تراجيديا الانسان العادي في مسرحية ‘الخال فانيا’

لعل اجمل ما قرات فى وصف اعمال تشيكوف ما قاله الشاعر ماياكوفسكي انه لو حصلت كارثه ادت الى ضياع كل اعمال تشيكوف وبقيت ورقة واحدة لعرفنا منها انه مبدع كبير. كذلك تولستوى رغم بعض تحفظاته (التي لا استبعد أن يكون فيها بعض الغيرة!)

وصفه بأنه بوشكين النثر الروسي!

الذي قرأ مسرحيه الخال فانيا 1897 لانطون تشيكوف, لا بد انه سيلاحظ امرين:

الاول: المتعلق بالبناء المسرحي حيث يلمس المرء تلك الانسيابية الطبيعية في المسرحية لاحداث تبدو عادية تركز على الافكار وليس على الأحداث. لذا لم تعجب المسرحية تولستوي, لانها حسب رأيه تخلو من دراما او تراجيديا, لكني أعتقد ان المسرحية تحوي تراجيديا هادئة احب ان اصفها بأنها تراجيديا الانسان العادي. وان كانت تختلف عن التراجيديا اليونانية او الشكسبيرية المعروفة بقوة احداثها, حيث يواجه البطل قدره في نهاية المطاف.

(الخال فانيا) مسرحية هادئة تحتوي على حوارات شيقة يمكن للمرء ان يشاهدها في حياته اليومية. والفكرة المركزية (الثيم) في المسرحية تتمحور حول شعور الانسان في نهاية عمره بالفشل وخيبة الامل. في وقت لم يعد فيه ممكنا اصلاح ما افسده الدهر, لانه لا يستطيع مسح اخطائه, لانه بكل بساطة لا يستطيع أان يعيد الماضي.

تبدو الفكرة عادية جدا وبسيطة جدا, لكن في الوقت ذاته تملك بعدا انسانيا عميقا, لأنها تتعلق بمغزى الحياة ووجود الانسان. انها تقود لتساؤلات ذات طابع وجودي, تجعل من شخصيات تشيكوف تقترب قليلا من شخصيات ديستوفسكي. ولان موضوعها الانساني يمكن ان يفهم من اي انسان بغض النظر عن خلفيته الاثنيه او الثقافيه, لقيت المسرحية اهتماما كبيرا في العالم. فقد تم تمثيلها بمعظم لغات العالم, وتمّ عمل عدة افلام سينمائية في بلدان مختلفة, ولم تزل حتى الوقت الحاضر من اكثر المسرحيات تمثيلا في العالم.

احداث المسرحية تجري في اجواء الريف الجميلة والهادئه حيث يجلس الاشخاص على مقاعدهم يتبادلون الاحاديث. الخال فانيا يعيش في الريف مع الوالدة وابنه اخيه. وذات يوم في صيف قائظ يأتي لزيارتهم صهره وزوجته. تبدا الحوارات وشيئا فشيئا, يكشف كل واحد عن بعض من مكنونات نفسه في جو تختلط فيه التراجيديا بالكوميديا. الرائع هو رؤية شخصيات المسرحية يكشفون خوفهم وقلقهم واحباطاتهم بحيث لا تعود صوره المرء, كما يحرص عادة ان تكون, بل صورا اخرى لشخصيات قلقة ومحبطة ومتوترة.

لا داعي هنا للخوض كثيرا في تفاصيل شخصيات المسرحية لان ذلك لن يعوض القارىء متعة قراءتها.

البطل الحقيقي للمسرحيه هو سيريبريكوف او الخال فانيا الذي نعرفه كبروفيسور متقاعد يطلق على نفســه “تقريبا جثة” والذى اكتشف ان حياته ضاعت هباء، واكتشف انه لا يفقه شيئا, كما اكتشف انه شخص اناني. ولهذا كله اثار هلعة ومنحه شعور انه امضي حياته بلا جدوى!

تحاول سونيا ابنة اخته المتوفيه ان تطمئنه لانه سيرتاح في السماء!

(.. يا خالي فانيا المسكين، أنت تبكي.. أنت لم تعرف الفرح في حياتك، لكن مهلا، مهلا يا خالي فانيا.. سوف نرتاح.. سنرتاح) انه لامر محزن للانسان ان يكتشف ذلك كله في مرحبة عمرية عندما لم يعد لوسعه تغيير شيء. وربما تكون كلمات سونيا العزاء الوحيد له في هذا الوقت.

تنتهى المسرحية بالسوال الدرامي المفتوح حول الشقاء الانساني الذي نختبره نحن البشر العاديين. ففي نهاية حياة كل منا هناك من يشعر انه حقق انتصارات وانجازات، لكن ايضا هناك من يشعر بخيبة الامل ماذا يعني هذا؟ هل يعني مثلا ان هناك رابحين وخاسرين في نهاية طريق الحياة ام ان الجميع يتساوى! لكن في ظل اجواء الكآبة التشيخوفية لا يمكن للمرء الا ان يجلس بهدوء ليفكر بصمت!

 

 

بقلم: د. سليم نزال

http://www.middle-east-online.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *