«عنق الزجاجة»… ربيع عربي بصري بامتياز

تستمر عروض «المهرجان المسرحي المحلي» بدورته الرابعة عشرة على خشبة مسرح الدسمة. وكان الموعد مساء أول من أمس مع عرض المعهد العالي للفنون المسرحية «عنق الزجاجة»، من تأليف الدكتور سليمان آرتي، إخراج الدكتور موسى آرتي، ومن بطولة جمال الردهان، سعيد سالم، علي العلي، عبد العزيز الصايغ وروان الصايغ.

حرب ودمار، ثورة وانقلاب، حب وعشق… وديكتاتور ظالم. كل هذه الأمور كانت من عناصر النص المسرحي والتي على إثرها تم بناء الأحداث المسرحية ليستمتع الجمهور بعرض بصري بامتياز إن صحّ التعبير- وغضّ النظر عن بقايا العناصر المسرحية.
شاهدنا جمال الردهان الذي جسّد دور «الديكتاتور» الظالم المتسلط على شعبه، والذي ولّى هارباً خلال الحرب التي شنّت على بلده، ومع ذلك بقي ولم يتخلّ عن ظلمه الذي سلّطه على بقايا شعبه ممن هرب معه، ومنهم «المفكر» الذي جسّد دوره علي العلي و«المحايد» الذي لعب دوره سعيد سالم. أما الصايغ، فكان مثالاً لـ «الحب»، لكنه تخلّى عن حبيبته بعدما غرّر به الديكتاتور لقتل أحد غرائمه ومنحه الوعد بمساعدته، ولدى تنفيذه المهمة بنجاح يقوم بكتم صوته وحبسه داخل أحد السجون لمدة عشر سنوات خوفاً من فضحه. أما روان الصايغ، فكانت تلك الفتاة العاشقة التي مثّلت «الوطن الضائع» عندما تخلّى عنها حبيبها، فحاولت البحث عنه كثيراً وسألت الجميع عنه، إلى أن التقت به بعدما فرّ من السجن بفعل الحرب، حينها يلتقيان وتبدأ بمعاتبته وهو يبرر لها ما حصل، لكنها لا تقتنع بمبرراته معتبرة إياه شبيهاً بالديكتاتور الذي مشى خلفه. لكن في النهاية، يتّحد أبناء هذا الشعب ضد من ظلمهم محاولين قتله فيفشلون. ولدى محاولة ذلك الديكتاتور الخروج من «الزجاجة» وإبقاءهم محبوسين داخلها، يقع في «زجاجة» أصغر مما كان فيها.
على صعيد الأداء التمثيلي، يمكن القول إنه كان متفاوتاً وعلى مستويات عدة، لكن من المؤكد أن حرفية الردهان وخبرته الطويلة كانت عاملاً قوياً في مساعدته ليكون العنصر الأقوى والطاغي على باقية زملائه الممثلين. إضافة إلى ذلك، كان فهمه العميق لسيكولوجية شخصيته التي جسّدها دور مهمة جداً في منحه المجال لتقديمها بالشكل المطلوب مع الإحساس العميق، وهو الأمر الذي فقدناه مع المتبقين.
العنصر الطاغي على العرض كانت «السينوغرافيا» التي تعاون في صناعتها مهندس الإضاءة فهد المذن، ومهندس الديكور محمد عارف. إذ كانت افتتاحية المسرحية معتمدة على التشكيل في الإضاءة، ترافقها أصوات القنابل والتفجيرات، والتي تعامل معها الردهان بشكل جميل كأنها عنصر ملموس. ولم تتوقف الإضاءة عند المشهد الأول، بل استمرت في إبهارها طوال العرض، لكنها في الإجمال نجحت في بعض المشاهد وفشلت في مشاهد أخرى. وربما يمكن القول إنّ حركة الممثل كانت قد سبقت الإضاءة أو العكس هو الصحيح. أما على صعيد الديكور المسرحي الذي مثّل وصوّر لنا أطلال المدينة المدمّرة بفعل قذائف الحرب، انقسم إلى قسمين أشار في أولهما إلى القسم المدمر منها وفي الثاني إلى الحب، والتي تم إيضاحها من خلال العمق المسرحي «فجوة في المنتصف»، لكن ذلك الديكور الرمزي للفكرة التي تمت مناقشتها وطرحها كان ضخماً، ما وضع الممثلين في مساحة مسرحية ضيقة تمثّلت بمقدمة المسرح بشكل أساسي، وعمقه الذي استخدمه المخرج مرتين فقط.
أما الأزياء التي صممتها جمانة الكاظمي، وارتداها الردهان، أوحت إلى شخصيته حتى لو لم يعرّف عنها من خلال الحوار، كونه كان يرتدي الزي العسكري وطوال الوقت ممسكاً بزجاجة الخمر. أما شخصية الفتاة، فكانت ترتدي فستاناً مائلاً لونه إلى السواد، وبه دلالة على مدى الحزن والانكسار للوطن، بما أنها ترمز له. وفي ما يخصّ الشخصيات الثلاث المتبقية، فأزياؤها لم ترمز إلى مكان معيّن، لكنها كانت متسخة بفعل الدمار الذي لحق بالبلد، واكتفى المخرج بإخفاء معالم وجوههم إلى قسمين، أحدهما باللون الأسود والآخر بالأبيض نتيحة النار المشتعلة، والذي تصدّت له الماكييرة سارة فاضل.
وعلى صعيد الحوار الذي كان سردياً بشكل كبير ومائلاً كثيراً إلى النمط الشعري في معظمه، فقد احتوى العديد من الدلالات اللغوية، إذ أشار من خلالها كلٍ من المؤلف والمخرج إلى فكرهما. فكان واضحاً كيف تنقلا من الثورة والانقلاب في مصر، إلى جرائم القتل في سورية، والديكتاتورية في العراق وليبيا، وغيرها من الأحداث التي لامسها الربيع العربي.

 

 

كتب علاء محمود

http://www.alraimedia.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *