يوسف العاني الشيخ المعلّم.. سلاماً

 

بوركت يا معلمي وبوركت سنواتك المديدة التي تمتد منذ اول لحظة إبصارك لنور المسرح وصعودك صهوة فضائه حتى يومنا هذا. ولي الحق وأنا التي اتخذت من المسرح الذي كنت واحدا ممن أسسوا بثبات أركانه ملعبا ومنبرا وبرلمانا وآمنت انه مدرسة للتعلم والتثاقف والمتعة.
لي الحق في أن اقف بكل اعتدادي العراقي وجذري المترسخ في طين الوطن ومائه وان أهدي عرضي المسرحي الجديد ( برلمان النساء )الى قامتك الشامخة فلقد تعلمنا منك يا معلمي أن المسرح رسالة فكر وجمال وأن المسرحي رجلا كان أم امرأة، اذ لا فرق بينهما لحظة الإبداع ما هما إلا رسل سلام وأمان وأن عليهما ان يكونوا معلمين ومعرفين وموثقين وشهودا على كل ما يدور ويحدث ،وأن اختيار الخطاب الفكري لابد من ان ينبع من وعي معرفي وعقل حر وجريء.
بوركت سنواتك يا معلمي وعذرا لأننا في فترة من فترات هذا الزمن الذي غدا ثقيلا وقاسيا منذ ان حل البسطال الامريكي على أديمه وداس ارض السواد .. فقد أنشب البعد واللامبالاة أظفاره بيننا، فما عدنا نسأل عن بعضنا وانشغلنا بهموم الحفاظ على ما نملك .. وماذا نملك سوى تأريخنا وشرف قيمنا ونبض قلوبنا  ؟ نعم يا معلمي انشغلنا عن بعضنا بالحذر والخوف والتلفت ودرء المخاطر عن وطن بقامة العراق أرادوه مستباحا مقسما مفككا ينازع بعضه  بعضا .. يلتهم بعضه بعضا  ..هل رأيت يا معلمي كائنا انسانيا خلقه المولى بأحسن تقويم يأكل أصابع يديه أو يلتهم كبده أو يقتلع عينيه أو يطعن قلبه ؟ وماذا يفعل المسرح امام هذا المد الظلامي وهذه الوجوه المكفهرة والأرواح الناقمة التي لاتدرك قيمة الفن ؟ وماذا يفعل المسرحيون امام جوق المطبلين والمصفقين والهتافين والمخبرين السريين الذين يولدون في كل الأزمنة ويعدون أقنعتهم لكل الأوقات المتحولة ؟ لذا يا معلمي قدمت لك عرضي المسرحي الذي تنفس الحياة لليلة واحدة لكنها كافية لتضيء وتؤشر وتعلن عن خطابها الأخلاقي والوطني رغم عطل بورد الكهرباء في دائرة عدد مهندسيها يربو على الأربعين مهندسا، فيا دره من عطل فضح الخفايا وأسقط الأقنعة  !! قدمت العرض  هدية وفاء ومحبة واعتذار عن أيام غفلة وسهو انشغلنا فيها بهموم ذواتنا مع من نحب وهل هناك حبيب أبهى وأجمل من العراق ليكون عذري إليك ؟ لم تكن ولادة عملي الجديد سهلة كما تظن ولم تكن الطريق امامه معبدة، فالمسرح الذي يزكي الحقيقة ويضعها تحت الضوء ويكشف الفساد وعتمة الليل والتبلد طريقه محفوف بالمخبرين والمراقبين والقافزين الى المناصب والطامعين بالمغانم ومن باع ذمته وأراد الثمن وجاهة وعلو مقام !! 
معلمي دعنا مع محنة المسرح فالعراق ولود هناك شباب يعملون وهناك مبدعون يحركون الساكن ويفعلون الحياة وهم قادرون على حماية المسرح والدفاع عن حرية فضائه ،لأن المسرح هو صورة للوطن ونحن مع وطن حر ذي سيادة لايهان فيه المرء ولايقمع وتصان فيه الأعراض والأفكار ولا تتعطل فيه الكهرباء الوطنية أو تتوقف فيه المولدة . بوركت أيامك معلمي وبورك المسرح الذي انحنى لقامتك الواثقة وبورك الوطن الذي رفعت شأنه أينما حللت سفيراً للفكر النيّر في العالم الإنساني الحر.

 

د. عواطف نعيم

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *