‏’‏عطيليانو‏’..‏ تراجيديا شكسبير في نسختها الشعبية‏!!‏

أعظم ما في أعمال المسرحي الانجليزي الأشهر ويليام شكسبير مناسبتها للتجسيد في كل زمان وأي مكان‏;‏ ذلك أنه يغوص بشخصياته في أعماق النفس البشرية بكل ما تحمله من متناقضات ومشاعر تتأرجح بين أقصي درجات الخير وأسوأ مراحل الشر‏.

وبناء علي هذا قدم المخرج رضا حسنين عرض’ عطيليانو’ تراجيديا شكسبير’ عطيل’ في صورة شعبية لا تخلو من عبثية, وهو العرض الذي يمثل مصر الآن في مهرجان أيام قرطاج المسرحية, بعد عرضه علي مسرح الهناجر ضمن مشروع’100 ليلة مسرح’.
أؤمن دائما بمقولة’ النوايا وحدها لا تكفي’ فالفكرة التي اعتمد عليها متولي حامد في تقديم رؤية مختلفة لـ’ عطيل’, ذلك القائد المغربي الأسود في جيش البندقية, مبتكرة ولها وجاهتها الخاصة, حينما نري قالبا شعبيا تدور من خلال المسرحية التي تجسد أروع أشكال الحب والشك والغيرة الإنسانية والتي تغلفها عنصرية تفشت في أوروبا خلال القرن الخامس عشر تقريبا, فنري أنفسنا أمام تنوع درامي يحرك الأحداث بين دمي لعطيل وزوجته المخلصة ديدمونة وبين تجسيد بشري لحياة هذين البطلين التي يقودها شيطنة’ ياجو’ حامل راية الجيوش وعفوية’ كاسيو’ مساعد عطيل, وبين هذا وذاك نري الممثل سيد الفيومي يقوم بدور المخرج, الذي يظهر للجمهور من خلال شاشة عرض تمهد ظهور الحقيقي ليقدم لنا أبطاله ويشرح لنا كيف ستدور الأمور ويربط بين الأحداث من خلال التعليق عليها تارة وتوجيه ممثليه تارة أخري وهو ما يخرج بالمتلقي من عملية الإيهام المسرحي, حتي أنه يناديهم بأسمائهم الحقيقية في بعض الأوقات ويخرجهم من المسرح ليعيدهم مرة أخري للتجسيد بشكل مختلف, ثم يكشف لنا أبطاله وهم يحركون الدمي ويتصارعون فيما بينهم حول براعة كل منهم في التحريك, ثم يتحول هذا الصراع إلي صراع درامي بين كاسيو وياجو أو(علاء النقيب) من خلال مواجهة كل منهما للآخر وقوفا علي أبراج متحركة صممها عمرو طلبة ضمن ديكور متناغم جدا, ولا يتورع الفيومي- أن ينقلنا إلي مشهد فرح عطيل وديدمونة كما لو كان في حارة شعبية فيرقص لاعب التنورة بألوان بدلته المبهرة علي كلمات الأغاني والرقصات الشعبية..
كل هذا يعكس النوايا الطيبة لكاتب النص, ولكن من يشاهد العرض يدرك أنه بحاجة إلي قدرات تمثيلية عالية للغاية نظرا لما به من محطات درامية متفاوتة في درجة تعقيدها وهو ما افتقدته في الشخصيتين الرئيسيتين للعمل, عطيل الذي جسده محمد أبوسعدة وديدمونة التي جسدتها نجلاء يونس, فكان أداؤهما متواضعا للغاية, خاصة وأن شخصية عطيل كان يسيطر عليها الصمت لفترات طويلة وهو ما يتطلب استخدام تعبيرات الوجه والأداء الحركي والإيمائي بدرجة أعلي, وأتصور أنه كان أفضل للمخرج ان يكتفي بتجسيد كلتا الشخصيتين بالدمي فقط, أما علاء النقيب فقد أدي شخصية’ ياجو’ بكل تفاصيلها الشكسبيرية دون تصرف منه وهو ما احتاجته الشخصية بالفعل, بينما كنت أنتظر من سيد الفيومي أكثر مما قدمه باعتباره ممثلا متمرسا صاحب قدرات تمثيلية عالية عرف بها علي مدي السنوات الماضية, خاصة وأنه يملك مفاتيح تحريك الأحداث, والتي كثيرا ما افتقدت سرعة الإيقاع المطلوبة لمنع تسرب الملل للمتلقي, وتلك هي مسئولية المخرج رضا حسنين الأولي, حتي ولو أدي ذلك لحذف بعض المشاهد لصالح الترابط والإيقاع المحكم.
وفي النهاية يظل العرض نموذج جيد لشباب طال انتظارهم للعمل بسبب اغلاق مسرح الهناجر فترة طويلة بلا سبب واضح أو مقنع رغم دخوله الخدمة بعد إعادة ترميمه.

 

كتب:باسم صادق

http://www.ahram.org.eg

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *