‘نساء طروادة’: سوريات يروين تجربتهن في الحرب على خشبة المسرح

“قصص الحرب عادة يرويها الرجال، أما حكايتنا فترويها النساء”.. هذا ما قاله المخرج المسرحي السوري عمر أبو سعدة مؤسس مسرح الاستوديو، في حديثه حول مسرحية “نساء طروادة” عن نص يوربيدس، التي عرضت في المركز الوطني للثقافة والفنون في عمان يومي 16 و17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهي من تمثيل نساء سوريات اضطررن للجوء إلى الأردن في ظل ما تشهده البلاد من حرب وحصار.

“الطرواديات” أو “نساء طروادة” ليوربيدس تعالج بحواراتها وأحداثها إشكالية الأخلاق في زمن الحرب، هذه الإشكالية التي تطرح نفسها بقوة في كل حرب أو نزاع بين قوى متصارعة في أي زمان ومكان، حتى أنها تبدو إشكالية جوهرية تستوجب الوقوف عندها وتحليل أبعادها ومعطياتها في سوريا اليوم.

ويصرّ القائمون على العرض المسرحي، العودة إلى تاريخ كتابة المسرحية في العام 415 ق. م، لنفهم حقيقة ما هو مقصود من استحضارها الآن وهنا ضمن مسار الحرب السورية، حيث كتبها يوربيدس (خلال أحداث الحرب البيلوبونيسية ضد سبارطة، كاحتجاج على جريمة حرب أثينا، ومن الممكن أن تكون المسرحية أول نص أدبي يركز على النازحين في الحرب. كما أنها تدرّس كتراجيديا تسلّط الضوء على معاناة النساء بسبب منازعات الرجال، فقدان البيت، الأقارب والأحباء، المجتمع والمكانة الاجتماعية. وهي نفس المواضيع التي يعاني منها اللاجئون على مرّ العصور. إلى جانب الوحشية تجاه النساء).

عند الحديث عن نقاط قوة النص في الوقت الحاضر باستعادته لمأساة اللاجئين والمهجرين، يروي فريق عمل “نساء طروادة” ما قالته إحدى الممثلات اللاجئات لدى قراءتها للمسرحية: “هناك خطاب لهكوبا عندما تنظر إلى طروادة للمرة الأخيرة، غمرني البكاء، لأنني عندما تخطيت الحدود الأردنية، قال لي زوجي: انظري إلى سوريا لآخر مرة، لأنها قد تكون المرة الأخيرة”.

العرض اليوم يستعيد مأساة مجموعة من اللاجئات السوريات في اختبارهن لتفاصيل الحرب بكل ما تحمله من مشاعر متناقضة ومتصارعة، من خوف وأمل وقهر وألم وغير ذلك، بعد ورشة تدريبية استمرت 6 أسابيع، 5 أيام في الأسبوع، 4 ساعات في اليوم، اختبرت بدورها نقاط الاختلاف والالتقاء بين القصص المروية من قبل نساء سوريا الطرواديات، فاتحةً المجال أمامهن للتعبير كوسيلة مبدئية للتخلص من آثار نفسية وأخرى جسدية ربما، كانت قد خلفتها الحرب لديهن.

وعن آلية عمل الورشة ومرحلة التوصل إلى نص العرض النهائي، يقول عمر أبو سعدة مخرج العرض: “عند بداية الاشتغال على نص الطرواديات لم نكن نتخيل المغامرة التي تنتظرنا، خصوصاً وأننا نعمل مع مجموعة من النساء اللواتي لم يقفن على خشبة مسرح من قبل. وهكذا بدا العمل بأكمله رحلة لاكتشاف النص واكتشاف شخصيات النساء المشاركات ولاكتشاف العملية المسرحية مجدداً”.

ويضيف أبو سعدة: “قمنا بقراءة النص بطرق متعددة وناقشناه مع المجموعة، كما اخترنا مقاطع محددة وجربنا العمل عليها. وكانت المفاجأة بحجم التقاطعات الكبيرة مع النص الإغريقي. حاولنا تفسير النص على ضوء اللحظة الراهنة وحاولنا تفسير ما يمر بنا الآن على ضوء النص. وفي النهاية توصلنا لرؤية واحدة مشتركة، كان النص بمثابة شهادات من النساء الطرواديات عن الحرب المؤلمة التي تعرضت لها مدينتهم، وثائق تأتي من أزمنة بعيدة، وأردنا أن نكتب نصاً موازياً يوثق شهادات النساء السوريات اليوم، تجاربهن، قصصهن، كلماتهن، أغراضهن، وذكرياتهن. وهكذا ولد نص جديد مختلف، وثيقة تحاول أن تحكي ما حصل في سوريا من أصوات مغايرة لم تعطَ مساحة كافية، هي أصوات النساء”.

 

 

 

 

لطرح فني وأخلاقي كالذي سبق، يأتي المسرح التفاعلي نوعاً مسرحياً يناسب فكرة وآلية وموضوع العمل، وهنا تروي ناندا محمد، الممثلة السورية التي كان لها مهمة تدريب النساء على التمثيل على الخشبة، كيف اكتشفت معهن الصيغة النهائية للعرض، فتقول: “كان من المدهش مراقبة التحولات الصغيرة التي طرأت على كل سيدة من هذه المجموعة الرائعة. أذكر تماماً يومنا الأول معاً، كنّ يتلقين باستغراب ماكنت أطلبه منهن أثناء التمارين ومع ذلك كانت عيونهن تلمع فرحاً وفضولاً”.

وتشرح: “قمت بالعمل معهن يومياً لمدة شهر وأسبوع على تمارين يقوم بها الممثل المسرحي المحترف، بعض هذه التمارين صعب للغاية وكان مفاجئاً مدى حرصهن على إتقانها رغم أنها التجربة الأولى في المسرح بالنسبة لهنّ، أعتقد أنهنّ مميزات فعلاً، تجربة العمل معهن كانت غنية .. إنسانياً وفنياً”.

أيضاً، تؤكد سينوغراف العرض، بيسان الشريف، خصوصية هذا العمل عن غيره من ورشات وعروض المسرح التفاعلي التي كان لها فرصة التواجد فيها، وتوضح أن الخصوصية تكمن في التجارب والقصص التي روتها لهم كل امرأة من النساء اللواتي عملوا معهن، في مقدار شجاعتهن ونشاطهن، إقبالهن على العمل بحيوية وتقديمهن للاقتراحات الذكية.

وتقول الشريف: “لقد شاركننا بكل حب بمعاناتهن، وبالفعل كل واحدة مرت بمحنة أكبر وأصعب من الأخرى خلال السنوات الثلاثة الماضية، ونحن من ناحيتنا دعوناهن للمشاركة في تصميم العرض المسرحي الذي هو حصيلة عملنا معهن”.

وتضيف: “لأول مرة تشارك المتدربات بكل تفاصيل العرض وهذا هو التفاعل بعينه، حتى أنهن شاركن في تحديد البعد الجمالي له. وقد قمنا بإجراء التمارين في محاولة لتوريطهن في اختيار الأزياء والرؤية البصرية للعرض وقد نجحن بالامتحان.. إنها تجربة هامة على المستوى الإنساني والعملي”.

 

 

بقلم: رضاب فيصل

 

http://www.middle-east-online.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *