لحرية الفكر والاعتقاد

 

 

هل يحق للمدرس أن يقدم لتلاميذه علما نافعا وأفكارا جديدة ولكن من خارج المقررات الدراسية؟ أم علينا دائما أن نعيش كالببغاوات نحفظ ونردد دون فهم .. ونعتبر أن ما تركه لنا أجدادنا الأقدمون هو خير وكفاية؟!

لقد كان منطق اتباع الآباء والأجداد هو ما دافع به كفار قريش عن عقيدتهم الوثنية في مواجهة الدعوة المحمدية التى جاءت بفكر جديد ونور جديد يحارب الظلم والظلام.. بل كانت كل دعوات الرسل والأنبياء واختراعات العلماء ونظريات المفكرين تلقى المحاربة والمحاكمة بدعوى أنها تخالف القديم.. هذه هى فكرة مسرحية المحاكمة المأخوذة عن نص ميراث الريح تأليف جيروم لورانس وروبرت لى وإعداد وإخراج الشاب الموهوب طارق الدويرى..

والمحاكمة التى تدور على مسرح ميامى تحاكم وضع القيود على الفكر والإبداع والاعتقاد تارة تحت عباءة العادات والتقاليد المتوارثة وتارة اخرى متشحة برداء الدين، وبالطبع الأديان السماوية بريئة من تقييد الفكر أو محاربة الابتكار.. وقدم الفنان الكبير اشرف عبدالغفور شخصية السيد المحترم رجل السياسة المتفاخر بتزمته وتفكيره التقليدى اعتقادا منه أنه بهذا يحرص على قيم المجتمع ويكسب ود الناخبين، وهو فيسبيل أهدافه السياسية الصغيرة ينهض للعمل مدعيا على كل من يفكر أو يخرج من حلقة الاتباع والتقليد فيطلب من المحكمة أقصى العقوبة للمدرس الذى طرح فكرة غير مألوفة من خارج الكتب المقررة.. ويتصاعد الموقف تجاه المدرس الذى يجد نفسه متهمابالإلحاد والكفر وإفساد المجتمع كله بأفكاره المسمومة ويتصدى للدفاع عنه المحامى او السيد الموقر الذى لعب دوره الفنان أحمد فؤاد سليم ليجد أنه لا يدافع عن شخص بمفرده تجاه جريمة محددة.. وإنما يدافع عن قيمة الحرية ضد كل من يحاولون قتلها في هذه المحاكمة..

ونجد مباراة في الحجج والملاكمة والتمثيل المبدع من الأستاذين الكبيرين أحمد فؤاد سليم واشرف عبدالغفور، وبالطبع لا يفوز في مثل هذه المباريات إلا المتذوق العاشق لفن المسرح.. قدم حمادة شوشة شخصية الراهب أو رجل الدين المتزمت الذى يحفظ مقولات لا يفهم اغلبها.. ويجد سعادة فى تضييق الافق المتسع أمام كل من يلجأ إليه في مشورة، وأدى النجم الشاب عادل خلف شخصية حاجب المحكمة بخفة ظل وحضور مسرحى كبير وهو طاقة كوميدية جبارة وتحتاج إلى من يحسن استغلالها وتوظيفها في دور كبير يليق بحجم الموهبة، وخاصة ان عادل خلف هو الذى يؤدى شخصية «شفيق» عازف الكلارينيت المغرور في مسلسل الكارتون الأشهر «سبونج بوب» كأداء صوتى يجذب الأطفال كثيرا..

وقد تألق في المحاكمة عماد الراهب وسامح فكرى وسلمى الديب وعاصم رافت ومصطفى طلبة، وتجدر الإشارة إلى أن تصميم الحركة للمجاميع من الثنائى الموهوب ضياء ومحمد الذى جذب الانتباه لمجموعة من الشباب الواعد قدموا أداور الشعب والمحلفين والفقراء المتسولين، كما جرى استفتاء بين الجمهور الحاضر للعرض، هل يحكم بإدانة المتهم أو تبرئته.. وهو ما حقق فكرة التواصل بين العرض والمتلقى في هذه المسرحية الجميلة التى لو تم اختصار بعض أجزاء منها بهدف تحقيق سرعة الإيقاع لكانت أكثر نجاحا وجذبا للمشاهد.

 

كتب:محمــد بهجـــت

http://www.ahram.org.eg/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *