«الواوية»: طاقتان من زمنين مختلفين صنعا مسرحية لا تنسى…

عادت نضال الأشقر
غريب أمر هذه السيدة الكبيرة كم لها من كاريسما على الخشبة. سرعان ما تحكمها وتمضي بكل من عليها إلى آفاق بعيدة بعيدة.

وما كان منتظراً أن تكتمل الصورة مع التعاون الرائع مع المخرج المدهش ناجي صوراتي. فمنذ أشهر كان الكلام عن تعاونهما، وها هو يضيء مسرح المدينة، يجعل من الجديد إبهاراً من خلال دمج موهبتين كبيرتين واحدة تمثل إرثاً كبيراً مخضرماً، والثاني طاقة إخراجية إبداعية فذة تدفقت عطاءاته بشكل مضيء خارج النطاق الأكاديمي وبرع بقوة.

الواوية جمعهما.
السيدة تعبر، تجسد، تقول، وتزرع المكان بسحر خاص، بالشكل، بالصوت، والقدرة على أسر أكبر قدر من المشاهدين، مختصرة أزمة وطن بالكامل من خلال الام الشجاعة التي تحتضن أبناءها الثلاثة وتضمهم إلى حضنها لكي تحفظهم وتمنع عنهم الفرقة والضياع إستناداً إلى نص لـ برتولد بريخت أعده إيلي أجناسي، وجاءت النتيجة على قدر رفيع من التجانس والعمق والدفق في المشاعر.
وسط ديكور أليف، لا غرابة فيه، بل طرح لعلامات استفهام عديدة ومحاولة حثيثة لجعل المشاهد يفكر، يعتقد ويدخل في لعبة من الهواجس إلى حين العثور على الطريق الصواب لفهم وإستيعاب هذا المناخ، ورغم وجود الرباعي: خالد العبد الله، عبد قبيسي، علي الحوت، وهادي دعيبس، فإن السيدة نضال تظل في زخم الحضور والتأثير والوزن القائم في أبهى صورة يمكن توقعها، وهي عودة تطرح تساؤلا لماذا لا تعدنا هذه الكبيرة كل عام بعمل واحد على الأقل لكي يبقى الدرس المسرحي حاضراً وقادراً على تفعيل الحراك المسرحي على الدوام.
الواوية
هي السيدة الكبيرة، الأم التي يعطيها النص كامل المساحة البطولية انسجاماً مع مقولة: قائد الحملة يجب أن يتحمل الوزر الأكبر من التعب والجهد.
مونولوغ خالد العبد الله فيه لمعان ومعنى ومشاعر مختلفة ومتوازنة إنسجاماً مع العلامة الفارقة في أدائه التي تجعل من الطرب في رداء خاص ومتفاعل تصاعدياً حتى نشوة الإستماع، مع خصوصية في التوازن الحاصل على المسرح مع الثلاثة الآخرين: حركة وصمتاً، رقصاً وتواصلاً أقرب إلى الإيقاع المتمادي بصداه، بحيث يصب في خانة فعل نضال من المشهد الأول.
قوة صوراتي في «الواوية» تكمن في طاقة كل شخصية تظهر على الخشبة، لكنه هيأ لها بكل ثقة المواصفات المهمة وغير الدخيلة، على الذين نتابعهم على الخشبة، مع مراعاة مونولوغ كل منهم عزفاً وغناءً مع جانب راقص أقرب إلى حالة التصوف والتماهي، لكن التمثيل ظل مرتهناً بالكامل، وبقوة للسيدة نضال التي حكمت الخشبة بالدور، بالتجسيد، وبكل العناصر السينوغرافية المتوفرة، مع نص طوّبها محور الأحداث، شجاعة، وصاحبة الكلمة الأخيرة والفاعلة في سياق التوجيه، ورد الإعتبار لمواقف ووقائع هي من صميم اليوميات الوطنية التي تواجهنا ولا ندري أسلوباً ناجعاً في التعاطي معها.
الصورة التي واكبناها بدا حضور الإخراج فيها متيناً، هناك ضبط كامل لإيقاع التمثيل، وحركية العناصر، والطبقة الصوتية غناءاً وتمثيلاً للجميع يحيث لا يبقى وقت لنفاد أي إضافة سوى بتجويد ما هو مطلوب، وهذا بالتمام ما هو مطلوب من الممثلين، وهو ما تعرفه جيداً السيدة الكبيرة وهي تسلم كامل موهبتها وتجربتها لمخرج فذ يعرف ماذا يريد، ويجتهد لبلوغ الأقصى مما يستطيعه وينجح.
«الواوية» جزء أول من توزع الحالة المسرحية في بيروت، أحببناها كثيراً، وعرفنا أن المسرح بخير، طالما إعتلاه كبار، وأدارة كبار، وحضرة جمهور من كل الأطياف والأعمار والأفكار.

 

http://www.aliwaa.com/


محمد حجازي

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *