سواء كان المخرج الياباني المتواضع الخلق كيشي ناغاتسوكا يحب ذلك أم لا، فإنه يُرى على نطاق واسع في طليعة الجيل القادم في عالم المسرح المعاصر في اليابان. و مع أن هذا المخرج، و الممثل، و الكاتب المسرحي البالغ من العمر 38 عاماً قد بدأ
بالبروز بعد تأسيس شركة Asagaya Spiders في أوائل عشرينياته، في عام 2008، فإنه ابتعد عن الروتين و أخذ استراحة في لندن ليدرس في المسرح الوطني، كما يذكر نوبيوكو تاناكا في مقاله هذا.
و منذ ذلك الحين، راحت مواهب ناغاتسوكا الفنية تتفتح من جديد. فبالإضافة إلى تقديم أعمال تمتزج فيها الأزمان و الأماكن بطرق سريالية، راح يعيد التفكير في كيفية شد جمهور مشاهديه و تحرير تخيلاتهم الطليقة و ليس توجيهها. و غالباً ما يستخدم في ذلك مواضع تجريدية وفارغة تقريباً، و قام مرةً بتكوين منصة مسرح أميركي جنوبي لمسرحية كابوكي ( و هي نوع من الدراما اليابانية تستند على أساطير شعبية، أزياء مميزة، و يقتصر التمثيل فيها على الذكور ) . و بمسرحيته ” ماكبث “، المقدمة حديثاً في طوكيو ، يكون ناغاتسوكا قد اختار بجرأة المسرح الميداني ( أي الذي يحيط فيه المتفرجون من كل جانب ببقعة التمثيل ) ــ و كانت هذه أيضاً المرة الأولى التي يعالج فيها عملاً لشكسبير.
تبدأ المسرحية بماكبث ( يقوم بدوره شينيتشي تسوتسومي ) عائداً للوطن جنرالاً منتصراً مع رفيقه بانكو ( موريو كازاما ) بعد معركة دامية. و في الطريق يلتقيان ثلاث ساحرات ( كازويوميتا، أتسوكا هيراتا، نوريكو إيغوتشي ) يتنبّأن، لدهشة ماكبث البسيطة، بأنه سيرتقي العرش قريباً.
و بعدها، حين يعلن الملك دَنكان ( شو ناكاجيما ) أن ابنه مالكولم ( كازوشايج كوماتسو ) سيكون الملك من بعده، يقوم ماكبث ــ الذي سيطر عليه الجشع و أحلام السلطة منذ تنبؤ الساحرات ــ بقتل الملك و استولى على العرش.
و غمرت البهجة في الأول ماكبث و زوجته الليدي ماكبث ــ التي تقوم بدورها هنا تاكاكو توكيما، و هي زوجة ناغاتسوكا الفعلية ــ في وضعهما الجديد، غير مدركَين أنه بداية انحدارهما تماماَ هناك. و حين يستنفدهما الشعور بالذنب، تقتل الليدي ماكبث نفسها ثم يموت ماكبث في معركة، و هو مهجور من كل أصدقائه و حلفائه السابقين.
وهذه المسرحية هي واحدة من تراجيديات شكسبير العظيمة الأربع ، إلى جنب ” هاملت “، ” الملك لير “، و ” عُطيل “، و تجري أحداثها في سكوتلندة القرون الوسطى، و هي معروفة على نطاق واسع في اليابان، و كثيراً ما يُستشهَد بأبياتٍ معينة منها. و مع هذا، يمضي الكثير من الإنتاجات هنا بجرأة إلى حيث لم يمض أحد من قبل، متحولةً عن الأصل لتُصبح عملاً جديداً بالكامل.
و قد أوضح المخرج المشهور يوكيو نيناغاوا، على سبيل المثال، أنه، بعمله ” نيناغاوا ماكبث ” في عام 1980، سعى إلى التغلب على خلفية العمل الأصلية، التي ليست مألوفة لدى جمهور المشاهدين اليابانيين، و ذلك بجعل المسرح متوافقاً مع عهد الساموراي المعروف لهم. و في عام 2010، أحرز الممثل الكايجيني البارز مانسَي نوميورا نجاحاً كبيراً بعمله ” ماكبث ” الذي أنجزه بخمسة ممثلين ــ بمن فيهم هو بدور ماكبث ــ حيث كان إخراجه النشط يؤكد على حماقة الجنس البشري التي لا تتغير. و حين أعاد تقديم العمل في السنة الماضية، في سيئول ونيويورك، حظي بالاستحسان، أيضاً.
و هكذا كان من الجميل التساؤل، في مقدمة افتتاح المسرحية الجديدة، عما سيكون عليه عمل ناغاتسوكا بـ ” ماكبث ” هذا ــ و ما إذا كان ذلك سينجح. فعند الدخول إلى المسرح، كانت المنصة الخشبية ذات الطابقين في قاعة الاجتماعات تجتذب الأنظار على الفور ــ إلى جنب أسلوب العرض الصاخب، و الممثلين البيض الوجوه المتجولين هنا و هناك، و هي أمور استخدمها المخرج لتحقيق الإثارة لدى كل واحد حتى قبل أن يجلس. ليصعد بعدها مديران للمراسم إلى خشبة المسرح و يوضحان ما تعنيه المظلات الخضر الملحقة بمقاعد كثيرة. و يكفي القول إن نهاية ماكبث قد تم التكهن باقترابها حين راحت غابة تتحرك نحوه ــ و كان ناغاتسوكا قد أكد لجمهور مشاهديه أنهم سيكونون جزءاً من تلك الذروة العظمى من العمل المسرحي، و أنهم لن يكونوا مجرد متفرجين سلبيين.
و في مقابلة أجريت معه مؤخراً، شبّه المخرج جمهور المشاهدين بـ ” شركاء الساحرة “، موضحاً كيف أن المجتمع عموماً يكافئ اليوم أيضاً على الجشع و الطموح المجرد، الذي أصابت بعدواه الساحرات الثلاث ماكبث. كما قال إنه بدلاً من تقديم الليدي ماكبث كمؤثّر شرير، كما يفعل معظم المخرجين، تصورها هو كزوجة مخلصة، و محبة، و مساندة. و بالتالي، فإنه يأمل، كما قال، أن ينظر الجمهور إلى الاثنين بكونهما خاضعين لنوع من المأساة التي ما تزال تحدث اليوم.
n عن: The Japan Times
ترجمة: عادل العامل
http://www.almadapaper.net/