مسرح عبدالرحمن المناعي

 

التعامل مع الأحلام والطموحات بصرامة شديدة يُحملها على خوض مرحلة التنفيذ ومن قبلها مرحلة التخطيط الجيد والجدي ضمن خطوات ثابتة، وهو ما يؤكد أن بذل المزيد من المحاولات الصادقة سيؤدي وفي نهاية المطاف إلى تحقيق جملة الأحلام تلك والطموحات، وهو ما ندركه كما يدرك الصباح ذاته حين تشرق الشمس، وكما ندرك أن من جد وجد ومن زرع حصد، وهي الحقيقة الأصيلة، التي تُغرس في ذاكرتنا أكثر كلما خضعنا لتجربة جديدة من تجارب الحياة، تكشف لنا حقيقة ما تحمله في جعبتها، تماماً كما حدث معي في آخر زيارة لمسرح قطر الوطني، التي قمت بها؛ تلبية لدعوة رئيس مجلس إدارة فرقة الدوحة المسرحية الفنان إبراهيم محمد؛ لحضور العرض التجريبي لمسرحية (أم السالفة) للمخرج القدير عبدالرحمن المناعي، الذي التزم بالمشاركة في مهرجان الدوحة المسرحي منذ أن انطلق، وحتى هذه النسخة الأخيرة التي ستنطلق فعالياتها بعد أيام ليست ببعيدة عن يومنا هذا، وحَضَرَ من أجلها المناعي جديداً سيُبهر به المهرجان ومن فيه، شريطة أن تضمن الصفوف بينها من يتمتع بثقافة إنسانية عالية ستُحمله على تفهم تلك المسرحية، وما تحمله بين طياتها.
إن مشاركة المناعي الجديدة لهذا العام ومن خلال ما شاهدته على خشبة مسرح قطر الوطني ستقدمه بثوب شعبي، وهوية تراثية يميل إلى تقديمها في كل مرة؛ محافظة منه على تراث الأمس من أجل الغد، فالمسرح بالنسبة له وسيلة تساعده على تحقيق هذا الهدف، الذي يُعد المُحرك الأساسي لأعماله المسرحية التي كان ومازال يقدمها لجمهوره، وما يؤكد لنا حرصه على تحقيق هذا الهدف النبيل أنه قد تقدم بهذا العمل؛ للمشاركة به في هذه النسخة من المهرجان؛ ملتزماً بتلك الهيئة التي تقدم بها في السابق، غير أن اللغة التي اعتمدها عظيمة الشأن وتلعب دوراً أساسياً وخطيراً في هذا العمل، الذي يعتمد عليها وعلى الفنانين الذين قدموا 3 شخصيات لأجيال مختلفة عاشت ذات الموقف، ولكن تفوقت كل واحدة منها بما قدمته من زاويتها بعد أن أضافت من روحها على كامل العمل، وهو ما قد أبدع فيه المناعي حيث وظفها تلك الطاقات بشكل حكيم قدم للمتفرج لغة حية عاش من خلالها تفاصيل العمل؛ لخروجها سليمة ومدركة للكيفية التي يمكن أن تدخل بها على قلب من يدركها تلك اللغة الجزلة، التي تخرق ببساطتها الرائعة حضوره، وتخترق الحائط الذي يفصله عن الخشبة؛ ليندمج معها بروحه ويشعر بكامل الموقف وكأنه منه وفيه، وكأن ما تعيشه الخشبة يعيشه هو أيضاً.
لم يقف الأمر بالنسبة للمناعي عند حد اللغة التي لعبت دوراً اساسياً في العمل، فهو ما قد تم تجاوزه من خلال رؤيته الإخراجية التي لخصت الرسالة التي ينادي بها العمل، وعبر عنها من خلال تسلسل الأحداث التي كشفت لنا استقامة فكره، ورقي ما يجوب أعماقه بعيداً عن الركاكة التي تقتل أي عمل مسرحي، فما يبحث عنه المتفرج (وهو احدى دعائم اللعبة المسرحية)، هو المحتوى، الذي يجدر بنا تمييزه عن غيره، فهناك فرق شاسع بين العمل ركيك المحتوى، والعمل رقيق المحتوى، الذي يتعامل بلطف تام مع عقلية المتفرج، وما يميل إليه قلمي هو النوع الثاني، الذي يحرص على تقديم الفرجة المتكاملة والمتعة الحقيقية التي تتغنى بالقيم الإنسانية، التي لا تتوافر في الأعمال التجارية أي تلك التي تُلبي ذائقة شريحة من شرائح المجتمع دون غيرها، ولكن بعمل كهذا العمل الذي تقدم به المناعي، وسيغرسه في ذاكرة المهرجان المسرحي للأجيال القادمة إن شاء الله.
من يعرف المناعي معرفة كافية سيدرك أنه على معرفة بمثال حي للإنسان الناجح، فهو وبرغم الظروف التي تقف من أمامه مع أي عمل يرغب بتقديمه إلا أنه يتمكن من تجاوزها؛ ليواصل (رحلة الإبداع) التي سبق له وأن بدأها حتى يصل إلى مراده، الذي يقوم على تقديم الأعمال المسرحية أيام المهرجان المسرحي، ومن بعدها تلك الأيام وذلك في سبيل مد الجمهور بدروس وتجارب حياتية تُسعف الحياة التي يعيشها بعد أن تُلخص له، وتُقدم في صورة مُبسطة تكشف له ما لا يمكن أن يدركه في واقعه؛ ليعالجه خير معالجة، وهو ما يجعله مدرسة عظيمة تقدم الجديد والمفيد للجميع ودون استثناء يمكن أن يفضل هذا على ذاك، وهو ما يُجبر كل سوي على التفكير وبجدية تامة بفكرة الالتحاق بها هذه المدرسة؛ كي يحرز أعلى النقاط، فالمخرجات عظيمة وإن لم تتوافر كل المعطيات، التي تُعد دون قيمة أمام عطاء هذا الإنسان العظيم، الذي مارس العطاء المسرحي منذ عقود امتدت وامتد معها حبه للعطاء ودون توقف، كما انكشف معها ذوقه، خياله، وقريحته المُلهمة، وكل ما جعله مسرحاً خاصاً به يمكن أن نعرفه على أنه (مسرح عبدالرحمن المناعي)، الذي ننتظر إبداعه، والوعد بأن نلتقي به وبجديده مع الموعد المُحدد له إن شاء الله.
كلمة أخيرة
يحرص مهرجان الدوحة المسرحي على تقديم الأعمال المسرحية التي ترقى بذائقة الجمهور دون أن تستهر بها أو تستخف بعقليته المتفتحة، وما قدمه المناعي يحمل في جعبته الكثير من تلك الطموحات والآمال التي نعلقها على رقبة المهرجان، ونرغب بفي أن تسلب العقول والقلوب المتابعة والحريصة على الفوز بما يستحق الفوز؛ لذا وحتى يُرفع الستار عن هذا الإبداع الحقيقي فلنسأل الله التوفيق للمناعي، ولفريق عمله، ولكل من يخلص بعمله؛ كي يحرز أعلى الدرجات.

 

http://www.al-sharq.com/

صالحة أحمد

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *