبرز من عناصر التمثيل الأخرى محمد علي في دور بانكو، وعبدالله الحسن في دور مكدف.

شارك في العرض المسرحي أيضا عبدالرحمن الفضلي، ماجد سلامة، حذيفة الطائي، أحمد توكلنا، محمد عبده، محمد علي، فوزية العثمان، رهف الفلاح، فاتن علي، محمد ربيعي، بدر دشتي، عمر مصطفى، صفاء المظفر، عبدالله حسن، جابر الحبابي، خالد بسام، عبدالعزيز دشتي، ومحمد فؤاد، موسيقى ومساعد مخرج شيرين حجي، إضاءة أيوب دشتي.

 

عبدالمحسن الشمري

http://www.alqabas.com.kw/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *