مهرجان المسرح المحترف.. مجرد رأي.. واقتراحات

 

يعتبر مهرجان المسرح المحترف، مهرجانا غير عادٍ في حياتنا المسرحية، ولا هو مثل بقية المهرجانات الأخرى كثيرة التشابه، واختلافه عنها لا يأتي مما يعرفه هذا الموعد السنوي من تنافس بين المسارح الجهوية على جوائزه فقط، ولكن من كونه في الحقيقة أو ما يفترض أن يكونه، سوقا فنيا، فيه تتم الصفقات والتعاقدات على إنتاجات السنة القادمة بين المخرجين والمنتجين، وحتى كتاب الدراما.

 

 

وقد يتم ذلك فعلا إذا كان المنتج ذكيا ويبحث عن تحسين إنتاجه، ونرى أن ذلك قد حدث مثلا مع مسرح سيدي بلعباس الذي تعاقد مع هارون كيلاني الذي قدم السنة الفارطة عرضا متميزا عنوانه “الجدار”، ومع مسرح قسنطينة الذي جدد ثقته في دهيمي الذي حصد السنة الفارطة ثلاث جوائز بعرض “ليلة اللياكي” أو مسرح باتنة كذلك الذي جدد هو الآخر ثقته في المخرج بن براهيم الذي حصر السنة الفارطة جائزة أحسن إخراج وأحسن أداء رجالي عن عرض “مستنقع الذئاب” أو مسرح سطيف الذي تعاقد مع الربيع قشي الذي أحرز نجاحات كبيرة في “عرض جحا في الشارع”، وهكذا. لكن الذي يحدث في الغالب هو غير هذا، إذ تأتي أغلب المسارح إلى المهرجان، وهمها الوحيد الحضور دون أي شيء، بحيث لا تهمها جودة إنتاجها أو الحصول على جائزة أو العودة دون ذلك. وأغلبها يصرف ما يعطى لها كميزانية إنتاج دون السعي إلى تحسين الإنتاج، إذ أصبحت الرداءة هي السمة الغالبة على العروض، وصرنا نلحظ هبوطا من سنة إلى أخرى في العروض المنتجة خصيصا للمهرجان، إذ أن أغلبها يدخل الأرشيف بعد انتهاء دورة المهرجان، ليبدأ التفكير في إنتاج عمل الدورة القادمة من المهرجان، وكأن دور هذه المسارح أصبح هو إنتاج عروض للمشاركة في المهرجان لا أكثر ولا أقل.

أمام هذه الظاهرة الغريبة، أصبحنا نتحسر على الحركية التي كانت تعرفها مسارحنا الجهوية على قلتها أيام زمان، وعلى جودة ما كانت تنتجه من عروض مسرحية، إذ يبدو أنه كلما زاد عدد المسارح الجهوية كلما زاد انحطاط الإنتاج ورداءته، وكلما زادت الأموال المخصصة للإنتاج كلما زادت “برطيطية” الإنتاج، في حين كان يفترض أن يحدث العكس.

ولأن المسرحيات هي لب التنافس في المهرجان، فقد أصبحت المسارح الجهوية تجعل من إنتاج العمل الواحد شغلها طيلة العام، فلا يكاد المهرجان ينتهي حتى يبدأ التفكير في المهرجان القادم، ولكن بأسلوب “كعبر واعطي للاعور” في الأعم العام. وحسب علمي، فإنه لم يحدث أن قيم مسرح من هذه المسارح مشاركته في دورة من دورات المهرجان ليعرف مكامن الخلل في إنتاجه ونقاط ضعفه وقوة إنتاج الآخر، بحيث أصبحت هناك نمطية ما في مجمل العروض وتشابه يكاد يكون متطابقا في العروض، يتميز أغلبها بالتسرع، وبانعدام المسؤولية عند المنتج والمخرج على حد سواء، فالمخرج الذي يقوم بإخراج ثلاثة أو أربعة أعمال في السنة ويتبجح بأنه لا يسمح لنفسه بزيادة يوم واحد عن الشهر في إخراج عمل مسرحي، نقول بأن نوع هؤلاء المخرجين الأهم بالنسبة له تحصيل المال، أما أن يتولى من ليس اختصاص في الإخراج، فتلك المعضلة الكبرى، إنه بعمليات مثل هذه عرفت الحركة المسرحية عندنا تدهورا إلى حد كدنا نصدق أنه ليس في الإمكان إبداع مما هو كائن.

إن أغلب مسارحنا الجهوية تهدر أموالا طائلة في أعمال لا ترقى إلى مستوى العرض المسرحي المتوسط حتى لا نطمح فيما هو أكثر، بل أغلبها يساهم بطريقة مباشرة في “برططة” العملية المسرحية.

لست ضد أن يضاعف ما يتقاضاه المخرج أو الممثل عن العمل المسرحي، ولكنني بالمقابل أطالبه بأن يعطيني ما يقنعني بأحقيته فيما تقاضاه عن العمل. إنني أدعو من هنا إلى أن تخصص إحدى الجلسات الدراسية في دورة من دورات المهرجان إلى البحث عن الأسباب التي أوصلت مسارحنا إلى هذه الدرجة من الانحطاط وهذا المستوى المتدني في الإنتاج، مقارنة مع ما عرفه المسرح عندنا في القرن الماضي من رفعة وجودة في الإنتاج، مكنت مسارحنا من حصد الجوائز في المهرجانات العربية والدولية. إنما يبدو أن الفرق كبير بين جيل كان يتخذ من المسرح أسلوب نضال وبين جيل أصبح يتخذ منه وسيلة ربح المال. وفتح الأبواب أمام أي كان ليقوم بالإخراج حتى وإن لم تكن له دراية بأبجديات الإخراج الأولية، وقدرة على قراءة النص قراءة دراماتورجية برؤية ثقافية وسياسية وفهم وإدراك لأبعادها الفكرية والفلسفية.

أمام هذه الحالة التي نزل إليها الإنتاج المسرحي عندنا، والتي لم يعرف مثلها من قبل، فإنه في اعتقادي الخاص أصبح من الضروري إعادة النظر في بعض المسميات بخصوص جوائز المهرجان وإني أتقدم بهذه الاقتراحات إلى الأصدقاء في محافظة المهرجان، والذين لا حيلة لهم فيما عم المسارح عندنا من تدنٍ وهبوط في العروض.

أقترح أن تمنح الجائزة الكبرى لأكثر العروض هبوطا وانحطاطا من جميع الجوانب الفنية، وأقترح جائزة لأسوأ أداء رجالي، وأسوأ أداء نسائي، وجائزة لأسوأ إخراج، وأخرى لأسوأ سينوغرافيا، كذلك أقترح جائزة النص المختلس وما أكثر ذلك عندنا.

وجائزة أخرى للنص المقتنص على وزن المقتبس الذي هو في الغالب يختلس، وبذلك ربما نعطي للمنافسة في المهرجان مستقبلا مفهوما غير الذي يسوده الآن، وربما بذلك قد نحدث صدمة في النفوس قد تؤدي إلى استفاقة مسرحية تعيد لمسارحنا تلك الروح الإبداعية الرائعة التي كانت تسودها.

ج. علاوة وهبي

 

http://www.djazairnews.info

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *