بين مسرحين

 

يجسد المسرح، فناً، وبكل الأدوات التي يعتمدها، بل وبكل خشباته، واللغات التي يؤدى بها، انعكاساً، وبصور مصغرة، عما هو مسرح أرحب، هو مليارات العروض التي تقدم، على امتداد الدقيقة الواحدة، وفق الميقات الزمني، الاصطلاحي، في عالمنا، حيث نحن، هنا، أمام مجرد:أصل، وصورة، واقع فعلي، وآخر متخيل، كي نكون – في الوقت ذاته – في حضرة فن، بل علم، هائل، ليس ذلك الذي يتعلق بطبيعة كل من الحقيقي والافتراضي، بل ذلك الذي ينطلق من العلاقة التواشجية، بين هذين المسرحين، على حد سواء، ويبحث عما يأخذه اللاحق عن السابق، ومدى تأثير كل منهما، في حيواتنا، ووعينا، مادام الأول هو بحر المعارف، مختبر التجارب، عبر التاريخ، بيد أن اللاحق منهما، لتكون كل الخلاصات التي يتوصل إليها – هذا الأخير – مستوحاة، من الأول .
والمسرح الكبير، من حولنا، قد بلغ – في هذه اللحظة – مرحلة جد معقدة، بعدما اصاب ارواحنا من يباس وخراب .
ليس أمام المسرح الصغير، وهو في حضرة توأمه الأكبر، إلا ماضياً في مساراته، كي يطور قوانينه، ويبدع أعرافه، ويؤسس تقاليده، وهو – وبجهود من هم قائمون عليه – مدرك أن حجم المسؤولية جد شاسع، إلى الدرجة التي باتت الحاجة تستدعي وجود مسرح، ليس في كل بلد، أو مدينة، أو حي، أو شارع، بل في كل بيت، وفي داخل كل منا، كي يراقب، في لحظات فرجوية، الشخوص الذين يهيمنون على برهته المعيشة – وربما كانوا: “ذاته” نفسها في لحظتها الانشطارية – وهم يؤدون أدوارهم، كي يقدم كل منهم، إفاداته، تاركاً لنا – نحن النظّارة – أمر المحاكمة، وهو أمر مختلف عن ترتيبات القضاء الرسمي، ومستلزمات ثوابه، وعقابه، في آن .
لعل مثل هذه الأفكار – حتى وإن التبست في بعض تهويماتها – وهي تهرب من تشخيص الأسى، تجنباً لمحاكمة في الذات، من نوع آخر، تحضرني – كأحد متابعي مشهد الحراك في أكثر من دائرة عامة، في عالمنا، وأنا على موعد، مع مهرجان شارقي، بات أحد عناوين المسرح، في طبوغرافيا الفن المسرحي المعاصر، وهو في واقعه، موعد مع مسرحيين، كتاباً، ومخرجين، وممثلين، يحمل كل منه أخطوطة مشروعه، يتفاعل مع المشهد العام الذي ننتمي إليه، كل من رقعة خريطته، ما دام من أولى مهمات هذا الفن، الأكثر عراقة، هو أن يكون بلسم اللحظة النفسية، ومطهر الأرواح، ودواء كل داء، كي نكون أمام امرئ، معافى، سليم، صالح أن يكون في مستوى أسئلة المرحلة، وهو – في هذه الحدود – أقصى المراتب، والوظائف، المتوخاة، من الفنون، والآداب، على اعتبارها أعظم ما قدمه الإنسان، من خميرة للحضارة، والحياة، والجمال

 

 

إبراهيم اليوسف

elyousef@gmail.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *